لو حادت الإبرة
2009-09-19
هل كان حساباً قام به الأبالسة جعل الإبرة التي عبث بها الطفل ابن الثلاثة أعوام تخترق مركز حدقة عينه اليمنى؟!،من الكف بعبث مروراً بالهواء حتى الاقتراب من العين،ركزي على مركز الحدقة،انطلقي.
لو أن أحداً قام بالتعيين لساعات وكان بطل العالم في الرماية لما استطاع أن ينفذها بهذه الدقة!!،ولو أن الإبرة حادت قليلاً لكان بالإمكان أن لا تطفأ الشبكية إلى الأبد.
غرز إبرة أرق من الشعرة في بؤبؤ العين سيولِّد عذاب عمرٍ كامل.
لو كان بالإمكان أن لا تشتري فتاة التفاح حبة الشوكولا بالقرب من كلية الحقوق التي تتهامس فيها رائحة الكتب وأشجار الزيزفون وابتسامات الجدران الشقراء التي تشبه بصفائها تصوف دمشق العلوي لما كان صديقها الذي فقد عينه اليمنى سيذوب وهو يتناول الحبة،سيذوب مشتعلاً بياسمين أخمدته سنوات طويلة تحت حطب العالم،ياسمين له بهاء الأمومة التي تبعثها بساطة فتاة التفاح الطفلة الكبيرة بكامل عفويتها وانفتاحها وجنونها ورقيها وسلاستها،ولكن قبل ذلك:هل كان على الصديق أن يتدلل:اشتري لي حبة الشوكولا هذه،أشتهيها!!،يا للغرابة!،لماذا طلبتَ مثل هذا الطلب البسيط الغريب؟ولماذا هب فيك كل هذا الورق الأخضر الذي سيجعلك تبكي أياماً طويلة بمشاعر يختلط فيها الفرح والحب والحزن والجنون الذي لا تعرف سببه؟لماذا تبكي من شيء كهذا؟لأنك تذكرت الحرمان والفقد أم لأنك أحسستَ بعدمه وقد أدمنت عليه؟.
لو أن تلك السيارة في الزقاق القديم من باب توما الذي يمشي فيه من فقد عينه اليمنى فقيراً مشرداً ثائراً مهدوداً من التعب،فاقداً كل شيء ويحلم بكل شيء،يحلم بفتاة التفاح الحانية،بمهرجان مشبع برذاذ الألق تحييه دمشق،مهرجان كتابة حب وفن وخَلق،دمشق التي علمته كيف يكون الحب شلال مخمل على سفح من نسيم،لو أن سائقها السكران حاد شعرةً لدهس أحلامه التي لا تتسع لها كل البيوت العربية القديمة في عصر الصيف.
هذه الأشياء الدقيقة والبسيطة نفسها ما يفجر الإبداع،أشياء تولد حياة كاملة،وأشياء تشعل إبداعاً إنسانياً.
ولكن السؤال الأهم:كيف يستطيع الإنسان أن يفجر كل تلك الطاقة من هذه الأسباب البسيطة؟!،من تفاحة سقطت اكتُشف قانون الجاذبية،ماذا لو لم تسقط التفاحة؟، وفي وقت فراغ قضاه أينشتاين اكتشف قانون النسبية الخاصة،لماذا لم يكتشفه أثناء العمل؟،أما نيتشه فقد كتب كتابه الأشهر زرادشت في أقل من شهر واحد بينما كان يعاني من مرض عصبي ويتناول جرعات كبيرة من الأدوية،في هفوات تمر بنا نخلق كائنات خالدة من الإبداع،هي نفسها هفوات الحياة التي تخلقنا من جديد،هل يمكن أن نشبِّه وقفة الإبداع المفاجئة والمخاتلة والنادرة في عمر المبدع بما يغير عمره -من حيث مسببهما البسيط-؟،إنها وقفة تشبه وقفة المسيح على الصليب من قرار حاكم على ورقة بحجم الكف،تلك التي غيرت وجه العالم.
في الطفولة،كنا نشتري أقلام الرصاص والدفاتر والألوان والحلوى يوم الجمعة، كان يوم الجمعة شيئاً آخر حين تحضر إلى بيتنا صديقة الطفولة التي أحببتها لأن شعرها مميش بين الأسود والأشقر،أما ثغرها القرمزي فكانت له رائحة القرنفل على ضفاف بساتين الضيعة،قرب الجنينة الصغيرة في باحة الدار الكبيرة كنا نرسم ونضحك ونشتم ونتشاجر ونتآمر على الكبار وزملاء الدراسة الابتدائية ونسرق كؤوس الشراب من غرفة الضيوف،كانت أشياء غاية في البساطة،ومخيفة بحجم سيطرتها على كل ما سيفعله من فقد عينه اليمنى بعد سنوات طويلة،وبعد أن فات أوان العودة،لتشده إليه مغرقة إياه في عالم مُحِيَ ولم يزل يسيِّر عالمه في الاتجاه الأصعب.
لو أن الإبرة حادت،وفتاة التفاح لم تشترِ الشوكولا،وصاحب السيارة مال قليلاً،ولم نعبث في طفولتنا بتفاصيل بسيطة،لما كتبت كل هذه الكلمات!.
[email protected]
08-أيار-2021
17-حزيران-2014 | |
27-كانون الثاني-2014 | |
21-تشرين الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2013 | |
27-آب-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |