شقيقتي موريس مايترلينك / ترجمة: عبد المنعم الشنتوف
2009-08-19
الللوحة Max Beckmann
كانت شقيقتي ماري تصرف حياتها بطريقة لا تخلو من الاضطراب؛ إذ لم تكن تقاسمنا أنا وشقيقي ألعابنا إلا بعد الألم والمعاناة. كانت تلوذ في الغالب إذا وقعت ضحية مزاجنا السيئ بأبي الذي لم يكن يتردد في إتحافنا بالصفعات دون أن يفلح في تأديبنا.
اكتشفت حين بلوغها من العمر خمس عشرة سنة وغب قراءات لا علم لي بها موهبة الرسم. بدأت ترسم بحذق كبير لوحات زيتية، لكنها لافتقارها لأي وعي بالألوان، كانت تميل إلى اللون الأسود. كانت اختياراتها سواء أكانت طفلا أو طبيعة مخضرة أو وردة حمراء تتحول فوق القماش إلى بقعة نيكوتين حدث مرة أن أمضت شهرين في رسم صورة لأيوب بالحجم الطبيعي، وكانت النتيجة أنه بدا كما لو أنه قد خرج لتوه من مصنع للسيجار. كان يساورها الاعتقاد بأنها تبدع لوحات تضاهي تلك التي أبدعها رمبرانت او ريبيرا، وكان أبي يشجعها في هذا المنحى الفظيع؛ إذ كان أميل إلى اعتبار الألوان الغامقة من قبيل الرمادي أو البني أكثر رصانة من تلك الفاتحة أو الربيعية.
كانت تعمل مثله بعنــاد وحميـــة؛ إذ كانت تصـــــعد إلى مرسمها مشيعة بالثنـاء في الساعة الثامنة وتنزل في الثانية عشرة، ثم تعاود الصعود في الثانية بعد الزوال كي تنزل مجددا في المساء عندما يحين موعد العشاء.
لم تلبث شقيقتي أن تزوجت لتهجر الرسم نهائيا وتقذف دون تردد بأدواتها وملونها في سلة المهملات. اقترنت برجل لم تكن تمحضه أي حب. كان مرائيا فظيعا، ويحمل على صدره من النياشين وأوسمة التملق المصنوعة من النحاس والصلب والفضة وكما من الطيلسانات يفوق ما كان للويس الحادي عشر الذي كان يقاسمه الطبع الفضولي والشكاك والعنيف والحاقد ويختلف عنه في افتقاره لأي ذكاء؛ إذ كان عقله أضيق من محارة. وكان فضلا عن ذلك قاضيا وتلك ثالثة الأثافي.
لم تلبث أن حصلت بعد عنت شديد على طلاقها منه، وكان أن أغدقت على الابن الذي رزقت منه كل الحب الذي حرمها منه زوجها؛ إذ عشقت فيه كل ما كانت تمقته في سلوك أبيه.
بذلت قصارى جهدي في التحرش بزوجها الجديد وتسميم أيام خطبتهما الأولى، لكنه صمد لكل محاولاتي؛ إذ كان يضع نصب عينه الصداق المغري الذي سوف يحصل عليه. كنت خلال وجبات العشاء والغذاء أصليه بالكلمات القاسية دون أن تند عنه حركة أو يطرف له جفن. وكنت على صواب في الاعتقاد بأن حبات سبحته تتعاقب برياء بين أصابعه تحت الطاولة.
رغبت وقد لاحظت حمرة أنفه، أن أتيقن من أمر ساورني. وكان أن دعوته بلباقة مداهنة إلى الغداء في أحد المطاعم بتواطؤ خفي ومالي من أبي الذي كان يستثقل بدوره حضوره. وقد سارع باللباقة المداهنة ذاتها إلى قبول دعوتي. دارت كؤوس الكحول القوي، وكنت أحرص على أن تفرغ كأسه. لاحظت أنه كان يفرغها بحمية دينية تفضح اعترافا بالجميل. كنت أترقب بفارغ الصبر سكره الذي تأخر في التجلي. كان يبدو أكثر قدرة مني على تحمل الخمر، وكانت النتيجة أن كان هو من أعانني في الوصول إلى منزلي.
ما إن انصرمت ثلاث سنوات حتى لم تعد لدى شقيقتي قدرة على تحمل حضوره. حاولت في غياب بديل أفضل أن أحملها على أن تتخذ لها عشيقا، لكن القرف الذي استشعرته طوال معاشرتها له حملها على كراهة كل الرجال؛ بحيث كانت فكرة الاتصال بعشيق وإن تجاوزت قدرته على الإثارة كل حد كفيلة بأن تحملها على الهرب إلى أقصى تخوم الأرض كما تقول الأميرة إيزابيل.
ترجمة: عبد المنعم الشنتوف
عن القدس العربي
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |