شعرية العاطفة... بين الشعبي والثقافي
2009-09-07
إذا سلّمنا أن الشعر هو طريقة في القول تتسم بخصوصية ما في استخدام اللغة تميزه عن ما اصطلحنا على توصيفه بقول غير شعري.
وإذا سلّمنا بكون التفاعل الوجداني الايجابي لدى المتلقي، هو من خصائص القول الشعري دون أن يكون الخاصية الوحيدة
يحق لنا أن نتساءل عن مدى حضور البعد العاطفي والوجداني في القول الشعري
وما علاقة هذا الحضور بفاعلية القول الشعري وجماهيريته؟
ولكن كيف نتحسس فعالية القول الشعري؟!
ربما تكون الذاكرة هي مجال اختبار هذه العلاقة وتحسس أبعادها،حيث أن الذاكرة هي الأثر الوحيد المتبقي في عقولنا من أثر التعرض ـ سماعاً أو قراءة ـ للقول الشعري؟
فالعواطف تشكل إطارا لفعالية التذكر، فالمواقف الحياتية المشحونة عاطفيا هي ما يحتفظ فيه الإنسان في ذاكرته، أما المواقف العابرة الحيادية الشحن العاطفي سرعان ما تنسى ويطويها الإهمال؟
والمعنى بحد ذاته هو معنى عاطفي، هو معنى يخصنا، يعني شيئا ما بالنسبة إلينا سواء كان على المستوى الشعوري أو اللاشعوري؟
فثمة رابط يربط بين العاطفة والمعنى والتذكّر وهذا الرابط يستند إلى قرائن علمية كشف عنها علم فيزيولوجيا الأعصاب والدماغ؟
حيث أن منطقة اللوزة الدماغية تقوم بتخزين المسارات العاطفية للذاكرة، فهي بمنزلة الخزان العاطفي للإنسان سواء أكانت هذه المشاعر إيجابية مفرحة أو سلبية محزنة أو غير ذلك،فالمعلومات والمواقف المشحونة عاطفيا هي أكثر المعلومات قابلية للتذكر والاسترجاع، والدماغ يعطيها الأولوية على سائر المعلومات. بل إن المسار العاطفي للذاكرة عندما يستثار بشكل كبير فإنه يؤدي لاستبعاد التفكير المنطقي .
لذلك سوف نركز نحن البشر في عملية تذكر واستحضار القول الشعري على البعد العاطفي والوجداني أكثر منه على البعد المنطقي الذي يكسب القول الشعري معنى محدد، حيث أن المعنى هو حصيلة تفكير منطقي يقوم به الدماغ. وبالطبع هناك فروقات فردية بين شخص وآخر وثقافة وأخرى فيما يخص أرجحيه العاطفي على المعنوي أو العكس.
والذائقة الشعرية العربية ما زالت تحتفي بالبعد العاطفي والوجداني في القول الشعري ومن منا لم يسمع بهذا البيت الشعري الشهير الذي يختزل الشعرية بالعاطفة وقدرة القول الشعري على تحقيق المشاركة الوجدانية:
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه... فليس حرياً أن يقال له شعرُ
ومن هنا يمكن تفسير سيطرة القول الشعري الكلاسيكي المدجج بالوزن الخليلي والقافية على أقرانه من الأنماط الشعرية الأخرى الأقل «هزا»
ومن هنا نجد الغياب النسبي لوجود موسيقا عربية دون غناء؟
والغناء بشكل أو بآخر هو قول شعري محوّر؟
ومن هنا نجد جنوح الذائقة العربية نحو الموسيقا والشعر مرتفع التوتر والإيقاع وتهميشها للأقل صخباً؟
فالشعراء العرب الأكثر شهرة هو الشعراء الأكثر خطابية
والشعر العربي الأكثر جماهيرية هو الشعر الأكثر غنائية؟
ولكن هل الذائقة العربية هي استثناء في الثقافة العالمية؟
أم أنها الحالة الأكثر «بدائية» ـ ليس بالمعنى القيمي ـ والمتوافقة أكثر مع فيزيولوجيا الدماغ والأعصاب
وما نجده في الأنماط الثقافية لبعض الحضارات المجاورة من احتفاء بالهامس والتأملي والتجريدي والأقل ضجيجا؟
ما هو إلا عملية تحوير وتطوير لملكات بدائية يشترك فيها كل البشر بغض النظر عن الخصوصية الثقافية؟
ولكن أليس في ذلك تشكيك في ذائقتنا نحن العرب؟
أقول القضية هي قضية تربية وثقافة مكتسبة وقدرة على اكتساب مهارات
فالإنسان بالدربة وتكرار التعرض قادر على تحوير نمط التلقي
لنفترض إنساناً يرى أول مرة جثة شخص متوفي سيصاب بالارتباك والخوف والذعر
و لكن مع تكرار التعرض تصبح مشاهدة الجثة موقف لا يقتضي كل هذا الانفعال؟
هل تماماً ما يميز بين التلقي الفطري البدائي لمشهد الجثة وما تستحضره من خوف وذعر وإفراز الأدرينالين في الجسم... الخ
وبين التلقي الأكثر وعيا والذي يتحسس للأبعاد الوجودية والتأملية لموقف مشاهدة الجثة وما تثيره من تساؤلات وصور وذكريات... الخ
الذائقة العربية الشعرية ما زالت تحتفي بالخطابي والغنائي على حساب الأنماط الأخرى للقول الشعري
فعلى سبيل المثال:
عندما تطرح على التصويت على عينة عشوائية في أي بلد عربي
هذا البيت لعمر بن كلثوم:
«ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا»
و بين بيت شعري آخر:
«هناك حب فقير يحدق في النهر
مستسلماً للتداعي: إلى أين تركض يا فرس الماء!
عما قليل سيمتصك البحر
فامش الهوينى إلى موتك الاختياري يا فرس الماء!»
سيفوز البيت الأول بنسبة كبيرة.
دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الأحد 6 أيلول 2009
حمزة رستناوي.
08-أيار-2021
23-كانون الثاني-2013 | |
25-كانون الأول-2012 | |
22-تموز-2012 | |
24-أيار-2012 | |
21-شباط-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |