أنشودة الجَبَس الأحمر
2009-08-02
رائحة الجبس الأحمر التي تحنو على حائط مرهف البياض في صبح الجمعة،تملأني بمدى عسلي البياض أخضر الرؤيا،أرى جياداً مطرقة تتسلى بالصهيل ببسمة أكثر ثقة من بسمة الملوك المنتصرين،بسمتها كمن ينتصر في معركة لم تبدأ،أرى قلائد وقصراً وقادة وملكاً في عهد قديم،السماء ملساء ملساء،ألمسها بإصبعي وأدهنها بغمام يمشي كنعاج قروية قرب طواحين العشب البعيدة.
مهرجان مائي ملون الأسماك، مهرجان تبعثه رائحة الجَبَس في صبح تموز طفولي يتفتح بكامل طيشه،أتسكع بين ألعابي القديمة، ثمة فضلة لازمة من السلوك تعبث في خلايا سيولي التي لم تجرف عسل أي أنثى بعد،لعل من المفارقة الآن أن أذكر نهديك اللذين يمرحان عاديين بين القرنفل الناعس،يمرحان كالعذارى اللواتي يرقصن على العنب في عرس النبيذ،ونثيث غيم بارد يعابث جفنيَّ فيزيدهما احتراقاً،ألعاب الصيف بين الكروم فراشات قزحية،بينما أنتِ وحدكِ تمرحين فراشة أخرى،تأتين بينَ الصبايا لتلقي تحية الصباح هادئة كبركان شهوة على وشك الانفجار.
تفيض بي مراوح الصيف،فراغنا الطفولي الذي يخلق ما لايمكن حسابه،ضحكتك المليئة بالحرارة والنعومة والحمرة والضوء!،كل ذلك يفيض بي،وحين أغرق في الضوء أتذكر ملوك فلسطين في زمن بعيد،أحاول تفسيره فيمر بي تيه أصحاب موسى في صحراء مصر،الفرق أن عصا موسى لم تزل ملتهبة بي حتى الآن.
أتطلع إلى القصرِ البعيدِ فأراك هناك،أنتِ هناكَ حقاً وكل هذا الهدوء في أول الصبح يفترض أن نهديكِ يتآمران على شُبَّاك القصر،أنك ترسلين جنوداً من الشهوة إلى أورشليم لم تُخلق بعد،فقط لكي أخلو مع نهديك في معركة أخرى،وأنا هنا قرب ما تهاجمينني به مباغتة من الغواية بين الكروم في معركة مختلفة.
نهداكِ غمامتانِ حريريتانِ تهطلان بالياسمين،نهداك طفلان مدللان في قصر الملك يرتديان قبعتين مخمليتين ويمارسان قتالهما في قلاعٍ من القماش،نهداكِ شلالا شهدٍ وكتلتا ضوءٍ تمسكينهما وتبهاين بهما أمام عصافير حديقة القصر،تتمشين قرب بركته وتشهرينهما كقنبلتين من الشبق في وجه الهواء،تتحدين بهما ببغاء ذا منقارٍ حاد:تعال وانقرهما أيها الأبله فلن يزيدني ألمك إلا إيماناً...نهداك كوكبان دريان يوقدان من برتقالة أصلها غائر وفرعها في أعالي البشرية،حمامتان تطلان على شرفة الغروب،تتمشيان في المدى لتنشدا أهازيج الممالك وربات الأساطير،نهداك المدللان يتدليان على سرير صباح الصيف كسائحين عادا لتوهما من السفر،تدلكينهما بزيت الصنوبرِ وتمسحينها بحليب اللوز،فينتشان كجوريتين مكتنزتين بجرأتهما أمام الأنوف،تحكِّينهما كورقتي ليمون،توضبينهما ككنزين خوفاً من ألا يضيعا،وحين تصبين قهوتك الصباحية تهدأين لتصغي إلى أنينهما العذب الناعس الخبيث كأميرة تملك كل جيوش الأرض.
القصر؟،كان في برنامج أطفال نسيت اسمه وأنتِ تلتصقين بي على الكنبة كأي طفلين لا يثيران الشكوك ولا الهواجس،يتفرجان كما يشاءان ولا يتفرجان،العشب والطواحين والكروم في محطة أخرى نسيت اسمها أيضاً...
ألتفت إلى البعيد،ستحل خيمة الغروب عما قليل على باحة القصر والملك والجياد،إنه غروب خالصٌ أثيري الرؤيا،أما أنا فوحيداً أطلق العنان لجياد أخيلتي.
ما سبقَ-كل ما سبق-يحتل لحظة واحدة ويمر عبرها،لحظة تشبه لحظة القذف،بينما الجبس الأحمر ينسل مباغتاً وخائناً وهادئاً إلى الحائط الأبيضِ في صبح الجمعة،لا أدري من أين يأتي مع أنسام الصحو المباغتة في باحة الدار،يذكرني بذاكرتي التي تطير كنورس إلى نهديك عبر سنوات هذا العمر.
عمر سليمان
[email protected]
08-أيار-2021
17-حزيران-2014 | |
27-كانون الثاني-2014 | |
21-تشرين الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2013 | |
27-آب-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |