Alef Logo
المرصد الصحفي
              

الاكثر ذكاء بين الكاتبات انغبورغ باخمان: كاتدرائيات ليوم صغير بارد! / سيسيل لدجالي

2009-09-27

مرة أخرى نرحل في الغابات الأدبية البافارية التي نجهل وجههاالنمساوي بشكل عام، وما أنتجه على مستوى الكتابة النسائية بشكل خاص. هكذا آثرنا أننقدم حالة أدبية تأبطت الزخم الهيدغيري وهي تتجه صوب مجاهل اللغة وفخاخ الوجود،لتنسج مصائر جديدة للحب بحبر الجسد الذي كف عن النبض منذ ذلك الصباح البارد الذينعت فيه (جيزيل تسيلان) أخاها الشاعر لعشيقته الأديبة (انغبورغ باخمان) التي ستقدمجسدها المحترق في روما قربانا غامضا لوجود غامض ربما لتنهي روايتها: (مالينا) علىصيغة رماد الضلوع المشتعلة . . !
-المترجم-
قال عنها توماس بيرنار أنهاكانت الكاتبة الأكثر ذكاء بين ممن صادف من الكتاب. ينبع ذلك من شيء بسيط جدا وهوأنها كانت تحب الحياة، ومن هذا الحب الطائش للوجود كان نبوغها يرتوي. ومع ذلك ليسمن السهل الإيمان بالشمس أو بالجمال بعد الأسوأ، لا سيما وهي نفسها بنت رجل نازيسابق.
(لا أوجد إلا عندما أكتب، لست شيئا عندما لا أكتب) هكذا صرحت لصحافي ذاتيوم من سنة 1971 وهي واعية بالإلحاحية الموجودة في الكلمات. بعد ذلك بسنتين، ذهبتلتحترق حية في روما . في ذلك الوقت، كانت قد انتهت من كتابة رائعتها (مالينا) . غيرأن قلب الروائية كان قد توقف خلال الكتابة عندما توصلت ذات صباح برسالة من جيزيلتسيلان التي أخبرتها بانتحار بول (1) ! لقد ارتمى، إذا، خليل باخمان في نهر السينتحت جسر ميرابو (جسر الشاعر) ؛ لأنه لم يعد يؤمن مطلقا بالشعر (حياتي انتهت لأنهغرق في النهر. . ذاك الذي كان يمثل حياتي. . لقد أحببته أكثر من حياتي!). إنهاالكلمات الشبيهة بالدموع التي انزلقت إلى صفحات (مالينا) في ذلك الصباح الذي علمتفيه بالخبر. يفرض عملها هذا التوتر على القارئ بحيث تحول الكابوس التاريخي مثلمعاناتها الحميمة إلى قصيدة، قصيدة تغني فيها جنيات البحر وصيادو عوليس الذينتصالحوا أخيرا، قصيدة الموت وضفائره الطحلبية الخضراء منسية، والشمس التي وضعتهاطفلة (كلاجنفيرت) الصغيرة على شاطئ البحر تنهض من جديد كي تلفح المتشردين .
لاحدود بعد اليوم! لأن هذه الندوب المرعبة التي خلقها الرجال تجلد القلب والفكر لتزعجالذكاء والإحساس. كذلك مرت انغبورغ دون أن تحركها أطروحتها حول هايدغر، لتتجه نحوقراءة قصائد تسيلان. لقد تقبلت تناقضات حياتها ومفارقات قلوب الآخرين برشاقة نادرة . كان تسيلان نهرا عاشقا، فيما كانت باخمان شعلة سماء متلهفة، أما الغناء الذي كانتتنسجه الأعمال الطباقية للعاشقين معا، فقد ترك أصداءه في الرعب الغريب للأرواحاليقظى التي تنتظر الفجر.
قبل عشر سنوات، أعادت باخمان ترتيب العالم بمعونةمجرفة أدبية قصيرة رفقة رفاقها في مجموعة 47. كانت تعرف أكثر من أي أحد آخر أنتقديم العالم بقي مغلقا داخل اللغة؛ هذه اللغة التي هي غير قادرة على القول.
سأقول أيضا إنها كانت شغوفة بالموسيقى وكانت تريد الكتابة عنها، لأن التناغم (الذي تحققه الموسيقى طبعا/المترجم) وحده القادر على الوصول هناك حيث اللغة تتوقف! كانت انغبورغ صارمة خصوصا مع نفسها. كان على مسيرتها في الفن أن تكون سفرا دونتسويات، وكان على الطريق المستعار أن يصبح مصيريا لأنه لا يمكن تجنبه. كانت تعرفأنه بمقياس الضرورة تقاس قوة عمل كاتب ما. هذه الراديكالية، هذا الالتزام الكليللذات في الإبداع يقوي إعجابي، ويلزمني دائما بطرح أسئلة جدية على نفسي عندما أكتب. غياب الحيلة شيء نادر عندما نشتغل بواسطة الكلمات.
لقد شقت باخمان اللغةالألمانية في غياب الرضا، الشيء الذي ساهم في جعل كتبها كاتدرائيات مذهلة، صدركنائسها المدمر بالقنابل منفتح دائما على يوم صغير سريع التأثر بالبرد. في الصباحالأبيض، وتحت صفصافة، أراها تمشي نحو البحيرة. ستتوقف هناك لتترك وراءها أحجارالكنائس ولا تعطي اعتبارا- بجدية أكبر- إلا لتلك الأحجار التي تغني على قارعةالطريق. يتعلق الأمر بإعادة إزهار الأحجار من جديد، الأحجار الصغيرة الموضوعة علىقبر بول وكل الآخرين .
فيلسوفة وروائية، عالمة في الموسيقى، مسرحية وشاعرة،عملت باخمان لإعادة الكرامة المهدورة للناس. فلربما، من بنت جلاد جاء السلام،والطفلة التي رأت - وهي في الحادية عشرة من العمر- قوات هتلر تلج (كلاجنفيرت) - مدينة ميسيل (2) -، أرادت أن تطرد الخوف والخجل من قلوب الناس، حتى يستعيدواإنسانيتهم. شخوص رواياتها عاديون وحكاياتهم أكثر ابتذالا، لكن من خلال الملاحظةالعنيدة في تفاصيل الوقائع، يتدفق الأمل، الأمل مقيم في الموسيقى، في البيت الشعريالرخو، في الإيقاع، في القهوة الصغيرة، هناك في ضواحي الضواحي، في السيجارة التيتتبدد في كأس من الويسكي. . ستولد الإمكانيات المرتبطة بالغد من إعادة صياغة العالمهذه ومن الفقر النثري. ليس سهلا أن نتعلم المشي أو الابتسامة من جديد وطيف باخمانالذي يتجه صوب البحيرة يترنح، لكن وجهها- الشبيه بدمية سلافية تحت المطر- يبتسمبهدوء. تعرف تلك التي عنونت ثلاثيتها (- التي لم تكتمل-) ب: (روايات حول صيغ الموت) أن ماء السماء والعيون يرج دروب اليأس، ويرسم سبل الوضوح دونما التفاتة نحو الوراء،لأن انغبورغ تسخر من ميدوزا. تنزل انغبورغ نحو الجحيم ثم تصعد نحو الضوء، قابضة علىإنسانيتها بيدها .
ترجمة: مصطفى بدوي
هوامش:
انغبورغ باخمان: 1926-1973 حازت الدكتوراه في الفلسفة سنة 1950، برسالة عنوانها: (التلقي النقديللفلسفة الوجودية لمارتن هايدغر). بدأت حياتها الأدبية شاعرة ضمن جماعة 47. حلقتبها قصائدها ومسرحياتها في عالم الشهرة في الوسط الألماني، مما أكسبها مكانة متميزة . تقاسمت بين سنتي 1958 و1962 حياتها مع الكاتب السويسري الألماني ماكس فريش علىاثر لقاء في فرانكفورت، فعاشا بين روما وفرانكفورت. نالت جائزة بوخنر سنة 1964،ولتسهيل عملية تلقي تلك القصائد كتبت نص: (برلين مكان للصدف) . ظهرت روايتها (مالينا) في جزئها الأول والأخير سنة 1971، لأن الموت المفاجئ سيضع حدا لمسيرتهاالأدبية. كانت عشيقة الشاعر بول سولان. في سنة 2008 نشرت مراسلاتهما تحت عنوان: (زمن القلب) .
(1) بول سولان 1920-1970 شاعر فرنسي، يهودي الأصل، كان يكتببالألمانية . ولد في رومانيا، تأثر بتجربة إبادة اليهود من قبل النازية، كان أبواهضحية لهذه الابادة. انتحر في باريس، حيث كان يقيم منذ سنة 1948.
(2) ميسيل (روبيرت فون) 1880-1942: كاتب نمساوي، كان مهندسا. سافر الى برلين قصد متابعة دراسةالفلسفة وعلم النفس، الا أنه قرر أن يتخصص في الآداب، فكتب مسرحية (المتحمسون/1921) ، كما كتب ديوان: (ثلاث نساء/1924) . قضى بقية حياته في كتابة رواية ضخمة لميكملها، بعنوان: (الانسان بدون صفات) صدر الجزء الأول منها سنة 1930، أما الجزءالثاني الذي ظهر سنة 1933 فقد منع من قبل النظام النازي. أقام ميسيل في فيينا التيغادرها سنة 1938، ليختار المنفى السويسري. صدر الجزء الثالث بعد وفاته. ويحلل فيهذا العمل الضخم نهاية الامبراطورية النمساوية ـ الهنغارية، فيما شخصياته تبحث علىغرار الكاتب عن حقيقة ولو عابرة، وتبقى هذه الرواية واحدة من الأعمال الكبيرة التيميزت أدب القرن العشرين.
ـالمصدر: ماغازين ليتيرير- عدد489 - أيلول
(سبتمبر) 2009- ص: 90-91

القدس العربي

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow