حوار مع الشاعر الفلسطيني راسم المدهون / حاورته:
2009-06-27
القدس عاصمة الكوكب الأرضي وعاصمة الله
والتاريخ والثقافة والعرب والعجم
يواجه الشاعر والاعلامي الفلسطيني راسم المدهون الذي يعيش في الشتات واقعة بتأصيل ثقافته الفلسطينية داخل نسيج الواقع الثقافي العربي، وهو يتلمس في أعماله نقطة الضوء البعيدة التي بقيت مشعة في أعماقه. راسم المدهون الذي صدرت له أربعة دواوين هي: «عصافير من الورد» في 1983، «دفتر البحر» 1986، «ما لم تقله الذاكرة» 1989، «حيث الظهيرة في برجها» 2002. هو ناقد ادبي وكاتب سياسي بصحف عربية. وتبقى فلسطين من خلال كتاباته خزانة الابداع والمكان الأول والأثير في حياته كشاعر. وعلى الرغم من أن التنقل بين المدن والعواصم العربية قد منحه فرصة الأطلال على المشهد العربي من زوايا مختلفة. يبقى حنين الشاعر إلى ذلك الباعث الذي يقدح المخيلة والذي ينبلج من نقطة الكينونة الأولى في أرضه الأم. إلى القدس التي يراها «خطوات الطفولة البشرية وهي تتدرب على النطق والغناء والرسم ونحت الوجود والأفكار وابتداع الأدوات وحصاد القمح وتخزين الزبيب والتين اليابس».
في هذا الحوار معه نتعرف عليه اكثر:
القدس عاصمة ثقافية عربية للعام 2009
l كيف تعاملت مع هذا الحدث الذي يكتسي دلالة رمزية؟
- القدس عاصمة الكوكب الارضي وعاصمة الله والتاريخ والثقافة والعرب والعجم هي ليست مدينة وان كانت، وليست عاصمة وان ستكون. القدس خطوات البشرية في طفولتها، وهي تتدرب على النطق والغناء والرسم ونحت الوجود والافكار وابتداع الادوات وحصاد القمح وتخزين الزبيب والتين اليابس. مدينة كهذه يصبح من النافل ان نحشر قامتها الشاسعة في ايام قليلة ولو عاما كاملا. اليوم ثمة حرب كونية كبرى من حول القدس: يأتون باوراقهم المزورة ونأتي بجلدنا الذي انبتته على عظامنا صخور القدس، وعلينا في هذه المعركة ان ننجح في جعل الشعر ينتصر على الخرافة وان نمكن شجرة الزيتون وعريشة العنب من قهر التكنولوجيا العمياء في عالم تحكمه الاحتكارات الكبرى والفلسفات المهوسة باشعال الحرب والتمتع برؤية البشر يحترقون في اتونها. اعتقد ان هذا العام بالذات هو مناسبة لاطلاق الثقافة الفلسطينية في فضاءات العالم كما لم نفعل من قبل، نحن الذين عشنا في الخيام والمنافي ولكننا قدمنا للجمال محمود درويش وادوارد سعيد وافلاما سينمائية بديعة وجبارة في حساسيتها وجمالها، بل واحدا منها هو «الجنة الآن» لهاني ابو اسعد نال جائزة الغولدن غلوب في هوليود ولامس الاوسكار او كاد بينما لم تتمكن من ذلك بلدان ودول ينز منها المال. كل هذا الجمال مدعو اليوم لان يكون حاضرا في مرافعتنا عن عروبة القدس امام كل مدينة وقرية في هذا العالم الشاسع. بالنسبة لبرنامج الاحتفالية بالذات ارى انه يحمل الكثير من الوعود وان كانت لاتلبي الطموحات كلها مع ذلك هي معركة الثقافة في مواجهة الطغيان.
l عشت في فلسطين قبل انتقالك الى القاهرة فعمان فبيروت فدمشق، ماذا بقي في ذاكرتك عن فلسطين؟
- بالتاكيد بقيت فلسطين. هي بالنسبة لي ليست امكنة بذاتها وحسب، انها روح حياة لا استطيع التفكير او التصرف في معزل عنها وعن حضورها البهي. مع ذلك فصور الانسان الفلسطيني تستدرج صور ثقافة باتت مع مرور السنوات تؤسس لنفسها كيانا يصعب غض الفكر عنه. من هنا اجد نفسي باستمرار في حالة توحد مع تلك التي صارت بعيدة في الجغرافيا دون ان تكون بعيدة في الروح. اشبه هنا بطل رواية الراحل جبرا ابراهيم جبرا «السفينة» والذي دار فوصل عواصم ومدنا كثيرة على ساحل المتوسط، ولكنه ظل مشدودا بكليته نحو نقطة ضوء بعيدة تنبع من القدس. فلسطين هي بمعنى اخر كل القضايا العربية الشائكة التي يعيشها المواطنون العرب، فباسمها يجري قمعهم وحرمانهم حقوقهم الاساسية في الخبز والحرية. وانا اقول عن فلسطين دائما انها الاسم السري لقضايا العرب وهمومهم في الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان.
l وصورة المكان الفلسطيني ماذا بقي منها؟
- صورة المكان الفلسطيني تتبدل اليوم بسبب اجراءات التهويد مرة، وبسبب تطور الحياة ومتطلبات العيش لاهلها مرات اخرى. مع ذلك اعتقد انها تظل حاضرة وفي البال رغم السنوات الطويلة خصوصا وانها تاتي من الخزانة الاهم في الذاكرة اي خزانة الطفولة والتي اعتبرها الباعث الخفي للابداع دائما، الباعث الذي يحض مخيلتنا ويوجهها ويمدها بأسباب الحياة.
l حملت معك طفولتك كهاجس خفي للابداع، وتنقلت بين عدة مدن عربية وغربية، كيف تلملم كشاعر شتات الحالة الشعرية المتشظية بين الغربة المادية والغربة الروحية والحنين للطفولة في القصيدة؟
- الابداع حالة تغتني بالغربة والشتات. تنقلي بين مدن وعواصم كثيرة اغناني، ومنحني زادا من المعارف والذكريات وفي الوقت نفسه منحني فرصة الاطلال على المشهد العربي من زوايا متعددة وفيها خصوصيات مختلفة وغنية بالثقافات والمعارف كما العادات والتقاليد. اليوم ارى رحلتي وتنقلاتي فأرى شاهدا حيا على حيوية المنفى الذي احبه رغم قسوته ورغم انه يظل اضطراريا يبعدني عن المكان الاول الاثير في روحي. هناك ايضا الرحلات الى الخارج واعني بعض المدن الاوروبية والتي منحتني امكانية الرؤية بصورة مختلفة، وفتحت امام ناظري نافذة على معارف جديدة وزوايا نظر جديدة. هي رحلة تتنامى يوما بعد يوم، ولكنها رحلة حميمة كما هي الحياة حميمة أتذكرها فأهتف: اشهد انني عشت.
l قلت ان التنقل بين المدن اغناك ومنحك زادا من المعارف والذكريات فاذا اعتبرنا ان المدن التي تنقلت بينها هي صور قد تتلاصق في قطار الزمن الذي يربطه الزمن النفسي للشاعر، كيف تجمع الامكنة هواجس الاغتراب وعوالم للسحر والاكتشاف؟
- ثمة ما يدفعني الى القول ان اماكنا محددة كان لها اثرها البالغ على رحلتي مع الشعر منها بالتاكيد دمشق وتونس وبيروت. في هذه المدن العربية تعرفت على مناخات ثقافية واكتسبت ذكريات صارت جزءا من حياتي. اضيف لها بالطبع جزيرة قبرص التي احببتها كثيرا واقمت فيها ست سنوات منحتني الكثير. هناك دائما علاقة وشيجة بيني وبين المكان الذي اعيش فيه وحتى ازوره فهو يتجاوز كونه حيزا جغرافيا الى الحضور في الذاكرة كعلامة حضارية وانسانية تحمل نكهتها وثقافتها وصور وجوه بشر عشت معهم واحببتهم ولا استطيع نسيانهم بسهولة. المدن التي زرتها هي الالبوم الحقيقي لكتاباتي الشعرية، ولا يهم ان اتحدث عنها بصورة مباشرة، لانها حاضرة بين السطور دائما.
l فلسطين ترضع ابناءها حليب الشعر وتتركهم للمنافي وللمدن الغريبة، فقد ازداد عدد الشعراء الفلسطينيين وخاصة الشباب منهم المتنقلين من عاصمة الى اخرى. ألم يبق للفلسطيني غير الحلم بوطن داخل القصائد ؟
- يبقى للفلسطيني فلسطين حتى يرث الله الارض ومن عليها. ومع ذلك هناك فلسطين اخرى ليست من اتربة وشوارع ومدن وقرى، انها حصيلة الروح التي تجعل الاشياء تزدحم بالامال والطموحات الكبرى، وايضا بالرغبات الصغيرة والنزوات العابرة، ثمة حضور للعام في روح الشاعر الفلسطيني، لكنه مع ذلك لا يلغي خصوصيات كثيرة توضح الفوارق والقسمات والملامح بين شاعر وشاعر هل تكاثر الشعراء الفلسطينيون كما قلت؟ ليكن، ولتتفتح مليون زهرة في سهول الشعر اعتقد ان من اهم جماليات التجربة الشعرية الفلسطينية هذا التكاثر بالذات، فهو استجابة ابداعية متناسلة لتراجيديا الحالة الفلسطينية الواقعية بكل ما يعصف فيها من الام ومن فواجع تكاد تذهب بكل شيء مع ذلك علينا ان ننتبه الى ان الشعراء الفلسطينيين الشباب يفدون الى ساحة الابداع الشعري بحساسيات جديدة اجمل ما فيها انها تطلع من رؤى متقدمة تتجاوز الاسئلة القديمة التي واجهها جيلنا، والتي دفعنا ثمنا باهظا لها واهمها محاولات حشر الشعر الفلسطيني في حيز ضيق. شعراء فلسطين الشباب يكتبون مرايا ارواحهم الداخلية وينشدون للحياة بلغاتهم المختلفة وهم رغم ذلك يحملون في ثنايا سطورهم الشعرية تراجيديا شعبهم.
l ما رأيك في الشعر الملتزم الذي يتفاعل مع القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين؟
- حين اسمع كلمة شعر ملتزم يتبادر الى ذهني على الفور موضوع وظائف الشعر ليكتب كل شاعر ما شاءت له قريحته ان يكتب، السؤال الذي يعنيني هو قدرة ملامسة روح قارئ ما ولو في الطرف القصي من العالم. المشكلة ان مفهوم الالتزام جرى استخدامه بطرائق ايديولوجية جعلته يعني الغوص في اوهام من نوع تكليف الشعر بوظائف ليست له ولا تنسجم معه واشهرها ان يكون سلاحا في المعارك السياسية والاجتماعية. كل ذلك ذهب مع الريح ولم يبق منه الا القليل بل النادر. ارى الشعر مخلوقا يدافع عن احزانه ويحاول ان يرد بالجمال على فوضى العالم وعدم توازنه، وسواء كتب هذا النوع الملتزم عرب أم من الفلسطينيين فالحال سواء.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |