نواقيس الخطر في التلفزيون السوري.. من يسمعها؟
2009-08-04
ديانا جبور مديرة التلفزيون
مثير للجدل و التساؤل ما اوردته السيدة "ديانا جبور"، مديرة التلفزيون في الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون السوري، في جريدة الثورة عندما عبرت "بزاوية" عن قلقها اتجاه استشراء الفساد في مصر، بعد أن سمعت تحذيرات دقات ناقوس خطره " ثلاث مرات خلال اسبوع واحد"؛ مرة في الفيلم المصري دكان شحاته، و مرة في برنامج على احدى الفضائيات المصرية "واحد من الناس" على لسان الضيف محمود سعد الذي قال ان البلد، اي مصر، "مسروقة بالمعنيين المادي و التاريخي"، و أخرى في برنامح آخر على الفضائية نفسها عندما عبر علاء الأسواني عن اساه اللامحدود من تفشي الفساد.
لنكتشف اولا ان السيدة "جبور" تتابع معنا ما تقدمه الفضائيات الملتزمة و تعرف تماما مكمن الخلل الذي يجعلنا في مكانة متأخرة عن ذلك الإعلام الذي اعجبها، و ليكون سؤالنا الفطري: لماذا لا نرى مثل هذه البرامج على شاشات التلفزيون السوري و هي مديرته؟ القضية الأخرى و التي كانت غريبة، ان تستشعر السيدة الإعلامية "تحذيرات" وخطر الفساد على مصر "البلد العريق" و لا تستشعر خطره عندنا، فغيابه عن شاشاتنا لا يعني ابدا انه غير موجود، فهل نبالغ إذا قلنا ان اقتحام اي مؤسسة حكومية و تعريضها للتفتيش النزيه سيكشف عن عشرات القضايا من تزوير الفواتير و اختلاس الأموال و التلاعب على القانون و هدر المال العام، و غيرها، من المواضيع التي تتبناها منذ سنوات تلك الفضائيات، التي شدت انتباه السيدة جبور، التي تعيش في قلب عجز و تأخر تلفزيوننا عن الوصول ليكون مرآة الناس و نافذتهم في مشاكلهم و حياتهم و همومهم، و الذي يستثنيها كاستراتيجية، او ربما كفقر ابداعي في الإمكانيات و المؤهلات، حين يؤكد يوما بعد آخر استحالة وجود مثل تلك البرامج على شاشاتنا، و يفشل مرارا و تكرارا امام تحدي نبض الشارع، ناساً و مسؤولين. بالإضافة الى غرقه في الكثير من المشاكل العالقة تخص بنيته المؤسساتية الإدارية و التقنية الذي يتجلى في اختياره لكوادره، التي تخضع لترشيحات و محسوبيات ليست لها علاقة بالمؤهل و مستوى الثقافة و التجربة في غالب الأحيان.
خلل في البنية التحتية!
يقف وراء نجاح اي برنامج منوع او متخصص فريق اعداد ضخم يملك من الثقافة و المهنية ما يساهم في بقاء البرنامج على قيد الحياة لعدة سنوات، يتوزع على مختلف مناطق البلاد ، يسجلون بكاميراتهم و انطباعاتهم و اجتهادهم التقارير و يعلقون عليها؛ يقدمها للجمهور مذيع يحمل النصيب الأكبر من نجاح البرنامج، حيث المؤهلات العلمية العالية و الثقافة الشاملة المميزة التي تمكنه من التصدي لكل المفاجآة الممكنة، و التعاطي بشكل متخصص مع اي موضوع كان، سياسي او ديني او اجتماعي او ثقافي او علمي بحثي و بأكثر من لغة، و بمقارنة بسيطة سيعرف كل من شاهد رسالة التلفزيون السوري من الجزائر اي مستوى من المذيعات و المعدين نملك، و التي يتحمل فشلهم التلفزيون، في طريقة اختياره و ادارته لكوادره اولا، و التي تدل على انه لم يدرك بعد دور المذيع و اهميته، و في طريقة اعاقتهم لهذا المذيع ثانيا، عندما يتم الإصرار على ظهور المذيعة بقالبها الخشبي و لكن، المنقذ ربما في الكثير من الأحيان، من هشاشة الثقافة العامة، التي تُستثنى من شروط اعداد المذيع و تبنيه، باستثناءات قليلة، عندما يحصر دور المذيعة بدور قارئ الإعداد لا اكثر، و الذي يكون بدوره جملا انشائية مركبة بعيدة عن كل ما هو سهل و بسيط او عفوي، يظهر بوضوح حين تكلف احدى المذيعات بتقديم فعالية جماهيرية و تضطر للوقوف على المسرح داخل أو خارج دمشق لتقديم فعالية ما، و اصبحنا لا نفاجأ بأن اخطاء كثيرة تحدث اثناء تصوير تلك المناسبات لا يتم استدراكها في المونتاج، كما حدث منذ فترة قريبة في تغطية مهرجان ادلب عندما قرأت المذيعة جزء كبيرا من كلمة المحافظ ثم دعته الى المنصة ليعيد نفس الكلام، و كل هذا ظهر على شاشة التلفزيون كما هو، ولم يتم تدارك هذا الخطأ الواضح، الذي لم يره من يعملون في الأستوديو عندما كانوا غير مهتمين او حريصين على ما يفعلون و على ما سيعرض على فضائينا التي سيشاهدها آلاف الناس. اما تغطية الفعاليات، المسرح على سبيل المثال، فلم يخطئ احد الزملاء حين وصفها و كأنها تغطية لحادث سير، حين الإلتزام بموقف مسبق لسياسة التلفزيون ان ما نريده من التقرير هو ابراز حالة ايجابية من الحراك الثقافي اولا، و ملؤ فراغ اعلامي ثانيا، الأمر الذي يجعلنا نعتاد اقتحام طاقم التلفزيون كواليس العمل في يومه الأول و ارباك المخرج و الممثلين، قبل بدء العرض، دون اي اقتراح لإشراك الجمهور او الصحفيين او المسرحيين في انطباعهم بعد العرض، كما يحدث في مصر او تونس او المغرب، من التي ستعزز العلاقة مع الجمهور، و ستسمح بتبادل الآراء و خلق الحوار، الأمر الذي لن يخفي تساهل المكلفين في التعاطي مع هذه المهمة التلفزيونية، و سيكشف أنهم موظفون يريدون انهاء عملهم باسرع وقت ممكن دون اي اجتهاد، عندما نتساءل عن سر نجاح مذيعيينا عندما يغادرون التلفزيون السوري و يثبتون مكانة مرموقة في الفضائيات العربية.
قرارات غريبة!
تحدثت الصحافة عن ظلم اصاب القديم من الخبرات المتقاعدة في التلفزيون السوري عندما أصدر وزير الإعلام بحقهم قرار التوقيف عن العمل في التلفزيون السوري، و رغم الإحتجاجات الكثيرة، تم تبرير صوابية القرار، على انه خطوة لضخ دماء جديدة شابة! و مع ان القرار لا يتعارض مع قانون العاملين في الدولة الذي ينتمي اليه التلفزيون كمؤسسة، إلا أنه مخالف لكل قواعد العمل الإبداعي في العالم المتقدم و محطات البث العالمية، التي تتبع الخبرة و الثقافة و المؤهل بغض النظر عن نوعية الدماء، عندما سنشاهد مذيعي اخبار و مقدمي برامج تجاوزا الستين بل و في التسعين من عمرهم من امثال لاري كينج، باربرا ولترز، اد برادلي او دايان سوير، و لن نرى على شاشة الـ
" B B C" مثلا مذيعة شابة، فما بالنا بالإعداد او الأعمال الأخرى وراء الكاميرا، من التي يزيد راتبها بزيادة عمرها و خبرتها.
لكن المثير للجدل تلخص في تلك القرارات التي اصدرها مؤخرا مدير الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون الدكتور ممتاز الشيخ و التي اثارت الكثير من التساؤلات و لم يدافع عنها التلفزيون لغاية الآن، تتضمن عقوبات بحق فريق عمل برنامج "معكم على الهواء" على القناة الأرضية السورية، و التي بدت و كأنها لا تخضع لتراتبية تحمل المسؤولية، فيما اعتبر خطأً بثه التلفزيون في حلقة تناولها البرنامج عن احداث هدم المنازل العشوائية في "الرحيبة"، و التي تتوافق كقضية و حدث مع هوية البرنامج الذي اصبح نافذة حقيقية للناس، لأنه يتابع بالتقارير المصورة مشاكل كثيرة حياتية، رغم انه يبث على الأرضية. و بعد ان رفضت مديرة التلفزيون "ديانا جبور" التقرير المصور عن عمليات الهدم و هيجان الناس و احتجاجهم، تم الإكتفاء باتصال هاتفي مع معاون محافظ ريف دمشق، اجرته مذيعة البرنامج الأستاذة "هالة الجرف" ، التي تعمل في البرنامج منذ سبع سنوات. و لكن فوجئ طاقم العمل بقرارات من المدير العام د. ممتاز الشيخ منها غيابية، بسبب هذه الحلقة، ابعد بموجبها ثلاثة من كادر العمل عن البرنامج "سمر شمة" و "هالة الجرف" و "منذر خير بيك". الغريب انه و حسب منطق قوانين العمل، لم تحاسب مخرجة البرنامج "سهير سرميني" سيما و انها المسؤولة الثانية في السلم الإداري بالإضافة الى تبوئها منصب مديرة القناة الأرضية التي بثت هذه الحلقة. و لم تحاسب ايضا مديرة التلفزيون كونها المسؤولة الأولى التي اعطت موافقتها على البث. أما الملفت في هذه القرارات فقد كان تفاوت حجم العقوبات حيث تم ابعاد "سمر شما" من البرنامج و من منصبها كرئيسة دائرة البرامج في الفضائية السورية، لكنها لم تمنع من الظهور في برامج او مهمات اخرى، كما لحق و اصاب السيدة هالة الجرف المذيعة ، فيما تعرضت له من شبه حجب ثقة كاملة عنها، ككفاءة مضى على خبرتها اكثر من عشرين عام،عندما ابعدت عن البرنامج، و نقلت الى القناة الثانية التي تعتبر اقصاءً لكل من سيعمل فيها، و منعت من الظهور في بث مباشر منعا باتا، و كانت تهمتها، كما وصلنا، نبرة صوتها المستفزة و اسئلتها التي كانت تشي "بأنها تريد ان تنال من الضيف اكبر قدر من المعلومات و انها خرجت عن النص المكتوب"، هي بالضبط مواصفات المذيع الجيد و الناجح. سيما و ان "المذيع" يقع منطقيا في آخر سلم المحتملين في تحمل المسؤولية، لأن وظيفتها تنحصر في التقديم و ليس لها علاقة باختيار الموضوع و لا الضيوف. اما منذر خير بيك الذي يشارك في إعداد التحقيقات التي كانت محط اعجاب و احترام المشاهدين، فقد اوقف عن العمل في "معكم على الهواء" و منع من المشاركة في اي برنامج آخر، بتهمة انه اعد الحلقة، المكتوبة بخط يد السيدة "شما"، الا ان عقوبة غريبة و مثيرة للتحفظ اصدرها د. ممتاز الشيخ تباعا بحق "خير بيك"، كانت تنبيها خطيا ردا على طلب قدمه "خير بيك" يطالب به المدير العام بالتحقيق معه!
مازال الغاضب من هذه الحلقة مجهولا، بعد سبع سنوات من بث المشاكل الحياتية للناس و تواصل مستمر مع الشارع، و لا ندري اين بالضبط مكمن الخطأ اذا كان المتحدث عن رشاو و خروقات حصلت، هو مسؤول في الدولة و يتحمل تبعات تصريحاته التي حصرها بمؤسسة خدمية هي البلدية، و بغض النظر عن كل الأسباب و الحقائق المحتملة، التي نتمنى تفسيرها كي ندافع عن تلفزيوننا، الا اننا نستغرب حقا كيف لم تسمع السيدة ديانا جبور"دقات التحذيرات" التي تدل عليها ملابسات تلك الحادثة و ما تبعها منت قرارات، داخل منبر و مؤسسة وطنية تديرها و تتحمل مسؤوليتها؟
فاديا ابوزيد
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |