هكذا تكلم أدونيس في مرمريتا.. فصل الدين عن الدولة../ علي الحسن
2009-08-12
الأحزاب تراجعت.. والثقافة انتهت ونحن قطعان بشرية....أريد أن أشعل حرباً داخل قارئي حتى الانفجار
علي الحسن : الوطن السورية 11/8/2009
«مرمريتا» وأدونيس.. الجبل والبحر.. أدونيس و«مرمريتا» والموعد غروب.. القلعة والوادي.. والسؤال ما الذي سيقوله أدونيس الإشكالي المثير للجدل و«الزوابع».. أتراه موعداً للقصيدة أم للبوح أم إن المكان سيشهد تشريحاً لواقع واستشرافاً لرؤى.. أدونيس الأسئلة الكبرى.. البحث والإصغاء والجمهور العريض هناك المفتوح العينين في ترقب وتأمل..
والمساء قصيدة وكانت «الوقت» وحواراً مفتوحاً وكان في السياسة والأدب والفكر والثقافة والدين والمجتمع والقضايا الكبرى وراح أدونيس يتساءل.. يشكك حيناً ولا يحسم، وحيناً آخر يغوص عميقاً يشرح الواقع العربي المأزوم كلياً ويرمي على الطاولة حقائق مرة ويدق «ناقوس» الخطر هناك في مرمريتا ويلقي من هناك «وصاياه».. والصدى ربما رجع.. وهو الذي لا يعرف إذا كان أدونيس هو أدونيس، لكن ما يعرفه أنه في حالة صراع داخلي حول هويته.. ويتساءل: هل أنا كهوية جاهز ومصنوع مسبقاً وأعيش لتحقيق هذه الهوية المسبقة التي لم أشترك في صنعها، أم أنا على العكس أبتكر هويتي باستمرار وأدونيس يميل للاحتمال الثاني، ذلك أنه يرى أن الإنسان كائن يبتكر نفسه وهويته ومعناه وذاته إلى ما لا نهاية، فحتى الموت- فيما إذا ترك الإنسان إبداعاً- لا ينهي هذه الهوية. حول العلمانية يسقط أدونيس الحديث على أرض الواقع ويقول: نشأ جيلنا- والحال لا تزال هي هي- على ثلاثة أحزاب أساسية (البعث- الشيوعي- السوري القومي الاجتماعي) قادت الحركة الفكرية والاجتماعية على مدى 50 عاماً وتقول هذه الأحزاب - مجتمعة متفقة- بفصل الدين عن الدولة، وتقول أيضاً بتأسيس مجتمع علماني وإنشاء المواطنة بعيداً عن القبلية.. والنتيجة برأي أدونيس متأسفاً: تراجعت العلمانية، والطائفية ازدهرت والتدين ازدهر.. ولو كان التدين فقط على الصعيد الشخصي- يعقب أدونيس- فلن أكون ضده إنما التدين صار ممأسساً.. لا يمكن محاربة الدين بوصفه روحية تنظم علاقة الإنسان وعندما يتعلق الأمر بالروحية فهذا حق ندافع عنه ولكن نحارب تحويل الإيمان الفردي إلى مؤسسة تفرض في البيت والمدرسة والجامعة- واليوم- في الشارع.. والسؤال هنا يوجهه أدونيس للأحزاب الثلاثة، فالعلمانية برأيه نضال وممارسة.
ويعلن أدونيس أنه لا يزال مديناً لتجربته في الحزب القومي وأنه لا يزال يقول بالأفكار التي تعلمها من أنطون سعادة ولكنه يعلن أيضاً أن الحزب القومي ابتعد عن أفكاره في فصل الدين عن الدولة والعلمانية وعن مفهوم السلالة التاريخية التي انفرد بها فنحن- يشدد أدونيس- مجتمع يتكون من ثقافات وأجناس ومصادر غنية ومتنوعة نحن في أشد الحاجة إلى هذا المفهوم بأن المجتمع وحدة لا تتجزأ وعلينا أن ننتمي للمجتمع بهذا المفهوم (السلالة التاريخية) إلى ما لا نهاية، فالثقافة يجب أن تكون منارة لا مرآة.
ويتوجه أدونيس مرة أخرى بالسؤال للأحزاب الثلاثة: لماذا لا تتفقون بالعمل النضالي على الأقل في العلمانية كمشترك؟ فدون علمانية لا معنى لهذه الأحزاب؟، ويشدد أدونيس: إن لم يكن الحزب علمانياً وينشط اجتماعياً فلن يغير شيئاً.. والأحزاب الثلاثة لم يستطع أي منها إنشاء مجلة فكرية ذات قيمة عالية وهذا الفشل يحتاج- على حد قول أدونيس- إلى دراسات لنجيب عن هذا السؤال.
ويرى أدونيس أن الإنسان العربي هاجسه الأول هو السلطة لا الفكر ولا البحث ولا التساؤل ولا البناء.. وتجربتنا مع عبد الناصر أكدت أن السلطة لا تفعل شيئاً وحدها.
ويعلن أدونيس أن الثقافة انتهت في المجتمع العربي وأصبحت مجرد وظيفة ووزارة الثقافة تقول ما تقوله وزارة الموارد المائية وبقية الوزارات الأخرى في كل البلدان العربية.. ويدعو أدونيس للتأمل في مسألة تراجع الثقافة والتناقض العميق فيها فالحكم برأي أدونيس ليس على الفرد السوري خاصة فهو متفوق في جميع الميادين وخاصة في (المغترب) فهو ينبغ ويتفوق على الأجانب وما يقال عن السوري يقال عن اللبناني.. لبنان في مقياس المتعلمين متقدم جداً لكنه اجتماعياً كدولة الإنسان فيه مزدرٍى أكثر من أي بلد في العالم ذلك أن قيمة الإنسان هناك بانتمائه الطائفي ويقوّم داخل الطائفة بمدى قربه من زعيم الطائفة وإذا ما حل هذا الأمر فالكارثة مقبلة.
ويقر أدونيس بأن خللاً كبيراً يحدث على مستوى الجامعات ففي الخمسينيات كان مستواها أحسن مما هي عليه اليوم وهذه قضية يدعو أدونيس لدراستها.. أما فيما يتعلق بالحرية فيرى أنه ليس هناك حرية بالمطلق في التاريخ كله حاضراً وماضياً لكن هناك درجات ومستويات للحرية، والحرية هنا: حرية أن يقول الإنسان رأيه في أحداث بلاده وثقافتها في السياق المعني.. أما معوقات الحرية ليست فقط السلطة- السلطة أكثر تقدماً أحياناً من فئات المجتمع- معوقات الحرية هي المجتمع ذاته فالثقافة الدينية تقول الحقيقة الأخيرة! والإنسان يؤمن ويطيع ويطبق وكل إضافة تشكيك بالحقيقة النهائية.. فإذا كانت هذه بنية المجتمع فكيف نكون أحراراً؟!
ليس فقط البشر ليس لديهم ما يقولون إنما الله أيضاً.. الله قال كلامه الأخير لنبيه الأخير.. وهذا - يشدد أدونيس- يقتل الدين.. فالدين أتى ليحرر الإنسان ولخدمته هذا تأويل خطأ، الإنسان نفسه في خدمة الدين عكسنا كل شيء.. يستحيل أن يكون هناك حرية على هذه الأسس.
ويتساءل أدونيس: ما معنى ثقافة ليس فيها حرية؟! فإذا ما قسنا المسافة التي يتحرك فيها العربي كمفكر مقارنة بالأجنبي نرى أن المسافة «فتر» فقط ويضرب أدونيس هنا مثالاً: التوراة كتاب مقدس وجميع أنبياء التوراة نؤمن بهم نحن المسلمين علماً أن هؤلاء الأنبياء لا يقولون لنا شيئاً.. اليهودي اليوم يستطيع أن ينقد التوراة ويقول إن التوراة ليست مرجعاً وفيها خرافات ويستطيع أن ينكرها.. هل يستطيع أن يجاهر أي مسلم بذلك؟! ومشكلتنا مع إسرائيل- حسب أدونيس- مزدوجة سياسية ودينية.. الأولى ستحل ذات يوم (أياً كان الحل) أما الثانية فإن ما يحفظ الدين اليهودي ليس التوراة إنما القرآن الكريم.
ومجدداً واسترسالاً في السياق ذاته يؤكد أدونيس أنه عندنا مشكلة صعبة ومعقدة فيما يتعلق بالحرية ومن الصعب الوصول إليها كما نحلم إلا (بالانطلاقات) الاجتماعية فسورية - يشدد أدونيس- ليست فقط قلب العروبة النابض إنما هي قلب التاريخ الحضاري.. فيجب فصل الدين عن الدولة وإن لم نفعل لا نفعل شيئاً.
وحول الشعر وعنه يقول أدونيس في حواره المفتوح: إن عظمة الشعر أنه لا يحدد، مثلما هو الحب يستحيل تعميم شكله فالكلام عن الحب في الكتب لا معنى له.. أيضاً الشعر.. أصدقائي من الشعراء- يعقب أدونيس- يكتبون ليلبوا رغبات القراء يقولون للبشر ما في أنفسهم.. شخصياً- يقول أدونيس- أريد أن أخرج قارئي عن نفسه.. أن أشعل حرباً في داخله.. يتساءل ويقلق ويضيق حتى تنفجر أشلاؤه ويخرج عن نفسه.. ويضيف أدونيس: أجوبتي حول الشعر مختلفة كلياً فعندما يصبح الشعر وسيلة لأي شيء ينتهي.. يصبح جزءاً من السياسة.. والمعادلة: أن تكون السياسة جزءاً من الثقافة، فكل سياسة ليست عظيمة إلا إذا تأسست على ثقافة عظيمة.. والشعر جوهر ولب الثقافة ويوضح أدونيس: الصداقة تحتضن الحب والحب وحده لا يصمد دون صداقة وهنا مهما كانت القضية فالشعر ليس وسيلتها فكل شيء وسيلة من أجل الشعر.
وعندما يحضر أدونيس- حاضراً وغائباً- يحضر الحديث أو السؤال عن «نوبل» يقول أدونيس: العرب يهتمون كثيراً بنوبل ولهم فيها أوهام وحبذا لو انصرفوا عن الاهتمام بها فلو درسوا وضع الجوائز في بلدانهم لعرفوا وضع نوبل.. جوائزنا العربية فيها اعتبارات كثيرة.. فائدة الجائزة أنها تجعل الإنسان - بالنظر إلى قيمتها المالية- ينصرف بهدوء إلى الكتابة.
وحول المقاومة وشعر المقاومة يقول أدونيس: نكتب شعر مقاومة منذ الخمسينيات وإذا ما قرأناه اليوم نجده انتهى فنياً فالأحداث أصبحت أكبر منه.. شعر المقاومة تحول إلى موضوع إنشاء وبالكاد نجد اليوم صورة فنية.. له قيمة تحريضية أو نفسية لكن بالمعنى الفني والجمالي- يؤكد أدونيس- لا أجد شعراً مقاوماً بالمعنى السياسي ليس فقط عربياً بل في العالم كله ومقاومة السلاح أدنى درجات المقاومة، وتوقف أدونيس عند صدور فتوى بضرورة قطع رأس «مانيكان» ممكن ينقلب برأي البعض إلى روح وبالتالي غواية شيطانية، أهذه مقاومة هذه تشوه الدين ولم يقل عربي واحد كلمة واحدة ضد هذا الأمر، وعن فلسطين يقول أدونيس: فلسطين رمزنا الأول.. وجودنا ومستقبلنا مرتبط بوضع فلسطين.
ومرة أخرى يعود أدونيس ويتحدث عن الحرية متوقفاً عند قول ديغول بشأن طلب اعتقال سارتر: «سارتر له أن يفعل ويقول ما يشاء» ويعقب أدونيس: الحر لا يخاف من الحرية من يخافها هم المستعبدون.. الأحرار يدافعون عن الحرية وعندما نرى المسؤولين العرب يقولون ما قاله ديغول وقتها نفكر أن للمثقف العربي دوراً.. نحن نعترف بالمفكرين والمثقفين كدعاة أو موظفين والموظف لا دور له إلا الوظيفة.. ويعتبر أدونيس أن الطابع الغالب على الثقافة العربية هو هوية دينية فمنذ 50 عاماً كان مقياس الإنسان العربي، إلى أي مدى هو قومي وينادي بالوحدة والعروبة واليوم من يتحدث بالعروبة يضحكون عليه..
ويختم أدونيس حواره المفتوح بسؤال عن الهوية.. ما الإبداعات الكبرى كتيار في العالم العربي؟ لو تصورنا أن هناك مؤتمراً كونياً لدراسة وضع العالم ولإسهام العالم ببنائه وشارك فيه الجميع.. فماذا لدينا لنقدمه على الطاولة من العلوم والمعارف والرؤى الاستشرافية.. نحن نحتاج إلى آلاف المراكز للبحث العلمي ولا تنقصنا الأموال ولا العلماء.. فعلى صعيد الشعر ونحن أمة الشعر لا يوجد منذ 1500 سنة بعد الجرجاني ثلاثة كتب عن جماليات الشعر؟!
لا هوية لشعب دون إبداع.. نحن قطعان بشرية لا هوية لنا إن لم يكن لدينا إبداع.
وقبل ختام الحوار يوجّه أدونيس نصيحة للأجيال «ثوروا على آبائكم».
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |