قصة قصيرة / إمساك العصا / السيد زرد
2009-07-31
بقفزة واحدة ، كنت اعتليت الجواد ، الذي ما أن همزته حتي انطلق بي يعدو .
قرب قمة الجبل ، كانوا يتحلقون ، بلحاهم الكثة و ثيابهم التي تشابهت بفعل القدم و غبار الطريق . بادلوني إيماءات خفية ، دون أن يتوقفوا عن لطم وجه الأرض بكفوفهم ، و أوسعوا لي مكانا بينهم .
ظللنا نضرب الأرض حتى اصطبغت كفوفنا بالدماء . توقفنا . تبادلنا السلام بأيد مدماة ، ثم انفرطنا .
توقف محدثي ، و تنهد . قال :
ذلكم كان طقسنا الأسبوعي ، حتى تولانا شيخنا الجديد ، فخفف عنا بابتداع الإمساك بالعصا و ضرب الأرض بها . فانشق عنا نفر استمسكوا بضرب الكفوف . غفر الله لي و لهم ، فقد استباحوا لأنفسهم الطعن فينا و في شيخنا ، علي الرغم مما بيننا من دماء ممزوجة و صحبة مديدة . لكنها الأنفس الأمارة ، فمن ذا الذي يتشفع لهم حين يحين الحساب ؟!
ربما تراك تعجب من أمرنا أو تسخر ، بيد أنك لو جربت سقيا الأرض بدمك مرات و مرات ، فلربما أدركت أو حدست .
كنا ، بفضل من الله و همة شيخنا ، نزداد عددا و ائتلافا ، حتى أتي حين من الدهر لا تكاد تجد امرءاً ، في كل هذه المضارب المنتثرة ، إلا و بيديه أثر المداومة علي الإمساك بالعصا .
ارتسمت ابتسامة الرضا علي شفتي محدثي ، و أنشأ يقول :
في سنة من السنين ، حدث فينا أمر عجب . كنا نداوم علي طقسنا ، لا يقعدنا عن أدائه أبدا إلا الموت . تخلف أحدنا مرة ، و جاءنا في الأسبوع الذي تلي . استهولنا الأمر ، و تحير شيخنا ، و كان لابد من عقاب .
بيديه عرّى شيخنا مؤخرة أخينا ، و بالعصا المباركة أخذ يضرب حتي ألهب ، فأدمي . كنا متحلقين نشهد مجلس التأديب ، فرأينا أخانا يتأدب و يتأوه مستعذبا نشوانا .
تحسس محدثي إليته ، و زفر قائلا :
لم ينقض وقت طويل ، حتى كنا نتعمد الوقوع في الخطأ ، لنحظي بمتعة التأديب ، تلك التي لا تدانيها متعة . إياك أن تسخر ، فأنت لم تجرب أن تتعري مؤخرتك علي ملأ من الرفقاء ، و تهوي عليها يد شيخنا بالعصا المباركة .
كان عدد المعاقبين يزداد كل أسبوع ، حتى أن الوقت ضاق عن ممارسة طقسنا ، و ضاق وقت شيخنا عن التأديب منفردا . فأسند ، في مطالع الأمر ، إلي البعض منا ، علي سبيل المكافأة ، مهمة إدماء بعض المؤخرات .
كانت أيام مباركة رخية . لم تدم . كرت سريعا كحبات مسبحة في يد متزهدة ، و ألفينا أنفسنا قد جرفتنا العادة المستجدة إلي بعيد ، حيث انفرط العقد ، محترقين بالرغبة في الضرب علي المؤخرة و عاجزين عن تحققها ، إذ صارت مؤخراتنا جميعا ، مثلما تري ، غير صالحة للضرب عليها بأية حال ، و لم يبق سوي الشوق نكابده ، و نحن مستلقين علي بطوننا .
السيد زرد
بورسعيد - مصر
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |