مقتطفات من كتاب إريك فروم / الحب جواب على مشكلة الوجود الإنساني
2009-05-31
ترجمة : مجاهد عبدالمنعم مجاهد
إن اية نظرة عن الحب يجب أن تبدأ بنظرية عن الإنسان ، بنظرية عن الوجود الإنساني. فعلى حين نجد الحب أو بالأحرى نجد المكافئ للحب نجد أن الارتباطات عن الحيوانات ليست أساسا سوى جزء من شحنتها الفرزية ، و لا نجد إلا بقايا لهذه الشحنة الفرزية هي التي تستطيع أن ترى و هي تعمل في الإنسان. و ما هوجوهري في وجود الإنسان هو أنه قد تفلّت من المملكة الحيوانية ، من التكيف الغريزي ، لقد تجاوز الطبيعة – بالرغم من أنه لم يتركها إطلاقا ، إنه جزء منها – و مع هذا لما كان قد ابتعد عن الطبيعة فإنه لا يستطيع أن يعود إليها ، و لما كان قد طرد ذات يوم من الفردوس - و هي حالة من حالات التوحد الأصيل مع الطبيعة – فإن الملائكة المزودة بالسيوف المشتعلة سوف تسد عليه طريقه إذا فكر بالعودة. لا يستطيع الإنسان أن يتقدم إلا بتطوير عقله و باكتشاف تناغم جديد، تناغم إنساني ، بدلا من التناغم السابق على الإنسانية الذي فقده و الذي لا يمكن استرداده.
و عندما يولد الإنسان ، الجنس البشري و كذلك الفرد ، فإنه يخرج من حالة تكون محدودة محدودبة لغرائز إلى حالة غير محدودة و غير يقينية و مفتوحة. ولا يوجد يقين إلا عن الماضي – و عن المستقبل باعتبار هذا اليقين يقين.
الإنسان موهبته العقل ، إنه الحياة التي تعي ذاتها ، إن لديه وعيا بنفسه و برفاقه و بماضيه و بإمكانيات مستقبله. هذا الوعي بالنفس باعتبارها ذاتية مستقلة ، الوعي باتساع حياته القصيرة ، الوعي بأنه قد ولد بدون مشيئته و سوف يموت ضد مشيئته ، الوعي بأنه سيموت أمام أولئك الذين يحبونه أو ن أولئك الذين يحبونه سيموتون أماه ، الوعي بوحدته و انفصاله ، الوعي بعجزه أمام قوى الطبيعة و المجتمع - كل هذا يجعل من وجوده المنفصل المفكك سجنا لا يطاق. و قد يصاب بالجنون إذا لم يسطع أن يحرر نفسه من هذا السجن و ينطلق ، و يوحد نفسه – بشكل أو بآخر – مع الناس ، مع العالم الخارجي.
إن تجربة الانفصال تثير القلق ، إنها – في الحقيقة – مصدر كل قلق. الانفصال يعني الكف – بدون أية مقدرة – عن استخدام القوى الإنسانية. و من ثم فإن الانفصال يعني اليأس و العجز عن الاستحواذ على العالم – الأشياء و الناس – بسشكل فعال ، إنه يعني أن العلم يستطيع أن يحاصرني بدون قدرة من جانبي على رد الفعل إزاءه. و من ثم فإن الا نفصال هو مصدر القلق الشديد. و بجانب هذا فإنه يثير العار و الشعور بالإثم. و قد جرى التعبير على تجربة الإثم و العار هذه في الانفصال في قصة الإنجيل عن آدم وحواء . فبعد أن أكل آدم و حواء من " شجرة معرفة الخير و الشر "، و بعد أن عصي ( لا يوجد خير أو شر ما لم توجد حرية المعصية ) ، و بعد أن صارا إنسانين عن طريق تحررهما من التناغم الحيواني الأصل مع الطبيعة ، أي بعد ولادتهما كبشر – رأيا " أنهما عاريان – و كانا خجلين ". فهل يمكن أن نفترض أن أسطورة كهذه بمثل هذا القدم و البدائية إنما تحتوي على أخلاقيات الاحتشام التي تكمن في نظرة القرن التاسع عشر و أن النقطة المحورية التي تريد أن تنقلها القصة إلينا هي الحرج من أن أعضاء التناسل أصبحت مشاهدة ؟. يمكن أن يكون الأمر هكذا و لكننا بفهم القصة بالروح الفكتورية إنما نفقد النقطة الرئيسية ، التي يبدو أنها الأمر التالي : بعد أن أصبح الرجل و المرأة واعيين بنفسهما و بكل منهما بالآخر ، أصبحا واعيين بانفصالها و باختلافهما بقدر أنهما ينتميان لجنسين مختلفين . و لكن بينما يدركان انفصالهما فإنما يظلان غريبين لأنهما لم يكونا قد تعلما بعد أن يحب كل منهما الآخر ( كما يتضح تماما من أن آدم يدافع عن نفسه بتوجيه اللوم إلى حواء بدلا من أن يدافع عنها ). إن إدراك الانفصال الإنساني بدون الاتحاد من جديد عن طريق الحب هو مصدر العار. و هذا الوعي هو في الوقت نفسه مصدر الإثم و القلق.
إذن فإن أعمق حاجة عن الإنسان هي الحاجة إلى قهر انفصاليته. هي ترك سجن عزلته. و الفشل المنطلق في تحقق هذا الهدف يعني الجنون لأن كرب العزلة الكاملة لا يمكن قهره إلا بمثل هذا الانسحاب المتطرف من العالم الخارجي حتى أن الشعور بالانفصال يختفي – لأن العالم الخارجي االذي ينفصل عن الإنسان قد اختفى.
يواجه الإنسان – في كل العصور و الثقافات بحل المشكلة الوحيدة عينها : مشكلة كيفية قهرالانفصل ، كيفية تحقيق الوحدة ، كيفية تجاوز الإنسان لحياته الفردية و العثور على كفارته. إن هذه المشكلة هي عينها المشكلة بالنسبة للإنسان البدائي الذي يحيا في الكهوف ، و بالنسبة للإنسان الهائم على وجهه الذي يرعى القطعان ، و بالنسبة للفلاح في مصر و التاجر الفينيقي و الجندي الروماني و كاهن العصور الوسطى و المحارب الياباني و الكاتب الحديث و العامل.
المشكلة هي نفسهالأنها تنبع من الأساس نفسه : الموقف الإنساني ، أحوال الوجود الإنساني. و تتنوع الإجابة. يمكن الحل بعبادة الحيوان أو بالتضحية الإنسانية أو بالغلبة العسكرية أو بالانغماس في الترف ، أو بالانعتاق الصوفي أو بالعمل المفرط أو بالخلق الفني أو بحب الله أو بحب الإنسان. و على حين أنه توجد حلول كثيرة – و سجلها يشكل تاريخا إنسانيا – فإنها مع هذا ليست بالعديدة ، فبمجرد أن يتجاهل الإنسان الاختلافات الصغيرة التي ترجع إلى المحيط لا إلى المركز يكتشف أنه لا يوجد سوى عدد محدود من الحلول التي طرحت و التي أمكن طرحها من قِبَل الإنسان في الحضارات المختلفة التي عاشها. إن تاريخ الدين و الفلسفة هو تاريخ هذه الحلول ، تاريخ تنوعها ، و كذلك تاريخ محدودية عددها.
و تتوقف الحلول – إلى حد ما - على درجة التفردية التي يصل إليها الفرد. ففي الطفل تتطور الآنية و لكن تطورا ضئيلا ، فهو لا يزال يشعر أنه متوحد مع أمه ، و هو بلا مشاعر بالانفصال طالما أن الأم ماثلة . و هو يشفي من شعوره بالوحدة بالحضور المادي لأمه ، بثدييها ، بجلدها. و حسب الدرجة التي ينمي بها الطفل شعوره بالانفصال و الفردية لا يعود الحضور المادي لأمه كافيا و تنشأ الحاجة إلى قهر الانفصال بطرق أخرى.
و بالمثل فإن الجنس البشري في طفولته لا يزال يشعر باتحاده مع الطبيعة. فلا تزال التربة و الحيوانات و النباتات هي عالم الإنسان. إنه يوحد نفسه مع الحيوانات و ُيعبر عن هذا بارتداء أقنعة على شكل حيوانات و بعبادة الحيوان الطوطم أو الآلهة الحيوانية. و لكن لما تخلص الجنس البشري من هذه القيود الأولية انفصل عن العالم الطبيعي و اشتدت الحاجة لإيجاد طرق جديدة للهرب من الانفصال.
و إحدى هذه الطرق لتحقيق هذا الهدف يكمن في جميع حالات السكر و العربدة ، و قد تتخذ حالات السكرهذه شكل غيبوبة ذاتية تتم أحيانا بمساعدة المخدرات. و تقدم عديد من طقوس القبائل البدائية صورة حية لهذا النمط من الحل ، و في هذه الحالة من النشوة يختفي العالم الخارجي و يختفي معه الشعور بالانفصال عنه. و بقدر ما تجري ممارسة هذه الطقوس بشكل جماعي تضاف تجربة الانصهار في الجماعة مما يجعل لهذا الحل فاعلية أكبر.
و ترتبط بهذا الحل من السكر و غالبا ما تختلط به التجربة الجنسية ، فهزّة الجماع الجنسية يمكنها أن تنتج حالة مماثلة للحالة التي ينتجها السكر أو الآثار التي تحدث نتيجة تعاطي المخدرات ، و تشكل طقوس العربدات الجنسية الجماعية جزءا من عدة طقوس بدئية. فيبدو أن الإنسان يستطيع بعد تجربة العربدة و السكر أن يستمر لفترة دون أن يعاني كثيراجدا من انفصاله. و ببطء تتصاعد شدة القلق ثم تتناقص مرة أخرى بالأداء المتكرر للطقوس.
• هذه مقتطفات من الترجمة العربية لكتاب :
The Art Of Loving. An Enquiry Into The Nature Of Love. 1956..
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |