حسين جمعة ينبش قبر سعد الله ونوس
2007-03-23
اعتاد الصحافيون الشباب مهاجمة كبار الأدباء ليكبروا بوجود أسمائهم بجانب أسماء الكبار، منهم من نجح ، ومنهم من فشل فشلا ذريعا ، ولكن أن يقوم رئيس اتحاد الكتاب العرب بنبش قبر سعد الله ونوس الكاتب المسرحي الكبير ، ووصفه باللص ليكبر به وهو الذي لم يسمع باسمه أحد قبل انتخابه رئيسا للاتحاد منذ سنوات كبيدل لعلي عقلة عرسان يعتبر أهانة للاتحاد ولكتابه .. الغريب في الأمر أن أحدا لم يتوقف عند هذا الحدث ، فقد قمت ببحث شامل في جوجول لأجد من اهتم بمثل هذه التهم المكالة ضد سعد الله ونوس فلم أجد سوى مادة خجولة كتبها حسن م يوسف .. وملف كامل في جريدة السفير أعاد لسعد الله ونوس بعضا من حقه .. ولكن الأمر كان يحتاج على أكثر من ذلك .. كان يحتاج أن تفكر القيادة السورية بإقالة حسين جمعة من منصبه وهو الذي اعبر كاتبا بالواسطة.
ننقل هنا كل ماكتب عن هذا الموضوع :
من هو حسين جمعة – بقلم حسن م. يوسف
عندما انتخب الأستاذ الدكتور حسين جمعة رئيساً لاتحاد الكتاب العرب في شهر أيلول من العام ما قبل الماضي، سألني عشرات الأشخاص، من الوسط الإعلامي وخارجه: من هو حسين جمعة؟
والحق أنني لم أكن أملك أي جواب على ذلك السؤال، إذ لم يسبق لي أن سمعت بالرجل، لهذا كنت أبتسم عند سماع السؤال وأتهرّب من الإجابة بقولي: اعذروني، لست أعرف، لأنني لست عضواً في اتحاد الكتاب العرب.
وقد وصلت الأسئلة نقطة الذروة عندما اتصل بي أحد الأدباء العرب البارزين وطرح علي نفس السؤال. شاءت الصدفة يومها أن تكون السيرة الذاتية للدكتور جمعة أمامي عندما اتصل بي ذلك الأديب الكبير. فلخصت له ما جاء فيها من معلومات: أستاذ الأدب القديم في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، دكتوراه «عن الحيوان في الشعر الجاهلي» كتاب عن «مشهد الحيوان في القصيدة الجاهلية» كتاب آخر عن «ابن المقفع بين حضارتين» وكتاب ثالث عن «البيئة الطبيعية في الشعر الجاهلي»، وبضعة بحوث أخرى.
قال الأديب الكبير، هذه ليست كتابة إبداعية يستطيع المرء من خلالها أن يعرف من هو مبدعها. والسؤال الذي طرحته عليك: من هو حسين جمعة؟
قلت للأديب الكبير: حتى الآن ليس واضحاً تماماً من هو الرجل، لكن فترة رئاسته لاتحاد الكتاب العرب من شأنها أن تجعلنا نعرف من هو فعلاً. والحق أن الأستاذ الدكتور حسين جمعة لم يشأ أن يجعلنا ننتظر حتى نهاية فترة رئاسته لاتحاد الكتاب العرب كي يقول لنا من هو، إذ أدلى يوم أمس الأول بتصريح لجريدة الحياة يجيب على هذا السؤال تماماً.
فهو يتهم المبدع الكبير سعد الله ونوس بأنه «سارق» لأنه استفاد من حبكات تراثية رغم أنه يعترف بأن ونوس «طوّر فيها»، ولو صح كلام السيد جمعة هذا لكان وليم شكسبير وبرتولد بريشت وجرجي زيدان والكساندر دوماس وغيرهم من كبار اللصوص لا من كبار المبدعين! فمن المعروف أن معظم أعمال هؤلاء مبنية على وقائع تاريخية أو حكايات شعبية.
الطريف في الأمر هو أن الأستاذ الجامعي جمعة يقول إنه يكفيه «لو كان هناك عشرة أشخاص يعترفون به ـ يقصد ونوس ـ ككاتب». وهاأنذا أستفتي القراء في هذا الأمر، وآمل أن يجيب كل منهم بطريقته.
تشرين
شـام سعـد اللـه ونـوس ـ سمر يزبك
من سوء الصدف ـ ليس إلا ـ أني كنت أقوم ببحث ميداني داخل حدود دمشق القديمة، لتعيين مواقع تصوير عن أماكن داخل المدينة القديمة. البحث المتزامن مع نبش ذاكرة التاريخ السوري الحديث، وتعيين أهم أسماء المثقفين في القرن العشرين، وتقديم كتبهم المغمورة التي أتت عليها الثقافة العقائدية الواحدة.
كان بحثي هذا منوطاً بحدود برنامج تلفزيوني سيكون لصالح دمشق 2008 عاصمة ثقافية، والصدفة فقط جعلت من هذين البحثين وجعاً جديداً يضاف إلى الوجع الذي كنا مللنا الحديث عنه، وصار يرجع مع الريح.
فأن يكون التخريب الحاصل في البينة الثقافية السورية يمشي بتؤدة لعقود طويلة هو أمر فهمناه، وأن يتحول هذا التخريب إلى طائرة نفاثة، أمر صعب الفهم. ليس التخريب القائم على الصدفة، لكنه التخريب المدروس والممنهج بغية استبدال هوية وطنية وثقافية، بأخرى غير محددة الملامح حتى الآن، والملمح الوحيد الممكن استنباطه من الدلائل الأولية.
كان من ضمن الكتب المئة التي وضعتها لعرضها كبرنامج يومي لا يتجاوز الدقائق، مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» للكاتب المسرحي سعد الله ونوس، وباعتبار أن طبيعة البرنامج التلفزيوني يعتمد على توثيق الإرث الثقافي مع الإرث العمراني التاريخي لمدينة دمشق، فقد حرصت على إضفاء طابع خاص لكل كتاب، ومن بين أكثر الكتب عدا عن (خطط الشام، لمحمد كرد علي، وطبائع الاستبداد، لعبد الرحمن الكواكبي، وكتاب السوري رزق الله سلوم، وهو واحد من شهداء 6 أيار، مات ولم يتجاوز عمره 26 وله رواية، وكتب في السياسة والاقتصاد»
لا أعر ف إن كان رئيس اتحاد الكتّاب العرب سيسمح له أن يكون كاتباً!؟
عدا الكتب الأنفة الذكر، كانت مسرحية «طقوس الاشارت والتحولات» من أكثر الكتب علاقة بأزقة دمشق ونوافذها المغلقة ورائحة تاريخها. هناك صورة في كل زقاق من أزقة دمشق. لم يكن هناك من مكان محدد يصلح كإحالة مرجعية للنص والكاميرا، فكل زقاق من دمشق يحيل إلى النص، ولو بطريقة مختلفة، كل شخصياته لها خطوة في دمشق القديمة، ولوهلة أثناء البحث ذاك، اكتشفت أني أعيش في مدينة أجمل ما فيها تاريخها، وأعمق ما فيها تراثها. كل ما في دمشق القديمة يشي بالسحر إلى درجة تجعل منها لوحة للفرجة، أكثر منها مكانا للعيش. لا تنتمي إلى الحاضر المغّبر. كل البيوت رغم التخريب الذي شهدته وحولتها فيه القيم الاستهلاكية إلى مطاعم ومراقص، كل النوافذ الرومانتيكية، والشرفات الضيقة، وحتى الحوانيت المغمورة داخل ظلامها. روائح الأسواق: سوق العطارين، سوق الحميدية، المناخلية، سوق ساروجا، الدرويشية، باب توما، باب الجابية، خان أسعد باشا...
كل قطعة فيها تتحدث عن تاريخ بدأ منذ آلاف السنوات قبل الميلاد، ولم ينته حتى اللحظة، منذ تشكل الحضارات الأولى على وجه الأرض، مروراً بالعهود البيزنطية والمسيحية والإسلامية. كل البشرية مرت على دمشق، وغيّرتها ولونتها، ثم بقيت كما هي رغم تفتيتها. هي أقدم مدينة تاريخية في العالم كله لا تزال مأهولة بالسكان، يكفي المرء عندما يعرف هذه الحقيقة ليكتشف حجم الخراب الذي تتعرض له، ليست دمشق فقط، بل وقاماتها الثقافية والإبداعية، وكأن الموت السريري لا يكفي لهذه المدينة، بل هي تحتاج لسل روحها منها، أقول ذلك لأنني اكتشفت أثناء بحثي، ومن الصحف الرسمية وغير الرسمية منها، أن جزءاً كبيراً من مدينة دمشق سوف يهدم، وتبنى فوقه الأبراج التجارية. أبراج تجارية وسط أقدم عاصمة تاريخية في العالم!
العالم من حولنا يصنع تاريخاً ونحن نهدمه ببساطة، هؤلاء الذين يريدون هدم جزء من مدينة دمشق القديمة، منها سوق المناخلية الشهير، لبناء علب بلاستكية لمقر شركات استثمارية، أو لتخزين بضائع، وفتح مطاعم، ألا يشبهون الإنكليز، سكان المستعمرات الجدد، الذين قدموا من أوروبا، بعد أن غزا كريستوف كولومبس أميركا، وأباد الفاتحون 400 شعب من الهنود الحمر، وقضوا على ثقافتهم وبنوا على أمجادهم ودمائهم حضارتهم الجديدة؟ بماذا يختلفون عن أولئك المتوحشين الذين يتحدثون باسم المَدنية في العالم ؟ الفرق فقط، أنهم أبناء البلد نفسه، وهو فارق يدينهم ولا يغفر لهم.
في الوقت نفسه الذي تتشوه فيه خارطة مدينة، يأتي مخربون من نوع أخر، ليهدموا رمزاً ثقافيا من رموز سوريا «سعد الله ونوس» قلت بداية إنها مفارقة، أن يتزامن التشويه في هذا الوقت تحديداً.
يأتي السيد رئيس اتحاد الكتاب العرب «حسن جمعة» ويتهم على العلن، وأمام الجيل الشاب السوري، حيث كان يلقي محاضرة لطلاب الجامعة، قسم اللغة العربية. يتهم سعد الله ونوس، أنه انتحل، اقتبس، بمعنى أخر حسب السيد جمعة: سرق! عن رائد المسرح السوري: أبو خليل القباني، ويبالغ في ذلك كما يذكر للزميل إبراهيم حميدي في جريدة الحياة:
«اقترح العودة إلى كتاب: الظواهر المسرحية عند العرب، لعلي عقلة عرسان، لتثبيت أن ونوس أخذ جملة من أبو خليل القباني»
ربما يبدو من باب التخريف الرد على هذا الكلام! ولكن من باب الحفاظ على هذه الهوية الثقافية والوطنية لسوريا، سيكون من المعيب السكوت عن محاولة تشويه سعد الله ونوس، فالقاصي والداني من مثقفي العالم العربي يعرفون أن سعد الله ونوس اختير سنة 1997 ليلقي كلمة المسرح العالمي في 27 من آذار، ومؤلفات سعد الله ونوس التي حولت إلى عروض مُثلت فوق الكثير من صالات العرض المسرحي في العالم العربي، وخارج أسوار العالم العربي، ليست بحاجة لشهادة من خليفة السيد علي عقلة عرسان، الذي أمضى ثلاثة عقود محتفظاً بكرسيه الجليل كرئيس واحد وحيد لاتحاد الكتاب العرب، وربما السيد حسين جمعة لم يتسن له قراءة التاريخ الحديث لسوريا، لمعرفة من هو سعد الله؟ وماذا قدم للثقافة السورية من أعمال إبداعية؟ وبغض النظر عن حق كل شخص في إبداء رأيه، طبعاً كما هو حق كل مستثمر، في أن يهدم البلد على طريقته برؤية الحياة من وجهة نظر استهلاكية ربحية! فلا حق لأي كان أن يزور التاريخ ويحمله الأكاذيب، وإذا كان السيد حسين جمعة من ضمن هؤلاء الذين يريدون أن يطبعوا سوريا بطابع ثقافي يُعلي من رموز أصحاب الصوت الرسمي عن طريق التشهير بكتاب من الصوت المختلف، فهو أمر يدخل من باب الهدم نفسه الذي تتعرض له البنية العمرانية لدمشق القديمة، وعندما يتم تهديم بنية ما، أو الطعن بهوية ثقافية، أو رمز ثقافي أو وطني، فالبديل المطروح لا بد أن يكون أفضل.هذا منطق الحياة والتطور، فتطور المجتمعات البشرية قاطبة، قام على هدم الرموز والتماثيل والأصنام التي تتحول بفعل الزمن إلى عائق أمام المستقبل، أما أن يهدم هؤلاء ما تبقى من رموز ثقافية نزيهة لتحل مكانها ثقافة الاستهلاك والأحزاب والكراسي البيروقراطية، فهو أمر لا يدخل تحت باب الهدم فقط، بل والتزوير أيضاً.
ربما هو أمر مدروس أيضاً أن يكون التشويه ينال الآن من مختلف جوانب الحياة الثقافية السورية، بعد أن صارت كلمة مثقف تعني سبة وشتيمة، وصارت كلمة دمشق قديمة تعني التخلف والانضواء تحت الماضي، وعدم الرغبة بالتطوير وتحديث البلد، ونحن جميعا نذكر المحاولات الجبارة التي قامت بها الأديبة السورية ناديا خوست للحفاظ على بيت يوسف العظمة، رغم أن يوسف العظمة رمز وطني. كان قائد الثورة السورية الكبرى، واستشهد في معركة «ميسلون» الشهيرة وهو يدافع عن أرض سوريا 1925 وكانت سترفع الحماية عن بيته، لولا حملات السيدة خوست في مقالاتها على الذين يريدون القضاء على تاريخ المدينة.
يريدون هدم دمشق القديمة لمحو كل أثر مادي يدل على عظمة هذا المكان الذي ينتمون إليه، حتى لا يذكرهم بالانحطاط الذين يعيشون فيه.
يريدون أن يشوهوا صورة سعد الله ونوس النظيفة، حتى يقولوا لأنفسهم: هو ليس أقل قبحاً منا.
كل مدن العالم تحتفظ لمبدعيها بساحات ضخمة تُنصب فيها تماثيلهم، ويفتخرون بانتماء كتّابهم إليهم.
كل المدن القديمة تخاف على ارثها التاريخي من الضياع، عندما يحتّ الريح حجارة أسوارها، إلا دمشق، وُجهت إلى حكومتها تنبيهات وتحذيرات بشطبها من قائمة المدن القديمة، ولم يصغ أحد إلى أحد.
الحقيقة أني كنت أفكر تصوير أحد مشاهد الكاميرا، مع صورة سعد الله ونوس على إحدى مشربيات دمشق، وصورة غلاف «طقوس الإشارات والتحولات» على مشربية مقابلة، عبر زقاق ضيق، ونافذة عتيقة في العمق داخل حي القنوات في دمشق، ربما لمح المشاهد خطفاً طيف بطلة المسرحية السجينة التي تحررت وفتحت نوافذها.
كيف سأفعل ذلك؟ ونحن السجناء داخل أسوار قلعة من صدأ وريح، وهم يشوهون ويقتلون سعد الله ونوس بعد الموت، ويهدمون الشام العتيقة.
إنه العار، نصمت عنه، ونحن على أبواب تقديم دمشق كعاصمة للثقافة العربية!
في مديح السرقة ـ صادق جلال العظم
لما اطلقت على ما قاله رئيس اتحاد الكتاب العرب في سوريا مؤخرا عن سعد الله ونوس (سارق، مستلهم للتراث، لا علاقة له بالمسرح) كان أول ما تبادر الى ذهني الحكاية العربية البليغة: وشر البلية ما يضحك. وبعد شيء من الضحك المشوب بالازدراء كان اول ما ورد في خاطري حكمتنا العربية الأخرى: على من تقرأ مزاميرك يا داود. بعدها فكرت بسرقات المتنبي الشهيرة وقلت في نفسي: طوبى للسارق والمسروق ومبارك هو التراث الذي تعمم فيه مثل هذه السرقات والمسروقات وتتكرر بلا حدود. عظيمة انت أيتها السرقة بمثل هذه الثمار. ثم ذكّرني تداعي الافكار بقول احد اعظم شعراء القرن العشرين ـ ت. س. إليوت ـ ما معناه ان الشاعر الرديء يستعير ويقتبس اما الشاعر الجيد فيسرق وينهب a bad poet borrows a good poet steals واعرف طبعا ان إليوت لم يترك اسطورة او حكاية او رمز او شعر او نثر الا وسطا عليه ووظّفه لأغراضه الأدبية. فكّرت بعبقرية فيرجيليوس وهي تستعير الياذة هوميروس وبشكسبير وهو يستولي على كتاب الأمير دماكيافيلي وبدانتي وهو يضع يده على أبي العلاء المعري وبـراسين وهو ينهب المسرح اليوناني القديم مسقطا منه الكورس وبنا معشر العرب ونحن نسطو على وليم شكسبير لنجعل منه الشيخ اسبر من بني وليم. ثم سألت نفسي وما هي طبيعة السلب الذي مارسه نجيب محفوظ على بالزاك والذي مارسه توفيق الحكيم على مسرح العبث في النصف الثاني من القرن العشرين؟ إذن: مباركة انت ايتها السرقة وطوبى لهؤلاء السراقين والمسروقين مجددا، لأن العالم كان سيخسر نفسه بلا هذه السرقات ولأن الدنيا كانت ستفقد روحها لو تركناها للمحاسبين الصغار الصغار في اتحادات الكتاب. ولما كان الاتحاد في دمشق قد دخل مرحلته القرقوشية بعد جدال ليس بوسعي الا ان اعود الى المتنبي لارتكب جناية السرقة الرديئة منه واقول: يا اتحادا ضحكت من جهله الاتحادات.
ليـس دفاعـاً عـن سعـد اللــه ـ عباس بيضون
لا اعرف من هو حسين جمعة وربما اخطأت في كتابة اسمه ولولا حديثه عن سعد الله ونوس لما تنبهنا الى ان له اسما ووظيفة بالطبع. لا اريد بذلك ان اقلل من حسين جمعة فلست من عبّاد الاسماء، واعلم ان ثمة اسماء جوفاء كالطبول ولا نسمع لولا ذلك لها قرعا او دويا. لكن اسماء موظفي الجهاز الثقافي ورؤساء اتحادات الكتاب عندنا تتحد مع ماكيناتهم الثقافية فلا نستطيع ان نميز الاسم من دواليب الماكنة وعجلاتها. اظننا الاخرين الذين ما زال عندهم ماكينات واجهزة من هذا النوع الاخيرين الذين يحولون الثقافة الى اسطبل بيروقراطي. الاخيرين الذين ينصبون رؤوسا لا تفترق في شيء عن الابواق على الثقافة، الاخيرين الذين يحولون الطبول الى ألسنة والشكر على المأدبة الى ثقافة، واصوات الملاعق الى اغان، وجريمة اكل الرؤوس الى ملاحم، والكلمات الميته الى اوسمة. الاخيرين الذين يتفاهمون تحت الطاولات وتحت النصوص وتحت العروض ويتبادلون بطاقاتهم السرية من وراء ظهر الحقيقة ويحولون الفكر الى موبأة والعلم الى سلة مهملات والأدب الى خبل بليغ اخيرا، هناك من يستعيد سعد الله ونوس، وآن لسعد الله ان يخرج فعلا من قفص المديح وقفص الانكار وقفص الاهمال، لكن رئيس اتحاد الكتاب العرب ينقل عن رئيسه السابق لاتحاد الكتاب العرب ان سعد الله سرق جملة من القباني، ورئيس اتحاد الكتاب العرب يجزم بوصفه رئيسا لاتحاد الكتاب العرب بأن سعد الله ليس مسرحيا، وهذه بالطبع حجة في محلها. اذ لا نعلم ان رئيس اتحاد الكتاب العرب السابق عليه (وهو مسرحي فيما يبدو) عينه ولا نعلم انه امر له بجراية ولا نعلم ان احدا تقدم الى الرئيس الحالي بطلب لاعادة تثبيته وتعيينه اذا كان سبق ذلك، وكيف يمكن لكاتب او مسرحي او فنان ان يكون كذلك من دون امر من الجهاز ولا توصية من احد وكيف تكون السلطة الثقافية سلطة اذا لم يرجع اليها الوحي والالهام والموهبة، واذا لم يكن من حقها تعليب ذلك، وبيعه، واذا لم تبع صكوك الابداع كما كانت تباع صكوك الغفران، كيف يمكن لرئيس اتحاد الكتاب العرب ان يكون بحجم هذه التسمية اذا كان الناس يخلقون ويدعون به ويحملون من دون علمه ولا اذنه.
يشبه رؤساء اتحاد الكتاب كما خبرنا نحن وعلمنا كل شيء الا الكتاب. والادباء. ان بينهم وبين الكتاب والادباء فارقا في الهيئة واللهجة والموهبة بالطبع. اذ نعلم حق العلم انهم لا يكونون رؤساء الا لأن مواهبهم في ترتيب الطاولة هي الاولى، ولأنهم يشبهون في بعض احوالهم لا الميكروفونات فحسب ولكن القبضات وربما قبضات الكرابيج. احيانا. لا يشبهون الكتاب لأنهم يظنون ان الأدب يخرج من جواربهم ولانهم يسعون الى ان يجروه الى ماتحت طاولاتهم. لا يشبه الرؤساء الكتاب الا بعملية متعسرة لا يبقى فيها رأس فوق الريح ولا وجه عال ولا كلمة مبدعة. عملية قسرية ودائما تتم تحت الاعين، ودائما تتم بوحشية وبلاهة. ودائما تصرخ الثقافة من السخف او من الظلم.
لا يحتاج سعد الله ونوس بالطبع لمن يرد على حسين جمعه. بل لا يمكننا بأي حال ان نضعه ازاءه. لكنها مناسبة لنفرج عن قلوبنا وربما نشكر لحسين جمعة انه اعطانا وقتا لنتذكر بسمة سعد الله ونوس الرائعة، والتي رفت فوق المرض وفوق الصغائر وفوق الصغار، وفي لحظاتها الأخيرة حلقت فوق دمشق وقصورها وحرسها واجهزتها نحو الشمس والمستقبل. نشكر لحسين جمعه انه مجددا اتاح لنا لقاء مع سعد الله.
محكومون بالأمل ـ اسكندر حبش
لا يبدو الأمر غريبا مطلقا، بل هو نتيجة هذا الزمن بكل ما يحمل من تجليات تقودنا إلى أسفل هذه المدارك التي وصلنا إليها. وإلا فماذا نسمي ما تفوه به رئيس اتحاد الكتاب العرب، د. حسين جمعة، بأن سعد الله ونوس لم يكتب مسرحا في حياته، بل إن كلّ ما فعله هو سرقة أبي خليل القباني؟ لا بد من أن يثير هذا التصريح «الفذ» العديد من الأسئلة أقلها هل أن الناقد الجهبذ، الجديد، قرأ فعلا ما كتبه سعد الله ونوس وما كتبه أبو خليل القباني؟ أشك في ذلك، لسبب بسيط، هو أن السيد المحترم، يبني أقواله وخلاصة تفكيره على ما ورد في كتاب زميله الأسبق في رئاسة اتحاد الكتاب العرب، علي عقلة عرسان «الظواهر المسرحية عند العرب».
من هنا، يبدو السؤال الذي يجب أن يطرح فعلا، هل أن كتاب علي عقلة عرسان، يمثل فعلا مرجعا ثقافيا حقيقيا يمكن الاعتماد عليه؟ أعتقد أن أهل المسرح أولى مني بالإجابة عن هذا السؤال، وهم أجدر في تقييم هذا الكتاب، ولا أعرف أيضا لمَ لا يشكل عندهم أي مرجع في دراساتهم المسرحية. في أي حال، يبدو الأمر كأنه تماما مثل تلك الحكمة القديمة «من فمك أدينك». فعلا، أين هي قراءتك الخاصة يا دكتور جمعة، أين تحليلك واجتهادك الخاص، لتخرج علينا بهذه النظرية الجديدة، في علم المسرح العربي الحديث؟
هذا ما يقودنا إليه رئيس اتحاد الكتاب العرب. تخيلوا هذه التسمية حقا! أي أن أشخاصا مثل أدونيس ومحمود درويش وسركون بولص وفاضل العزاوي وإدوار الخراط ومحمد البساطي وغيرهم، ينضوون تحت لواء هذه المؤسسة التي تمثلهم. بالطبع تعرفون أنها مزحة، في الأساس، كيف يحق لشخص ينتمي إلى مؤسسة «سرقت» اسمها، من اتهام الآخرين بالسرقة؟ أليس هذا ما فعله الرئيس الأسبق علي عقلة عرسان، حين حول اتحاد الكتاب السوريين إلى اتحاد للكتاب العرب، في ظرف سياسي معين؟ بالأحرى ما معنى كل اتحادات الكتاب العربية، حين تجد أن الكتّاب الحقيقيين إما غير منتسبين وإما مطرودون وفقا لمنامات رئيسها؟
لا أظن أن سعد الله ونوس، بحاجة إلى أن ندافع عنه ـ حتى في غيابه ـ إزاء هذه التصاريح. يكفي هذه الكتب التي تركها وراءه، والتي أسست لحقبة مسرحية مهمة في عالمنا العربي. يكفيه طلاب معاهد الفنون الذين يعملون اليوم على نصوصه، ليبقى اسمه حيا. بينما، لن تنقذ المناصب أي اسم من قاذورات التاريخ، لأنها ستبقى فعلا خارج التاريخ.
كم كان ونوس مصيبا حين قال «إننا محكومون بالأمل». فعلى الرغم من كل شيء، ليس لدينا سوى الأمل، أمل الشرفاء في تغيير قباحة من يعتبرون أنهم يملكون «الحقيقة»، بالأحرى «السلطة» التي تخولهم الاعتداء على كل شيء. لكن لا سلطة بالطبع، فوق سلطة الكلمة. هي الكلمة التي كتبها ونوس منذ زمن طويل
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |