اسكندر حبش عن رواية السيدة من تل أبيب : أختار هذا الكتاب
2009-09-28
يبدو السرد الفلسطيني الراهن – في بعض منه بالتأكيد – كأنّه يعيد علينا طرح العديد من الأسئلة التي لم تكن موجودة من قبل، إن من جهّة موضوعاته، وإن من جهة أسلوبه، أقصد الخيارات الكتابية التي ينحاز إليها. من هذا الجانب، يمكن أن نتحدث، بمعنى من المعاني، عن أدب مقاومة كما عن أدب ما بعد اتفاقيات أوسلو (ناهيك عن ذاك الأدب الواقف بينهما)، بحيث إنها شكلت عودة ما ولو كانت عودة «افتراضية» عند الكثيرين.
وفقاً لهذه الأطروحة التي أتكلم عنها، تأتي رواية ربعي المدهون «السيدة من تل أبيب»، الصادرة حديثاً عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، حيث يتشكل فضاؤها من هذين القطبين. فمن ناحية سرديتها، نجد خياراً كتابياً، لا ينحاز إليه العديد من الكتاب، وإن لا يعتبر غريباً عن الأدب. إننا أمام ثلاث روايات متداخلة، أو لنقل، فيما لو استعدنا المقولة القديمة، ثمة روايات داخل الرواية، إذ نحن أمام وليد دهمان، الذي كان يكتب عن بطل يدعى عادل البشيتي، لكن نظراً إلى رغبة المؤلف في العودة إلى غزة لزيارة والدته بعد 38 سنة، تنقلب الحكاية، فيصبح الروائي هو البطل عبر حكايته مع الممثلة الإسرائيلية دانا أهوفا، في الطائرة التي كانت تقلهما إلى مطار تل أبيب، من المطار اللندني، كما أننا أمام الحكاية التي يرويها المدهون.
أول ما شدّني إلى الكتاب، هي هذه المتعة السردية التي ينجح المؤلف في إدخالنا إلى حميميتها. متعة أن نرى أيضاً هذه الرحلات، من غزة إلى منفى أول، ومن ثم إلى منفى ثان هو لندن، ومن هناك إلى تل أبيب، ومن ثم إلى غزة ومنها العودة إلى المكان البعيد. أمكنة تختصر الشتات الفلسطيني بأسره، لكن ما أنحاز إليه، عدم سقوط الكاتب في الوقوع في السهل وفي الأفكار الجاهزة، أي عدم استعادته ذاك الخطاب الديماغوجي، الذي جعل قسماً من الرواية العربية تقع أسيرة إيديولوجيتها. بالتأكيد لا أتحدث عن المقاومة وعن التحرير وعمّا تريدونه، لكننا فعلا ندخل إلى قلب هذا الآخر، بعيداً عن صوره النمطية. ولأستدرك: يفصل الكاتب جيداً بين جنود الاحتلال وبين هذه الممثلة على سبيل المثال، كما يخبرنا عن شخصية ثالثة أجدها محورية، هي شخصية بوريس ابراموفيتش الأوكراني اليهودي، الذي كان يرغب في الهجرة إلى أرض الميعاد، لكنه لم يستطع البقاء لعدة أسباب. وبين ذلك كلّه، العديد من الحيوات التي تنساب أمامنا لتقدم لنا رواية، نستطيع أن نصفها بالراهنة، أي أنها نابعة من هذه اللحظة المعيشة بعيداً عن أي أحكام مسبقة، ففي الكتابة والرحلة، تُكتشف هذه الحياة بكل ما تحمل من أبعاد.
حكايات جميلة يلتقطها ربعي المدهون في روايته هذه. ربما صحيح أننا نجد عدداً من الملاحظات التي لا بد أن تطرحها علينا أشكال السرد، كما موضوعاتها، وبعضنا قد يرفضها ولا يوافق عليها، إلا أننا لا نستطيع أن نرفض كليّاً هذا الخيار الذي ينحاز إليه الكاتب. أصلاً كلّ كتابة هي خيار، وإلا ما جدواها عندئذ. من هنا أختار هذا الكتاب.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |