Alef Logo
ابداعات
              

كانت أول عشرة دنانير / عبدالستار ناصر

2009-10-03

متمنين له الشفاء، وهو يرقد في مستشفى في عمان إثر نوبة قبية ننشر له هذه القصة


كان أول مبلغ تسلّمته عن قصة قصيرة نشرتها في مجلة ( العاملون في النفط ) عام 1965 هو عشرة دنانير، يومها كنا نشتري بهذا المبلغ أفضل بدلة تباع في أورزدي باك مع ربطة عنق وقميص.
و أيضاً، كان راتبي في السنة نفسها ( 18) دينار اتمتع بجزء منه طوال الشهر و أساهم في توفير الطعام لعائلتي، وما كان يفيض منه أحفظه في صندوق التوفير.
الآن وبعد احتفالي باليوبيل الفضي علي ذلك المبلغ العزيز صرت أذهب الي محاسب هذه الجريدة أو تلك المجلة كيما أتسلم ( 30) ديناراً عن أحسن قصة قصيرة أنشرها في بلادي بعد ( إمضاء) يتكرر علي أكثر من ورقة، ثم أرجع خائبا بلا بدلة أنيقة وبلا قميص، كما أنني تركت أربطة العنق منذ زمن بعيد.
قبل أيام أسعدني حقا ــ و أنا أعود إلي بيتي ــ أن إحدي مجلاتنا وهبتني مبلغا أكبر مما اعتدنا علي آخر قصة نشرتها، فقد كان المبلغ ( أربعين ) ديناراً، قلت في ذات نفسي الحمد لله، بدأنا نكبر في عيون الناس بعد ربع قرن من الكتابة.
وفي غمرة هذا الفرح الطارئ الجميل، قرأت خبراً طريفا عن الممثل البارع ( مارلون براندو) وكيف أنه ( وافق ) بعد معاناة كبيرة من أسياد هوليوود علي تمثيل دور قصير جدا طوله ثلاث دقائق ( فقط ) لقاء ثلاثة ملايين دولار ( بس )! .
لم أشعر بالخجل أبدا و أنا أمد أصابعي أتحسس بها ( دنانيري ) الجميلة، بالعكس، مشيت معتزا بها حريصا عليها، فهي تكفي حليب أطفالي الثلاثة و أجرة الطبيب مدة أسبوع كامل، بل تكفي مسح حذائي عند أفضل صباغ في المدينة زيادة علي شراء كتاب واحد من منشورات دار المأمون التي انقذتنا من الجوع الفكري بامتياز خمس نجوم.
لكن سوء الحظ تربص بي في ذاك النهار العجيب بل أمعن في إذلالي مرة ثانية، إذ قرأت علي الصفحة التالية من المجلة ذاتها، كيف ( تنازل ) الروائي غارسيا ماركيز واعطي روايته ( الجنرال في متاهته ) إلى دور النشر الاسبانية لقاء عشرة ملايين دولار بدلا من عشرين، وكيف أن مدير أعماله قد تذمر من خسارة بهذا الحجم.
يومها شعرت ــ حقا ــ بالجزء الذي أملكه من الشجاعة، فقد فكرت بالفروق الطبيعية بين حياة وحياة، بين ظروف وظروف، بين قارة وقارة، تلك مسألة معقدة ولا غبار عليها أبدا ــ وزيادة علي هذا الجزء الباهر من البطولة رحت أكتب قصة أخرى.
بصراحة، تمنيت أن يساعدني شيطان الكتابة علي إنجاز تلك القصة، مشيت في شعابها مثل مخبول، و انحنيت أمام عرابيدها، ضحكت مع أبطالها وكنت أغازل بطلاتها سراً، كنت أركض علي مساحة شاسعة من الورق، أريد أن أكتب القصة بسرعة لئلا يذبحني غير آخر أو يقترب من رأسي عفريت غني يسخر مني.
والحمد لله، تمكنت فعلا من الوصول إلي أعذب نهاية لها، ثم أعطيتها أجمل ما جاء علي ذاكرتي من عناوين باذخة وشهية، لم أعد أفكر بالملايين التي هبطت علي هذا الممثل ولا بالرخاء الذي ينعم به ذلك المبدع، أنا كاتب قصة لا أريد غير أن أعيش هادئا مع حفنة من الدنانير تكفي ثيابي وطعامي تكفي عائلتي من أجل نوم هادئ سعيد .
قلت : الحمد لله مرة ثانية وثالثة، أخذت القصة إلى النشر، وبعد أيام رأيتها في الحياة، تمشي بين الناس في البيوت والمقاهي كما تمشي العروس.
أخذت المجلة إلى بيتي، عزيز علي القلب اسم الكاتب، إنه يعيش وينمو ويكبر، ثم يقترب من الشيخوخة والموت، تماماً كما يقترب المبدع نفسه.

بدأت أقرأ ( قصتي ) بمتعة نسيتُ بها الظروف التي لا تشبه ظروفنا والحياة التي لا تشبه حياتنا، والقارة التي لا علاقة لها بقارتنا، وما أن انتهيت منها حتي بدأت احدق في بقية الصفحات، وعندها ارتطم نظري بملامح الفنانة ( ناديا الجندي ) التي رفعت أجرها عن الفيلم الواحد الي 15000 الف جنيه مصري بحجة أن جمهورها لا يوازيه جمهور أي فنان عربي آخر.
كنت ابتسم و أنا أرى وجه ناديا الجندي، فقد تذكرت ــ دون إرادتي ــ المبلغ العزيز الذي ينتظرني في الصباح عن أجمل قصة قصيرة كتبتها طوال عمري، وفكرت هادئاً مطمئناً فرحاً مبتهجاً مبتسماً.. فكرتُ باطفالي!


  • عبد الستار ناصر هو قاص من العراق ، يقيم حاليا في الأردن ، مدينة عمّان. من أهم : أعماله موجز حياة شريف نادر ، لا تسرق الوردة رجاء ، و غيرهما.....

  • من صحيفة الزمان الدولية.





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow