مجلة أدب وفن تهاجم المسلمين عن سبق إصرار وترصد
1999-08-24
الراحلة آن ماري شيمل رئيسة تحرير فكر وفن السابقة
لاشك بأن هناك فرقا شاسعا بين الإرهابي والسلفي، وبين المسلم الذي يمارس حقوقه الدينية ضمن مبادئ الحرية الشخصية في أي نظام ديموقراطي. وحين يعتدي أحد على هذه الحقوق فمن واجب جميع المؤمنين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الدفاع عنه.
من هذا المنطلق، ولأننا نؤمن بحق جميع الناس بممارسة شعائرهم الدينية، وطقوسهم الدينية في مكان عيشهم دون أن يتدخلوا في شؤون الآخرين ولو كانوا ينتمون للدين نفسه.
الطريقة التي تعاملت مجلة فكر وفن الألمانية بعيدة كل البعد عن هذا المنهج ونحن ندين هيئة تحريرها ورئيس تحريرها شتيفان فايدنر لما نشره من إساءات بحق المسلمين في العدد الأخير من مجلة فكر وفن.
ألف
ننشر فيما يلي مادتين حول هذا الموضوع الهام
عنصرية “فكر وفنّ” صبحي حديدي
“فكر وفن”ّ مجلة ثقافية نصف سنوية، تصدر عن معهد غوته إنترناتسيونيس الألماني منذ العام 1963، بتمويل حكومي كما ينبغي أن نتذكّر. والمطبوعة تعلن أنها تهدف إلى “تعميق الحوار الثقافي بين أوروبا والعالم العربي وتشجيعه”. وتحرير المجلة اعتمد، إجمالاً، على توازن دقيق بين إشباع الرغبة الاستشراقية الغربية من جهة، وإشباع الحاجة الشرقية (العربية والإسلامية) إلى اعتراف الآخر من جهة ثانية.
ليست هذه هي الحال، البتة، في العدد الأخير من “فكر وفن”، الذي يحمل الرقم 77 والمخصص للفكر البشري الذي تناول الحرب، حيث يتعرّض العرب والثقافة الإسلامية لإهانات مباشرة مدهشة حقاً، وتنطوي على مقدار من التحقير الثقافي لا يمكن تصريفه في باب سوء التقدير أو الخطأ غير المقصود، ولا يمكن استطراداً إلا أن يصدر عن نيّة استشراقية معادية، بل كارهة أيضاً.
أولى المفاجآت تطالعنا علي الصفحة 37، في هيئة صورة فوتوغرافية لتمثال الحرّية الأمريكي الشهير وقد تقنّع تماماً بالبرقع الأفغاني، في حين أنّ عبارة “بسم الله الرحمن الرحيم” هي التي تظهر على اللوح الذي تحمله سيّدة الحرية في يدها اليسرى! اسم هذا العمل هو “الحرية الجديدة، 2006″، وأصحابه يقولون إنهم ليسوا ضدّ الإسلام (!)، ولكن ما الذي يريدون قوله بالضبط: هل سينتصر البرقع الأفغاني والبسملة على أمريكا في العام 2006؟ أم أنّ الحرّية ذاتها، كمفهوم إنساني، هي التي سيهزمها البرقع والبسملة في العام 2006؟
المفاجأة الثانية هي أنّ تحرير “فكر وفنّ” يختار ترجمة فصل من رواية الكاتبة الإسرائيلية العراقية الأصل منى يحيي “حين استولت الخنافس الرمادية على بغداد” على سبيل تسليط الأضواء على الأدب العراقي الحديث، في مناسبة الحرب! ألم يجد التحرير أيّ نصّ أدبي عراقي آخر، لآلاف أدباء الداخل وآلاف أدباء المنافي، سوى نصّ منى يحيي؟ هل نسي التحرير أنها ليست “كاتبة عراقية يهودية الأصل” فقط، كما يقول التحرير، بل هي روائية إسرائيلية الجنسية، درست في إسرائيل وخدمت في مؤسسة عسكرية إسرائيلية؟ ولماذا خجل المترجم من ترجمة اسم الرواية إلى العربية، واكتفي بتدوين الاسم الإنكليزي في ختام المادة؟ هل خشي أن يقارن الناس بين خنافس العراق في الستينيات (سيارات رجال الأمن)، والخنافس الراهنة (دبابات قوّات الاحتلال الأمريكية)؟
المفاجأة الثالثة، الأخطر والأكثر بذاءة في الواقع، هي مادة لكاتب إيراني اسمه “سعيد”، وعنوانها “منمنمات قاهرية: يوميات كاتب إيراني في مصر”. وهذا النصّ السطحي، الركيك، الخبيث عن سابق قصد، الخالي من أيّة قيمة أدبية أو فكرية، يكشف عن مقدار هائل من الكره للمصريين وللمسلمين، الأمر الذي يحمّل تحرير “فكر وفن”ّ مسؤولية قانونية مباشرة جراء السماح بنشر نصّ ذي روح عنصرية فاضحة في مجلة تزعم تشجيع الحوار بين الثقافات.
يصل سعيد هذا إلى القاهرة يوم 11 أيار (مايو) 2002 بدعوة من معهد غوته، ويبدأ بممارسة الإشمئزاز من المصريين وهو في المطار: “خلف الحاجز يجلس جندي. ترقد طاقيته بجانب بندقيته الآلية على المائدة. لقد خلع حذاءه. يقرأ القرآن ويتمايل بجذعه رائحاً غادياً مثل يهودي متدين. هل يحمي هذا الورع دولته بالبندقية الآلية أم بالقرآن”. في اليوم التالي لوصوله يذهب إلى المعهد الألماني، ويكتب: “أمام المعهد يقف عسكري ويحرس الثقافة الألمانية ببندقيته الآلية. أمام كلّ مؤسسة وكلّ بنك يقف عساكر يشبهون في سوء تغذيتهم وأعينهم الوجلة قطط القاهرة”.
ورغم أنّ المصريين كانوا معه في منتهى اللطف والدماثة، من جمال الغيطاني ومحمود الورداني إلى غادة الشربيني والعسكري المصري الذي ساعده على الوقوف حين وقع أرضاً وعرض عليه كوباً من الشاي، فإنّ هذا الطبل المتعجرف لا يكفّ عن إطلاق الشتائم: “سائق سيارة الأجرة يريد مقارنة شارون بأدولف هتلر. كيف أستطيع أن أوضح له في ستّ دقائق حجم هذه المأساة وخطأ تصوّره”، يقول متأففاً من سوء تنظيم السير في المدينة. وحين يعود إلى الفندق، يكتب: “يصلّي موظف الأمن في الشارع أمام الفندق. لقد وضع تلفونه المحمول على الأرض. هل يصلّي لهذا المخلوق البلاستيكي؟ المصريون يصلّون في كلّ مكان، في الشارع، في المطار… من الواضح أن ربّهم ليس له بيت”!
هذا غيض من فيض سعيد الإيراني، وينبغي قراءة المادة كاملة للوقوف على البذاءات كاملة.
والمرء يسأل شتيفان فايدنر، رئيس تحرير فكر وفنّ الذي يزعم حبّ الأدب العربي، أيّ فكر وأيّ فنّ في أن تقارن بين البندقية الآلية والقرآن؟ أو أن تقول إنّ المصري يصلّي لإله بلاستيكي؟ أو أنّ ربّ المصريين ليس له بيت؟ أهكذا يتمّ تشجيع الحوار بين الثقافات؟ وبمعني المسؤولية القانونية في نظام ديمقراطي مثل ألمانيا، أليس من حقّ المنظمات المعنية بشؤون الجاليات العربية والمسلمة والمهاجرين عموماً، أن تقتاد سعيد الإيراني ورئيس تحرير “فكر وفنّ” ومعهد غوته، بالتكافل والتضامن، إلى القضاء بتهمة إثارة الفتنة الدينية والتحريض العنصري؟
· «فكر وفن» ...؟ عبده وازن
كنا لأعوام خلت، نترقب أعداد مجلة «فكر وفنّ» الألمانية، لا سيما في الثمانينات من القرن المنصرم، لنقرأ مقالات عن الأدب الألماني، قديمه والحديث يكتبها نقاد ألمان هم من كبار العارفين به. وكان يعنينا في تلك المقالات المترجمة الى العربية، النظرة الألمانية نفسها الى هذا الأدب وكيف يقرأه النقاد الألمان أنفسهم بخصائصه وحقوله المتعددة. قرأنا في هذه المجلة على ما أذكر، نصوصاً عن غوته ونوفاليس وشيلر وبوخنر وغوتفرد بن وهيرمن هسّه وريلكه وسواهم، وقرأنا أيضاً ترجمات لبعض من نصوصهم. لكن المجلة، في عصرها الذهبي ذاك، عندما كانت تشرف عليها المستشرقة الكبيرة والشاعرة آنا ماريا شيمل، لم تكن تكتفي بما تقدم من عيون الأدب الألماني، بل كانت تفتح نوافذ على الأدب العربي والفارسي. وعمدت الى تقديم شعراء عرب وفرس كبار كان في مقدمهم حافظ الشيرازي. وكان هذا دأب هذه المجلة التي سعت الى ترسيخ الحوار الحضاري بين الغرب والشرق بعيداً من أي ادعاء أو تكلّف. وكان الأدب هو الميدان الحقيقي لمثل هذا الحوار العميق الذي شارك فيه مستشرقون ألمان ونقاد مثلما شارك فيه كتّاب عرب. وكانت «البراءة» تسم هذا الحوار حينذاك، ولو ظاهراً، وكانت النظرة الألمانية الى الحضارة العربية والإسلامية خلواً من أي نزعة استعلائية أو شوفينية. ولم تمضِ أعوام حتى غابت «فكر وفن» وكدنا ننساها. ولم نعلم ان كان معهد غوته الذي كان يصدرها منذ عام 1963، أوقفها موقتاً أو أنه حجبها نهائياً.
إلا أن المجلة لم تلبث أن عاودت الصدور قبل نحو ثلاثة أعوام مفاجئة قراءها القدامى. وكانت المفاجأة مزدوجة، فالمجلة تخلّت في صيغتها الثانية، عن ماضيها وعن مناخها أو نهجها السابق، كما عن حلّتها أو شكلها القديم. بدت الصيغة الثانية حديثة في اخراجها وفي شكلها الفني، وقد أولت الصورة كثير اهتمام، موازية بينها وبين المادة المكتوبة. أصبح حجمها أصغر مما كان قبلاً وشكلها أجمل مما كان أيضاً وأحدث. أصبحت مجلة حديثة بحسب ما تعني حداثة الشكل اليوم، وابتعدت عن الطابع التقليدي الذي كان يسمها كمجلة استشراقية. أما المحتوى فبدا بدوره جديداً ومختلفاً تمام الاختلاف، ما يعني ان رؤية المجلة اختلفت وكذلك مشروعها أو خلفيتها. أصبحت المجلة في مادتها أو محتواها الجديد، ذات منحى ايديولوجي واضح، تجاهر به مباشرة ولا تعمد الى اخفائه. صعدت «الإيديولوجيا» الموجهة علانية وطغت على المقالات والمواقف، وبدا الحوار بين الشرق والغرب الذي كان من أبرز أهداف المجلة، محكوماً بما يُسمّى «الصدام» الحضاريّ. صرنا نقرأ في المجلة الألمانية الصادرة بالعربية مقالات اعتدنا على قراءتها في المجلات العالمية مثل «فورين أفيرز» الأميركية و «اسبري» الفرنسية و «لوموند ديبلوماتيك» وسواها، ومعظم هذه المقالات تصب في جريرة مقولة هنتنغتون «صدام الحضارات»، وهي المقولة التي رسّختها صدمة الحادي عشر من أيلول.
وان كان هدف المجلات الفكرية العالمية هذه، قراءة المعطيات الثقافية الجديدة قراءةً نقدية، فهي كانت قادرة على تبرير هذه القراءة (المغرضة في أحيان)، لأنها لم تدّعِ البتة تبني مبدأ الحوار بين الشرق والغرب. أما مجلة «فكر وفن» التي بالغت كثيراً في ادعائها تبني مبدأ هذا الحوار، فبدت كأنها تناقض نفسها وتاريخها وغايتها. ولا ندري ان كان المستشرق الألماني (المزيف) شتيفان فايدنر الذي يرأس تحرير المجلة منذ انطلاقتها الجديدة قبل ثلاثة أعوام، هو الذي رسم خطوط «سياستها» الجديدة أو أن معهد غوته الذي يصدرها هو الذي ارتأى هذه السياسة، متأثراً بصدمة الحادي عشر من أيلول. المهم ان المجلة أضحت في صيغتها الجديدة «استشراقية» في المعنى السلبي للاستشراق، في معنى الاستشراق المسموم والخبيث والمتواطئ وغير البريء بتاتاً. ولعل العدد الأخير (90) من المجلة الذي أثار حفيظة المثقفين العرب خير دليل على انجراف المجلة في ما يسمى «الفوبيا» الإسلامية، فهو حفل بالكثير من السموم والمواقف العدائية التي يعرف بها أعداء الإسلام الذين لا يقلّون عماء عن الظلاميين أنفسهم.
لم أقرأ العدد الأخير من المجلة، بل قلّبت صفحاته بسرعة، مثلما اعتدت أن أفعل في الأعوام الثلاثة الأخيرة بعدما صدرت المجلة في حلّتها الجديدة التي تفوح سموماً وخبثاً وسوء نية. لكن الحملة التي شنت على العدد وعلى المجلة ورئيس تحريرها فايدنر المعروف بخبثه وادعائه، وشارك فيها نقاد وكتّاب عرب معروفون، ومنهم صبحي حديدي وجمال الغيطاني، جعلتني أعود اليها وأكتشف الفضيحة التي حملتها بين صفحاتها. وقد كتب هذان، الناقد والروائي، مقالات عميقة وصادمة فضحا فيها افتراءات المجلة ورئيس تحريرها على الثقافة العربية والإسلامية. والحملة ما زالت قائمة ويجب أن تظل قائمة ليس ضدّ هذه المجلة التي تملك تاريخاً مشرقاً، بل حفاظاً على ارثها وعلى جهود مستشرقة اسمها آن ماري شيمل.
ليس على مجلة «فكر وفن» أن تروّج صورة جميلة ومضيئة عن العالم العربي، ولكن ليس عليها أيضاً أن تكون شوفينية في علاقتها بهذا العالم فتنحاز انحيازاً أعمى الى تيار المعادين للحضارة العربية، الذين يطلقون عليها أحكاماً جاهزة من دون أن يحاولوا استيعاب قضايا العالم العربي الراهنة والإحاطة بها، برصانة وتؤدة.
رحم الله «فكر وفن» أيام كانت آن ماري شيمل على رأسها.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |