(على شفتي قبلة...)إلى أن تُقترف القصيدة
2009-09-28
غالباً يتوارى الشعر الجديد خلف الأمكنة، فيدخل المكان دون عنوان في القصيدة فاقداً لهويته ويتسرب ثم يُغلَق الباب أمام الاعتراف به،ومع أنه المُلهم الأكثر جرأةً على استفزاز الشاعر القلق بما يحمله من فوضى تعيد ترتيب أفكاره المهرولة نحو الجهة الأخرى من الكلام(ابن الرومي)،إلا أن الشاعر كثيراً ما يترك هذا المكان وحيداً ثم يحمل قصيدته ويمشى...
في ديوانه(على شفتي قبلةٌ لن أحصل عليها)للشاعر السوري نجيب جورج عوض الصادر عن دار (الغاوون) 2009 تحضر الأماكن في كل نص منه،إلا أننا نجدها وقد أثارت الشاعر بكل تفاصيلها لا تدخل في القصيدة بهذه التفاصيل،بل برؤيته حولها،وتجتازها إلى ما توحيه وتثيره من الذاكرة،ربما أراد الشاعر أن يجعل من الأماكن مرآة أخرى للنص ترتبط بالواقع بشكل غير مباشر،جعلته يخرج عن السائد ويدون أسماءها في جانب عنوان النص.
نصوص الديوان مختصرة وقصيرة،فقد استطاع الشاعر التخلص بحذق من متعة السرد التي كثيراً ما يفرضها المكان فتطيل القصيدة بنتائجها إلى أن يخرج عن طقسها أو فكرتها،فخول الاختصار نصوصهُ للخروج إلى الهواءِ الطلقِ دونَ لافتات ومكياج،إنها نصوصٌ فطرية طازجة منطلقة من الأعماق،تتخذ من البساطة شكلاً وفكرة،لكنها بساطة العمق(كشبكة تشفق على صيادها فترتمي في أحضان الشبكة،كأشجار تصغي إلى حشرجة الجوع في صدر الحطاب فتدلي رقابها بالفأس)،هذه النصوص تقترب أحياناً من الومضة (لو كان الله رجلاً لقتلني وعقد صلحاً مع الشيطان)(تذكريني صامتاً أشرب قلبي على مهل،كسيكارة تحترق وحدها في المنفضة).
المفارقة اللغوية والسخرية بدأتا منذ عنوان الديوان واستمرتا متغلغلتان في كل قصائده(أحتاج أن تؤلميني،ثم تقولي قبلت الاعتذار،هكذا البشر،طباعهم تحير الله في أمره)فالشاعر يتجه إليهما كردة فعل عاجزة أمام الألم،بوضوح بعيدٍ عن الإبهام قريبٍ من تساؤلاته الوجودية(بالأمسِ كنتُ أثبتُ وجودكَ يا الله،من كثرة تبجحي نزلتَ وفضحتَ غيابك،لا تمنحني كفاف يومي،خذ الخبز ودعني أمضي).
لم يقدم الديوان جديداً في النبرة أو أسلوب قصيدة النثر السائد،ولكنه قدم جميلاً وجديداً في الصورة والانزياح اللغوي وربط الذهني بالحسي(ها أنذا ما أزال غارقاً في سكرة البارحة مبللاً ثيابي بالحزن،أشرب خيالاتك كزجاجة ويسكي في وضح النهار).
الشاعر لم يتابع تفاصيل الحياة اليومية كما يفعل كثير من الشعراء الجدد الذين يكتبون بطريقته،لكنه اهتم بهذه التفاصيل بمنظاره الرؤيوي وبلغته البسيطة العفوية،أما آلات الرؤيا في الديوان فهي السكر والتشرد والوحدة والقلق والفقد والفراق(لم أعش الحياة بل عاشرتها بالكتابة)كل ذلك مجموع بالألم والنبذ،فالشاعر الجديد منبوذ يتحسس الشعر على أرصفة العالم وفي زواياه الموحشة
والديوان يشكل كوناً شعرياً متكاملاً،خصوصاً للذي يقرأه في جلسة واحدة،هذا الكون يتكامل مع الرؤيا التي يحييها القلق،وقد حرص نجيب عوض على هذا التكامل من خلال الاماكن أيضاً،فبعد أن ذكر شوارع بيروت التي ألهمته،وأسماء المقاهي التي حاور فيها قصائده(الحمرا-جان دارك،وسط بيروت-ساحة النجمة،الحمرا-الكورنيش،الحمرا-على الرصيف،بيروت-كل مكان) نصل إلى المطار الذي يلخص هذه المحاورة والسيرة الشعرية،(لمَ نشرب هذه الكأس إذاً؟ بيروت-المطار)(فلنرشف إذاً هذا القدر الجميل،ولنترنح معاً ونحن ننض عن أشواقنا قمصانها،نعانق بعضنا،ونرتمي في ماء الحب،ونسبح بحثاً عن عاصفة)وقد شكل البحر وما وراءه من أمواج الماضي مرآة لهذه القصائد.
النشر الورقي:صحيفة الزمان
النشر الألكتروني موقع ألف
08-أيار-2021
17-حزيران-2014 | |
27-كانون الثاني-2014 | |
21-تشرين الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2013 | |
27-آب-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |