لماذا نحن مكتئبون؟
خاص ألف
2009-08-31
أكاد أجزم أن مادة ما يتناولها الناس في مجتمعنا تجعلهم دائمي الكآبة،ربما هو سائل تسرب إلى مياه الشرب أو نوع من الأطعمة أو مادة في هواء البلاد العربية –ربما وضعها حارسو الهواء-تجعل الناس متجهمين وبؤساء وتعساء دائماً.
ابنة إحدى -قريباتي وهي طفلة تعيش مع أهلها في دولة أوروبية-،فاجأتني بسؤال صعب بعد عودتها من السوق أثناء قضاء إجازتهم الصيفية هنا،قالت:لماذا يظهر على وجوه الناس عندكم أنهم حزينون وتعساء؟فأجبتها:لأنهم كذلك.
على الرغم من كل الأسباب التي تجلب الكآبة والبؤس فهذه حالةٌ غريبة حقاً!،صحيح أننا في بلاد مليئة بالفقر والجهل والتخلف والمغالطات والإشكاليات الاجتماعية والتاريخية والقمع وشبه انعدام في الفكر والوعي وتفهم الآخر ويسيطر عليها سقف التابو الذي يكاد يصيبنا بجنَف وعاهة مستديمة في ظهر السعادة والحرية،أضيفوا إلى ذلك الحرب بكل أشكالها،لكن هذا ليس يعني بالضرورة كل هذا الحجم من كآبتنا،فهناكَ فترات تاريخية مر عليها من كل ما يمر علينا الآن من مسببات الكآبة،ترى هل كان أصحابها مثلنا الآن؟؟.
من قال إن العصر العباسي مثلاً كان أقل شراً وبشاعة من عصرنا هذا؟كان هناك فقر وتسلط وحرب على الحرية من قبل الفقهاء وعمال السلطة،وفي عصر الظلام في أوروبا عانى الناس تحت أسلحة الإقطاع ما عانوه من الحرمان بكافة أشكاله،وقبل قيام الثورة الفرنسية كان الفرنسيون يعانون من كافة أشكال الفقر والتخلف بظل الحكم الكنسي،وفي نهايات الخلافة العثمانية سادت سطوة الظلم بكل أشكالها على الناس،ولكن هل كان هناك سواد بخجم هذا السواد الذي نراه الآن؟مع العلم أن السواد لم يغيره السواد يوماً...
حقيقة ما من تفسير منطقي لهذه الكآبة،هل المفارقة التي تعيشها شعوبنا والمتمثلة في الانفتاح على العالم في عصر الاتصالات والمعلومات والمقترنة في الوقت نفسه بهذا الكم الهائل من الضغط اليومي والقمع والفقر يسبب القلق والعذاب والظلام المنتشر بشكل مرعب والذي نراه كل يوم في عيون الناس في الشوارع والأسواق والأعياد والحدائق وأماكن العمل؟،ثمة ضياع وخوف منتشران ووراءهما سبب شيطاني-ليس بالضرورة-غامض،وهذا السبب قد لا يكون خارجنا.
ربما يكمن السبب في الصدمة التي يتلقاها الأفراد كل يوم،والمتمثلة بخيبات الأمل،الشباب والفتيات ممن يخسرون عشاقهم باستمرار بسبب الطائفية أو الفقر،الباحثون والباحثات عن الحب دون جدوى،المنهمكون في السعي وراء لقمة عيشهم بعمل يأخذ أكثر ساعات يومهم وما تبقى من اليوم للنوم،الخائبون والخائبات أمام البطالة المستشرية والذين يستيقظون بلا صباح،هؤلاء ينكمشون عن العالم شيئاً فشيئاً ثم يتقوقعون داخلهم ويصبح كل شيء عادياً بالنسبة لهم،لكن هناك شعوب أخرى تعاني من الفشل العاطفي والبطالة والخسران أيضاً،إذاً ما سبب كل هذه الكآبة عندنا؟بالتأكيد هناك أسباب أخرى.
من باب التطبيع الاجتماعي يدعي البعض أن شعوبنا فيها من الراحة النفسية ما لايمتلكه الغرب-الملحد-فشعوبنا مؤمنة ومطمئنة وتعرف ماذا تريد في الدنيا والآخرة،وهي لا تعاني ما يعانيه الغرب-الكافر-من الاضطراب والقلق النفسي،شعوبنا مرتاحة جداً لأنها طيبة وبسيطة-كما يدعون-وتعرف الله،بدليل أن القليلينَ عندنا لا يستطيعون النوم دون حبوب،ولا يرتادون العيادات النفسية ولا ينتحرون،ولكن إذا كان الغرب –الزنديق-يتناول الحبوب لينام فالناس هنا لم تعد تعرف ليلها من نهارها،هم نائمون وغير نائمين،وهم لا يرتادون العيادات النفسية ليس لأنهم أصحاء بل لأنهم مصابون بفيروس في الوعي،ثم ماذا عن معدلات الانتحار المتزايدة بشكل مخيف لا سيما بين أوساط الشباب في سوريا تحديداً؟إذاً لينظر هؤلاء المُلمِّعونَ إلى المرآة بعين الحقيقة،عندها فقط سيكتشفون وجه الواقع.
إذا بقي الحال على ما هو عليه سيصبح واحد من كل اثنين مصاباً بأمراض القلق والاكتئاب والذهان بعد سنين،وبالتأكيد سيعدي الثاني بكآبته...طوبى لأطباء النفس.
ترى لماذا نحن مكتئبون؟وإلى أين سينتهي ذلك؟أجيبوني بحق الجحيم.
08-أيار-2021
17-حزيران-2014 | |
27-كانون الثاني-2014 | |
21-تشرين الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2013 | |
27-آب-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |