الشاعرة المصرية هبة عصام : الشعر هو الحياة / أجرى الحوار : مهدي سليمان
2009-09-23
حين أصدرت الشاعرة المصرية هبة عصام مجموعتها الشعرية الأولى (حُلة حمراء وعنكبوت) تناولت كثير من الأقلام العربية والمصرية هذه التجربة التي تحاول أن تبتكر ذاتها عبر التمايز عن الآخرين الذين كانوا يملؤون ساحة الشعر في مصر، وهبة عصام الشاعرة التي شاركت في ملتقيات ثقافية عربية وعالمية من بينها اسبانية أوالجزائر أوسوريا كانت تريد أن تقول ذاتها، سواء عبر التجربة الشعرية ككل أو عبر تجربة هذا الديوان، أو كما تشير هي في هذا الحوار (تحول الشعر من هاجس إلى حاجة تزداد إلحاحا حتى التقطت خيوطه في مرحلة ما). وعصام لا تنظر للشعر فقط كحالة ذات، بل هي تضيف (الموهبة وحدها لا تكفي للتميز إن لم يدعمها ما يعكس احتكاك الشاعر بتراثه الإنساني وتماسه مع مفردات عالمه)، وهكذا إذاً تنظر الشاعرة المصرية للشعر في هذا الحوار الذي أجرته رؤى معها:
- كيف تشكلت في البداية الخيوط الأولى للشخصية التي أنتجت نصك.. (أنتِ)، أين تجدين الشعر في مراحله الأولى في حياتك؟
المراحل الأولى من العمر هي المراحل الأولى من الشعر، وكل ما يمر بالشاعر منذ صغره سواء خلال نشأته أو قراءاته واهتماماته يؤثر في مخزونه النفسي الذي بدوره ينتج القصيدة فيما بعد، كان هاجس القصيدة يطاردني في مراحل مبكرة دون أن أدري، سواء في صورة حبي لقراءة التراث الشعري واشتراكي في مسابقات الإلقاء المدرسية أو في محاولات كتابته وارتجاله بصورة بدائية، من ثم تحول الشعر من هاجس إلى حاجة تزداد إلحاحا حتى التقطت خيوطه في مرحلة ما، لعل اللعبة تطورت فيما بعد، ولا أظنني سأصل لحالة الرضا الكامل عنها ولو بعد مائة عام، كلنا تلاميذ في مدرسة الشعر التي لا تكف عن إدهاشنا أبدا.
- (حُلة حمراء وعنكبوت) من أين أتى هذا العنوان، من أين أتت هذه العوالم التي قد تبدو متناقضة أحياناً، وذات علاقات متابعدة أحياناً أخرى.. فيه أولاً وفي شعركِ ثانياً؟
هذا العنوان المفعم بالثنائية الضدية- الحرية والقيد- يعكس روح كارمن الغجرية المهووسة باختطاف الحرية والحياة في صورتها الأولى من جهة، والقيد بأشكاله المتعددة من جهة أخرى، بل إن استخدام كلمة العنكبوت كرمز للقيد تحمل داخلها تناقضا آخر يجمع بين السطوة والوهن، ألم تنهزم كارمن رغم قوة روحها وضعف من حولها؟.. أعتقد أن التوفيق في اختيار العنوان هو بمثابة هدية من السماء، فالعنوان لم يعبر عن النص المعنون باسمه فقط وإنما عن العالم الشعري الذي يحمله الديوان بشكل عام.
- يبدو المشهد الشعري المصري الشاب مضيئاً بعدد من الأسماء اللامعة في قصيدة النثر، بينما تأتي هبة لتختار شكل التفعيلة وتكتب من داخله، ما الذي يدفع إلى هذا الخيار؟ وكيف اخترتِ شكل قصيدتك؟
نعم يزخر المشهد الشعري في مصر بتجارب واعية ومتنوعة في قصيدة النثر، ولكن مفهوم الحداثة لا ينحصر في قصيدة النثر فقط، وإنما في خلق صوت أدبي متميز ومتفرد يزخر بالصور الجديدة والرؤى المبتكرة والمفردات المعاصرة ويصنع بصمته الخاصة، أما عن خيارات الشكل فهو مجرد إطار لايضيف لروح الشعر ولا ينتقص منها ولكنها ألوان أدبية مختلفة تتجاور ولا تتصارع، وكل المعارك الدائرة بينها هي سجالات وهمية، بالنسبة لي أعتقد أن النص هو الذي يختارني وليس العكس، لا يكون لدي تخطيط مسبق قبل الكتابة عن نوعية الشكل الذي سيخرج به النص، المسألة ليست موضة يجب اتباعها عن قصد، فالشعر لعبة تلقائية يفسدها التعمد؛ ليكن ما شاء له أن يكون موزونا أو منثورا أو قصصيا، لا يهم، المهم أن يكون إبداعا حقيقيا يمس الروح ويؤثر فيها.
- في نصّك اقتراب من عوالم أخرى (التراث العربي والعالمي، سواء عبر الأسطورة أو عبر الأدب نفسه أيضاً) كيف تتلمسين العلاقة فيما بين القراءة والكتابة، كيف تدخل شخصيات من روايات أو من قصائد، أفكار من نظريات، حكايات من التاريخ إلى نصّك، وكيف تتعاملين معها؟
العلاقة وطيدة بين القراءة والكتابة؛ فالأسد مجموعة خراف مهضومة، والشعر يحتاج لروافد مختلفة ليستمر ويتفجر، ليس من التراث الشعري فقط وإنما روافد أخرى من غير جنسه كالروايات والأساطير والتاريخ والجغرافيا والفيزياء والفلك، كل ما يتلقاه وعي الشاعر يؤثر إيجابا في نتاجه الشعري كحصيلة معرفية تجعله أكثر عمقا ووعيا، الشعر مزيج من الإحساس والوعي، والموهبة وحدها لا تكفي للتميز إن لم يدعمها ما يعكس احتكاك الشاعر بتراثه الإنساني وتماسه مع مفردات عالمه، بالنسبة لنصي فهو كأي نتاج أدبي يخضع لكل هذه العوامل، وقد قام بعض النقاد بالتقاط خيوطها من خلال دراسات أدبية، فليس دوري كشاعرة أن أقوم بعملية تنظيرية لنصوصي والتحدث عن معطياتها.
- كيف يمكن لشعر اليوم، المحاصر بهذه القسوة اللامتناهية في كثير من الجوانب، شعر اليوم المنفيّ بشكل من الأشكال عن القارئ، شعر اليوم الذي بات يختلط فيه الجيد بالرديء، كيف يمكن له أن ينجز قصيدته، أن يجعلها حاضرة وكاشفة وتشير إلى ما تريد أن تشير إليه؟
الإبداع المتميز يفرض وجوده رغم كثرة الضجيج والرديء، حتى وإن لم يتضح هذا كليا لبعض الوقت إلا أن الزمن خير مصفاة، ولا أظنه سيرحم أنصاف المبدعين، أما عن إشكالية التلقي وعزلة الشاعر عن القاريء فلها جوانب متعددة، وأبعاد سياسية واقتصادية وإعلامية أثرت على الإنسان العربي وتشكيل أولوياته واهتماماته، فمن جهة نحن في عصر حلت فيه الصورة محل الكلمة، وكليبات الفضائيات محل الكتاب، ومن جهة أخرى انشغل الإنسان باقتناص لقمة عيشه وبات الشعر رفاهية لا يلتفت إليها الكثيرون، من حسن الحظ أن الشاعر ملعون بالكتابة مهما كان شكل العالم الذي يحياه.
- هل أنتِ مطلعة على المشهد الشعري العربي؟ وثم هل في عالم اليوم (عالم الإنترنت والإتصالات السريعة) أن نحدد مشهداً شعرياً عربياً عاماً، أم أن ثمة عوالم شعرية عربية؟ هل تحدثينا عن رؤيتكِ للمشهد الشعري العربي بشكل عام والمصري على وجه الخصوص؟
الحركة الشعرية العربية بوجه عام والمصرية بوجه خاص تثرى بأسماء عديدة ومتميزة رغم ما يشاع عن أنه زمن الرواية وتراجع الشعر، ربما هو ليس زمن الشاعر الأوحد، لكننا نعيش حراكا وتعددية هي في مصلحة الشعر لا شك، وعالم اليوم الذي تتحدث عنه له صلة بهذا الحراك، لم يعد الشاعر بحاجة إلى وسائط معقدة لإيصال تجربته والإعلان عنها، تكفي ضغطة زر ليصل منتوجه إلى العالم، وهذا العالم الصغير الذي خلقه الانترنت وسهولة التواصل أزال الحواجز المكانية والثقافية وجعل المشهد الشعري العربي متشابه إلى حد كبير من بلد لآخر، هو مشهد ثري بالأصوات والتجارب الواعية بالرغم من وجود بعض الصراعات الوهمية التي لا طائل منها، لا شك أن التفاصيل الجزئية للمشهد الشعري تختلف من بلد لآخر لأن كل مناخ يخلق شعره، إلا أنها ليست اختلافات نوعية، ويسعنا ألا نسميها اختلافات وإنما مجرد خصوصيات مكانية صغيرة، خاصة أن الشعر تخلى عن وظيفته القديمة كأداة خطابية وبقى جوهره الحقيقي كفن لصيق بالذات الإنسانية وهمومها الخاصة، فالشعر كائن إنساني بالدرجة الأولى.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |