لقد حانت ساعة التفلسف؟
2007-10-14
" لا يقوم الإنسان باكتشافات جديدة إلا تحت تأثير سلطان الحاجة والضرورة قول مأثور"
رب وضع في حاجة إلى فلاسفة حقيقيين ينيرون المسالك المنطمسة وينطقون الألسن الخرسة ويخرجون الحشود من المتاهات المندرسة فهم أقدر على تحقيق مناط هذه المهمة من الدعاة الجدد وفقهاء التقليد وكهنة السوق ومحترفي حمل الحقائب السياسية، رب زمن بانت فيه البشرى بقدوم المتفلسف المنادي بأن ساعة التفلسف قد حانت وتحولت إلى مطلبا مقضيا وأفصح فيه الصبح عن أنواره وعن انبحاس عقلانية نقدية من وراء ظهر العولمة الاختراقية التنميطية.
هاهي الملة تتعرض للنكبة تلو النكبة وهاهي العواصف تهب دون توقف وهاهي طبول الحرب تقرع بين الفينة والأخرى وهاهو الموت يزف مجانا وبغتة لكل انسي وهاهي الكرامة تمتهن والحرية تصادر ونظام الرق يعود منمقا، أليست مثل هذه الوضعية هي الشرط التوليدي للقول البرهاني،أليست هذه الحالة هي الحالة الضرورية لكي يولد الفيلسوف في حضارة اقرأ؟ ألم يعثر القوم بعد على الكبريت الأحمر والحلقة المفقودة بعد أن ملوا عناء البحث؟
كل الظروف توفرت وكل الشروط انعقدت وكل المناهج اتبعت وكل الطرق سلكت فلما لا يظهر الشيخ الحكيم مطلا برأسه من عمق كهفه هابط من قمة جبله؟ ماذا بقي غير وجه الحق ملقى على حافة الطريق وما على محب الحكمة إلا التقاطه؟ إن جميع المشاريع جربت وجميع الشعارات استهلكت وكل المشاعل رفعت وهاهنا انطرحت وذهبت ذهاب الزبد في البحر والصوت في الريح ، أليس ما بقي منها ومكث في الأرض هو ما ينفع الناس ويطيح بقصر الشر الجذري؟
كثيرة هي الاحراجات التي اشتدت والمضيقات التي احتدت والصعوبات التي شخصت والإشكاليات التي أثيرت والأسئلة التي طرحت طرحا دقيق والأجوبة التي اجترت والآن نحن في انتظار القطرة التي تفيض خمرة الإبداع في العقول والقشة التي تقسم ظهر العجز والتواكل وتزلزل مائدة البغض وتحرق أشواك اللسان وتداهم روح الخذلان.
تغيرت الأوضاع ومرت الأزمنة فذهبنا يمنة ويسرة وسرنا في منتصف الطريق ولم يشفع لنا تساهلنا ولا تشددنا واستشرقنا واستغربنا وتحالفنا مع الجنوب وهاجرنا إلى الشمال ولم نتقدم قيد أنملة إلى الأمام ولم نبرح مكان تخلفنا، نظرنا إلى صورتنا عبر مرآة الآخر وعزفنا عن النظر إليه عبر مرآتنا وصدقنا مناهجه الموضوعية وحاولنا التجرد من انطباعاتنا الشخصية فابتلعتنا المقاربات الذاتية وعصفت بنا رياح المقاربات الصورية الباردة وقمنا بالإحصاء تلو الإحصاء وزدنا تمركزا على أنفسنا وضياعا في العالم، أليست هذه هي علامات إطلالة فلاسفة آخرين أو نو جيد من الكتاب لهم أذواق وتصرفات مختلفة عن عمال حقيقة هذا الزمان؟
عندئذ يبدو أن الوقت قد حان بالنسبة لكل شخص كي ينقطع عن اهتمام بمزاياه الخاصة ورغباته الضيقة وكي يمسك نفسه عن استشارة تفاهته وفراغه ويمنح نفسه للجميع ويهتم بشؤون غيره، ويبدو كذلك أن الميقات قد جاء بالنسبة لكل شعب لكي يكف عن التذبذب بين الخوف والرجاء والتردد بين الأمل واليأس والتأرجح بين النهوض والتقهقر ويحسم أمره دون رجعة ويقرر مصيره بنفسه، لقد هل الزمان الذي يهب فيه ذوي الخصال النبيلة لكي ينصروا قيم الحق والخير والجمال ويركزوا إراداتهم على القضايا العادلة ويتنازلوا عن تفاهات الحياة وكل ماهو حقير من غايات هزيلة ومشاغل صغيرة ويرتفعوا فوق هذه الظروف البائسة والمشاعر الأنانية ويطلبوا الكلي المشترك والصالح العام والحياة في مؤسسات عادلة مع الآخرين ومن أجلهم. أما أن يشعر الجميع بأن السماء ملبدة بالغيوم وأن الهواء خانق وأن الوضع لا يطاق وأن الجدار آهل للسقوط وأن العلاقات في المجتمع هي أوهن من بيوت العنكبوت ومع ذلك يلتزمون حالة السكون ويعتنقون عقيدة ضبط النفس والصمت ويكتفون بالأمل في حصول الكارثة وانهيار البنيان فإنهم بذلك يعرضون أنفسهم إلى مهالك هذا الانهيار ومخاطر حدوث الانفجار,
إن تخيل أزمنة أفضل وأكثر سدادا صار شعورا حيا في النفوس وان اللهفة على ظروف أكثر صفاء أصبحت تدغدغ كل وجدان وان الشوق إلى الارتفاع عن بؤس الواقع أضحى أكثر الانفعالات توزيعا بين الناس، وعندما نصل إلى الاقتناع الهادئ بضرورة حدوث شيء ما جديد في الفضاء العمومي الذي يخصنا فانه ينبغي على كل فرد ألا يخشى مصارحة نفسه والتحدث إلى غيره بهذه الحقيقة الدامغة التي لا مجمجة فيها وما ينقصه هو التسلح بالجرأة والجسارة والشجاعة لينجز ما طلبه ضميره منه وكل تأجيل أو تعطيل أو التفاف أو تراخي فإنها أمور لن تزيده إلا إصرارا فيأكل الشوق إلى التغيير قلوب الحشود على نحو أكثر وتستبد بهم الرغبة في رؤية ماهو أفضل .
لقد حصل إجماع اليوم بأن نسيج الواقع آيل للتمزق وساد قلق بخصوص تفككه بسرعة ولا أمل في إيقاف هذا التدحرج إلا بإصلاح نمط التفكير الذي لدينا وإطلاق حركة السؤال الفلسفي من عقالها والعدالة هي المعيار الوحيد الذي يسهل علينا البت في هذا المطلب والشجاعة هي القوة الوحيدة القادرة على إزالة هذا التردد. إنها الفلسفة تعانقنا وتريد أن تبدأ خدماتها لواقعنا فهل نحن على هذا القدر من الجحود ونكران الجميل بحيث ندير لها ظهورنا ونعاندها وندينها ونعزف عن استقبالها واستئناف مقالها؟ماذا ينقص هؤلاء القوم حتى لا يشرعوا في التفلسف؟ ألم يصمموا على امتلاك أنبل الصفات البشرية؟ فهل مازال بعد ذلك ظن في أنهم يستحقون لقب الفلاسفة؟
08-أيار-2021
05-تشرين الأول-2019 | |
10-آب-2019 | |
13-شباط-2010 | |
12-تشرين الأول-2009 | |
23-أيلول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |