مائل للندم
2009-07-08
أسندَ ظهرهُ بحَيلهِ المهدود على كرسي في موقفٍ للباصاتِ العامةِ الخضراءُ اللون
وكانت أصابعهُ تأمرهُ بأن أملأ الفراغ التالي (بين أصابع يديه)فيشرع في فتحِ باكيت الدخان ليأخذ سيجارة ويشُعلها وهكذا يمتلئ فراغ من الفراغات اللئيمة التي لم يعد مهتماً بمحاولة سّدها فقد مّل .
مّر الباصُ الأول بلونهِ الأخضر وسائقهِ الأخضر ومقاعدهِ الخضراء و الأرواح التي أخِضَرت من الوقوفِ على قدمٍ وهم و الارتجاج والسرعة الشاقولية التي يمشي بها الباص.
أخذ السيجارةَ الثانية و أبتسمَ لذكرى موقفٍ حدثَ معهُ في ماضٍ لم يكن أكيدا من زمن وقوعهِ ,إلا أنه كان موقناً بأنه حصلَ في تلك المرحلةِ التي يّشُكل فيها الرقمُ ثمانية رُهاباً حقيقياً لولدٍ يقدم امتحاناً مدرسياً ,مما يعني أنه كانَ في المرحلةِ الابتدائية, ففي البيتِ المُبرقع (نسبة لعمل والده) الذي نشأ فيه كانت فوضى الأشخاص في طريقة حياتهم هي أساس النظام الذي ما من قدرةٍ على ضبطِ إيقاعهِ بأي حال ,حيث تصبح اللاعادات بديهيات و الأفعالُ ردودٌ مبالغٌ فيها أو ظرفَ زمان ومكان ,ولجَ الحمام (وكان يسُمى حينها بيت الأدب! ) و أخرجَ من حافةِ النافذةِ الضيقةِ سيجارة كان قد سرقها من جيبِ خالهِ في تلك اللحظة التي تعرفونها جميعاً ,اللحظة التي تستطيع اليد أن تفعل ما تريد هي بسرعة مذهلة ودقة لا متناهية ,اليد تفعل والقلبُ يدفعُ الثمن مراراً ,يخفقُ بشدةٍ تكادُ تجعلهُ ينطّ من مكانه.
لم يفهم لحظتها لماذا عندما أشّعلَ السيجارة انتصب عضوه.
الباص الأخضر الثاني مّر أيضاً والأرواحُ بالملامحِ المخطوفةِ الضوء تتبادلُ الأماكن و الآثام ,لماذا يتشابهون في الباصات ؟يهبطون السلّمَ بألوانهم الخضراء المائلة للندم .
أعجبته الجملة فطواها وخبأها في جيبِ وجَيبٍ ما .
كانت الأفكار تلك التي تأتي دونَ أن تفكرَ بها تتلقفهُ من كلِ جانب ,هذا الحذاء لبرجوازيٍ صغير وتلك (الجزمة) لفتاة دفعت نصف راتبها ثمناً لها عّل وعسى للطقطقة أن تنجب. و... و... و.., تذكرَ الفيلم الذي شاهدهُ بالصدفةِ في أحدِ المراكز الثقافية,فيلم قصير جداً,قطار متوقف ينزل من أحد أبوابهِ ومن على درجاتهِ الأربع (ثلاثٌ منها مكتملة أما الرابعة فكانت نصف مكسورة )أي شخص ينزلها تتفركشُ قدمهُ بالدرجةِ الرابعة ثم ترتفعُ الكاميرا بشكلٍ عامودي لتأخذَ مشهداً لعلمِ الاتحاد السوفييتي سابقاً, منجل ومطرقة طائران .
مّر الجميعُ ببالهِ ,كلُ الذين عرفِهم في حياتهِ المتوسطة القامة.
توقفَ الباصُ الأخضر الثالث, لم يهبط أحد ولم يصعد أحد ,هّمَ بالصعودِ ,لم يعّدَ الدرجات كعادته ِ ولم يقطع تذكرة كعادته ِ,جلسَ قُربَ النافذة ثم عادت لذاكرته المثقوبة تلك الحادثة عندما أشعل سيجارته و انتصبَ عضوه بآن. ظلت تلك الحادثة غائرة في قعره فترة طويلة ولم يعرف ما الذي جعلها تطفو الآن ,صاحبنا صار (فرويد ) في تلك اللحظة فلقد قال لنفسه وبصوت ٍ عال نوعاً ما :لابُدَ أن المُحرمات تداخلت في بعضها البعض فحصلَ ما حصل,التدخينُ خِلسةً وفي عمرٍ صغير و تابو آخر من نوعٍ مختلف , الجنس ....
سيجارةُ بيد صبي فضّ بكارةَ الهواء والخوف دون سوائل .
ضِحكَ ببطء يختنق, بعد ثلاثين عام تلك الحادثة عنت له شيئاً كثيراً , ما لفت انتباهه أن السائق لم يكن أخضر كما كان يراه كما أن الناس لا يشبهون بعضهم إلا بالشكل .
,بعد ثلاثين عام على كرسي في موقف للباصات العامة, صبي أشعل سيجارة في حمام وانتصب عضوه !
,بعد ثلاثين عام ماذا يعني كل ذلك؟
تمام علي بركات
[email protected]
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |