وَلد شاذ ولكن..؟/ فرهاد شامي
2009-08-10
بلغت الساعة الثامنة صباحاً ولم يعُد أبو محمد من عمله إلى الآن, كغير عادته لماذا تأخرَّ اليوم , إنه لم يتأخر إلى الصباح في حياته قط.
لم تستطع أم محمد إخفاء ملامح خوفها عن جارتها سعاد التي كانت تسعى لأن تخفف من محنتها وتُطمئن قلبها..
- لاتخافي يا أُم محمد, إن شاء الله لا يوجد شيء, أبو محمد سائق تكسي والتأخير من طبيعة عمله..
لكن أم محمد لم تعد تهدأ وهي تراقب الطريق الواصل بين منزلها والشارع العام, ولربَّما فرض عليها وزنها الثقيل أن تأتي بكرسي وتقعد عليه أمام باب المنزل في هذا الجو البارد.
-حتى جوَّاله مقفل , ياإلهي ماذا أفعل بنفسي وبأولادي وبالولد القادم , ماذا حصل له؟ ماذا جرى؟لماذا لم يخبرني بأنه سيتأخر؟ بالتأكيد جرى له مكروه...
بدأت المرأة الحامل تخبر جاراتها وأقربائها بهواجسها المخيفة وبأسباب قلقها .
ولكن بالفعل لماذا تأخر أبو محمد إلى الآن؟ أين هو الآن ؟
بعد أن مكث في ( النظارة )أكثر من مئة وثمانين دقيقة إستدعاه الرائد إلى مكتبه..
- قل لي يا أبو محمد كيف قتلت المدعو سليم..؟
-والله ياسيدي هو الذي كان سيقتلني , ولكنني دافعت عن نفسي فقط وحصل ما حصل..
كعادته لم يتعاطف الرائد معه بل زاد إنزعاجه وطالبه برواية تفاصيل الحادثة.
-والله ياسيدي طلب مني المقتول سليم أن أوصله إلى قرية( العزيزة) وبالفعل قمت بنقله من وسط المدينة بإتِّجاه القرية وفي منتصف الطريق الترابي طلب مني أن أقف شاهراً في وجهي المسدس مهدداً بقتلي, طلبت منه العدول عن قراره الخاطىء وأن يخفف من ثورانه ولكنه رفض طالباً مني جميع النقود التي احملها وأن أنزل من السيارة ليسرقها, أما أنا أعطيته النقود كلَّها راجياً منه أن لا يأخذ السيارة التي بالأساس ليست ملكي ولكنه رفض وفي محاولةً مني أن انزع منه المسدس أُطلِق رصاصة منها إخترقت أحد أعضائه...
وفور سماعهم بنبأ إعتقال هذا السائق المسكين , أسرع أهله إلى التحرك مناصفةً بين قسم الشرطة وبين المشفى التي أُسعِف إليها المقتول.
أما اللذين ذهبوا إلى المشفى أخبرهم الممرض بنبأ وفاة " سليم" فسارعوا إلى جمع المعلومات عنه ومكان سكن أهله بغية حلِّ الأمر فكان لهم مايحتاجونه من المعلومات.
وخلال نصف ساعة إجتمع عشرة رجال من وجهاء عشيرة أبو محمد المحبوس وتوجَّهوا إلى قرية أهل الشاب المقتول حاملين مبلغاً من المال لإنهاء المشكلة حسب التقاليد المتوارثة.
وعندما وصلوا إلى المنزل المقصود إستقبلهم والد المقتول بإبتسامة هادئة وكأنه توَّقع أنهم أتوا لطلب يد إبنته للشاب الذي كان بينهم فما كان إلا أن طلب أحد الوجهاء منه أن يعدهم بأن يلَّبي طلبهم قبل شرب القهوة فكان موافقاً بكلِّ سرور.
شرب الضيوف القهوة المرَّة وبدأ أكبرهم سناً بالتحدِّث بعدما أن أذن والد المقتول له بذلك.
-نحنُ يا إبن العم جئناك بخصوص إبنك سليم.
وما أن سمع الأب بإسم سليم حتى وقف غاضباً طالباً من الحضور عدم ذكر إسمه أمامه.
- إسمعوني يإخوان أنتم الآن في منزلي ولا يحقُّ لي أن أزعجكم, إبني سليم تبرأت منه منذ أشهر وحصل ذلك أمام المختار
-هو ولدٌ شاذ ولا يصلح إلا للقتل , إذا كان لكم عنده شيء أو أساء لأحدكم إذهبوا وإقتلوه أنا مسامحكم في الدنيا والآخرة لله , إنّه كان إبني بالنَسَب فقط أما الآن فهو لايعني لعائلتنا بشيء بعدما إرتكب أفعاله المشينة..
عندما سمع الحضور ما سمعوه من العجوز( والد سليم) حتى أصبحوا ينظرون إلى وجوه بعضهم البعض بتفاؤل, وتفاءلوا بحلِّ مشكلتهم سريعاً هذا إن لم يُشكَروا ,وباتوا متأكدين الآن ببراءة أبو محمد وعدم مسؤوليته عن الحادث.
فسارع أحدهم بشجاعة إلى إخبار العجوز بمقتل إبنه في تكسي قريبهم.
ولكنهم وللأسف شاهدوا منه عكس ما توَّقعوا, فما أن سمع أبو سليم بمقتل إبنه حتى تعالت صراخه ,مبالغاً في بكائه , مصطنعاً جميع الأشكال التعبيرية للحزن وكأنه في مسابقة لإختيار ملك (الويل ويل), واصفاً إبنه بالصنديد والشجاع...
صحيحٌ كان مراهقاً ولكنه كان وفياً مخلصاً لأصدقائه ولعائلته وإنه ذهب إلى المدينة ليعمل ويجمع مهر إبنة عمه الذي سيتزوجها... إنه كان شاذاً أحياناً ولكنه كان لا يؤذي الآخرين بل كان يساعد الفقراء والمحتاجين.
ذاك الولد الشاذ الذي تبرأ منه العجوز بعد أن سمع بمقتله أصبح شيخاً مسكيناً عاملاً نشيطاً , كريماً يساعد الفقراء بين ثانية و أخرى, ولكن ماذا لو تراجع الوجهاء عن كلامهم وإتهموا سليم بسرقة منازلهم والإعتداء على أعراضهم؟
فهم الوجهاء قصد والد الشاذ من وراء بكائه ومديحه الكاذب ,إنه يريد المال مقابل مقتل إبنه.
أخرج أحدهم مبلغاً من المال ووضعه أمام العجوز وطالبه بإسقاط حقه الشخصي مقابل هذا المبلغ المالي فكان موافقاً بالطبع وبقي الحقِّ العام .
أما أبو محمد المسكين فقد طالب زوجته الحامل بعد خروجه من السجن بإنزال الجنين التي كانت تحمله في رحمها لأنه بعد هذه الحادثة لن يستطيع أن يتحمل تكاليف الولادة وتأمين متطلباته بعدما تكفل هو بنصف المال الذي أعطاه وجهاء عشيرته مقابل دَّم ذاك....
الولد الشاذ
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |