شعراء المتوسط في "فردوس" لوديف
2009-07-24
لوديف ـ يوسف بزي
تحت ظلال الكاتدرائية القروسطية، وسط بلدة لوديف، إجتمع مساء 18 تموز (يوليو) الجاري نحو 90 شاعراً و24 مغنياً وفنان استعراض ومؤدياً، أتوا من أنحاء العالم المتوسطي، ليحيوا مهرجان "أصوات المتوسط" في تلك البلدة الريفية، القابعة في جنوب فرنسا ما بين مونبيلييه ومارسيليا، التي باتت حاضنة له منذ سنوات عدة.
المهرجان الذي ترعاه منظمة اليونسكو، ويتلقى دعماً من معهد العالم العربي في باريس، وبمشاركة من منظمات حكومية وبلدية، وبخاصة وزارتي الثقافة والإتصالات الفرنسيتين، يجمع في هذه البلدة ضفاف المتوسط وبلدانه وأطرافه بمختلف لغاته وثقافاته وأصواته، على مدى ثمانية أيام مكثفة، حيث "يحتلّ" الشعراء منذ العاشرة صباحاً وحتى منتصف الليل، كل يوم وبلا استثناء، الساحات الصغيرة المتناثرة في أنحاء البلدة، وضفاف النهر الذي يخترق البلدة، وحدائقها وأرصفتها ومقاهيها، في صبحيات وأمسيات شعرية متلاحقة. فيما يصخب المساء وحتى منتصف الليل بالحفلات الموسيقية والغناء وعروض الأداء.
البلدة القابعة في واد، في عمق الريف الفرنسي الجنوبي، والتي كانت شبه منسية وشبه مهجورة، تحول صيفها الى ظاهرة سياحية ثقافية، حيث باتت مقصداً للإصطياف غير التقليدي إذ يأتيها الفرنسيون الهاربون من المدن ومن ازدحام الاماكن السياحية التقليدية، التي يطغى عليها السياح الآتون من أنحاء العالم.
هكذا صارت لوديف في سنوات قليلة "فردوساً" سرّياً للمصطافين الذين يبحثون عن معالم الريف المتوسطي، المبهج والحميم، حيث الدعة والكسل والحبور وفضاء البلدات الناعسة التي تظللها الغابات. وبفضل مهرجانها الشعري تحولت لوديف الى نقطة جذب استثنائية لأفواج من الزوار الآتين من أنحاء فرنسا، وخصوصاً لسكان مدن ليون ومونبيلييه ومارسيليا، وسكان القرى والبلدات الكثيرة المنتشرة في جنوب فرنسا الواسع.
هؤلاء الزوار والمصطافون يقضون ثمانية أيام كاملة، وهم يستيقظون ويتناولون الفطور والغداء والعشاء ويقضون صباحاتهم وظهرياتهم وعصرياتهم وسهراتهم مع الشعر، سواء كان شعراً مقدونياً أو عربياً أو اسبانياً أو كرواتياً أو البانياً او فرنسياً أو ايطالياً أو يونانياً ...الخ. أصوات ولغات ولهجات لقصائد وأغان متبادلة الترجمة، مختلطة، غريبة وأليفة، مختلفة ومتشابهة، سرعان ما ينتبه المرء الى أن تعدد ألوانها ونبراتها يؤلف فضاء واحداً في المعنى الثقافي، فيكون الشاعر المالطي مثلاً قرين شاعر لبناني في الأسلوب وفي الهاجس، ويكون الشاعر الفرنسي شبيه شاعر فلسطيني في غنائيته وفي ألمه، وتكون الفوارق تأكيداً للانهائية التنوع والإختلاف والتقارب أيضاً.
المتجول هنا ستدهشه ظاهرة إحتشاد الناس وتداعيهم الى جلسات الشعر والإصغاء المتصل لكل تلك القراءات، التي تجري في وقت واحد في أكثر من ساحة أو منبر أو حديقة أو مقهى. فهناك عند النهر حيث أكشاك بيع التذكارات والمرطبات والإستراحات، تم ابتكار شكل جديد للإستماع الى الشعر، إذ يجلس الناس على كراس وسط مياه النهر مبلّلي الأقدام فيما يتوالى الشعراء الجالسين عند الضفة المعشوشبة بتقديم قصائدهم، بما يشبه اللهو الصيفي. وهناك في الساحة القديمة، تحت الأشجار الضخمة العتيقة، يتناثر الجمهور على طاولات المقاهي والمطاعم يتناولون مشروباتهم ومآكلهم فيما هم يستمعون لتناوب الشعراء المتعددي الجنسيات على القراءة قبالتهم.
وفرنسا الثقافية المبتعدة، نشراً وإعلاماً وسوقاً، عن الشعر والشعراء... ربما وجدت في لوديف ضالتها للإستهداء مجدداً إلى تلك العلاقة التي كانت قائمة بين الثقافة العامة والعمومية وتداول الشعر، وإلى إعادة الصلة ما بين الحياة اليومية والقصيدة. وبهذا المعنى تحول الشارع الرئيسي للبلدة الممتد لأكثر من مئتي متر إلى معرض كبير مخصص للإصدارات الشعرية، الذي أحيته عشرات دور النشر الفرنسية والفرنكوفونية، عارضة ما قد يشكل واحدة من أكبر المكتبات الشعرية، أو بالأحرى مبتكرة "سوقاً" للإنتاج الشعري.
الملفت في هذا المهرجان، ذاك الإهتمام الإستثنائي بفلسطين والشعر الفلسطيني، فسهرة الإفتتاح ابتدأت بقصيدة الشاعر الفلسطيني غسان زقطان. وخصصت إدارة المهرجان، في بادرة غير اعتيادية، ليلة كاملة لإحياء ذكرى محمود درويش، في قراءات وندوات، كذلك بذلت الإدارة جهداً عنيداً لتسهيل خروج الشاعر الفلسطيني الشاب ناصر جميل شعث من قطاع غزة عبر "اسرائيل" ووصوله الى فرنسا، فيما لم تنجح في تسهيل مجيء الشاعر الفلسطيني راسم المدهون، بعدما منعته السلطات السورية من السفر(!)
جريدة المستقبل
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |