بكاء الرجال
2006-08-01
كم هو صعب بكاء الرجال! كتب عن هذا الموضوع وقيل الكثير، وانقسم الناس. فهذا يقول إن بكاء الرجل وصمة تدينه بالضعف، وذاك يؤكد أن على الرجل أن يبكي أكثر حتى يفتح الباب أمام مشاعره المحبوسة. وفي عالمنا العربي تحاط مثل هذه المناقشات والتنظيرات بالكثير من مظاهر الشجب وعدم القبول، إذ على رغم التطور والانفتاح على العالم، إلا أن الرجل العربي يظل ينأى بنفسه بوجه عام عن البكاء، لأن البكاء ضعف والرجل الحقيقي يفترض ألا يكون ضعيفاً، على الأقل حين يكون على مرأى من الآخرين.
وبغض النظر عن مدى صحة هذا التعريف أو عدم صحته، فإن ما تنقله إلينا الفضائيات الإخبارية العربية في هذه الأيام الكارثية يحوي بثاً حياً لتغيير كلي وجزئي في هذا المفهوم. لقد بات بكاء الرجال الأشداء، مشهداً يومياً ينقله لنا الأثير. إنه ليس بكاءً من نوع البكاء الذي يروّج له خبراء علم النفس ومؤيدو ومريدو المساواة التامة بين الذكر والأنثى والمتضمن، الى البكاء، ذرفاً للدموع غزيراً، بل هو البكاء الذي يدغدغ المشاعر ويعصر القلوب حزناً وألماً.
فما الذي يدعو عامل بناء لا يملك سوى جسده القوي وعضلاته المفتولة الى أن ينتحب أمام فضائيات العالم لو لم يكن يحمل ابنته ذات الأعوام الأربعة جثة هامدة بين يديه؟ وما الذي يجعل شيخاً في الستين يملك صلابة من تجارب السنين وعناداً طالما ساعده على قهر مصاعب الحياة والسخرية منها، أن يتحدث إلى مراسل إحدى الفضائيات والدموع تنساب هادئة من عينيه؟ ربما يكون ذلك قلقاً على زوجته وبناته وأحفاده الذين نزحوا إلى مكان يعتقدون بأنه أكثر أماناً بينما صمم هو على البقاء لـ «حماية» بيته ودكانه من القصف الجوي!
لعلها من المرات القليلة التي يشعر خلالها المشاهد بالآثار الجانبية للفضائيات ولعصر السموات المفتوحة والشفافية الإعلامية التي فرضتها تكنولوجيا الفضائيات. صحيح أنها تنقل للجميع الوضع الكارثي في لبنان ولكن يبدو أن الحقيقة، فعلاً مؤلمة. ويبدو كذلك أن الكثير مما نتشدق به من نظريات لا سيما تلك المتعلقة بصورة الرجل الشرقي وضرورة تحلله من القيود التي يفرضها على نفسه يتحقق بالفعل ولكن بطريقة بالغة القسوة وفي وقت غير مناسب، و... بصراحة: ليته لم يتحقق!
الحياة - 02/08/06//
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |