«الزواج من بوذا» للروائيّة الصينيّة وي هيوي الأديبة الحسناء تستكمل تحطيم المحرّمات / هيثم حسين
2009-10-04
يصحّ وصف الكاتبة الصينيّة وي هيوي «1974»، بأنّها الأكثر تناقضاً، من جهة المواقف التي تعرّضت لها، فبعدما نصّبها الإعلام الرسميّ الصينيّ نجمة صاعدة لجيلها، عاد وحاربها، ثمّ وصمها بأنّها كاتبة «منحلّة»، «منبوذة»، عبدة للثقافة الغربيّة. وقد تعرّضت روايتها الشهيرة «شانغهاي بيبي»، التي تُرجمت إلى عديد اللغات، وظلّت الأكثر مبيعاً لفترات طويلة في عدد من الأماكن، للمنع والمصادرة من قبل السلطات الصينيّة المعنيّة في عام 2000، وتمّ إحراق وإعدام أربعين ألف نسخة من الرواية علناً أمام الرأي العامّ.. لكنّ هذه الممارسات لم تثنِ الكاتبة الشابّة عن متابعة إبداعها، دأبت على العمل، تحدّت النقّاد الذين حاولوا تشويه سمعتها وكتاباتها، والنيل منها، لم تلتفت إلى مَن أشاعوا عنها أنّها تتاجر بالجنس، أو تدبّج الأكاذيب، أو تساهم في انحلال المجتمع، بل كان ردّها الأكبر، عملها اللاحق «الزواج من بوذا»، الذي استكملت فيه ما بدأته في «شنغهاي بيبي»، من تحطيم للمحرّمات، حيث شكّلت تلك الرواية خلفيّة رئيسة محرّكة للأحداث، بنت على نجاحها، جالت في معظم البلدان، بين مروّجة وسائحة مستطلعة. فجاءت كتابتها ذات نمط مُعَوْلم، تناسب مع حياتها الغنيّة بالأحداث والمفارقات والتناقضات، اهتمّت فيه بعرض وجهات نظرها عن المدن وطباع سكّانها، انتقلت من مشارق الأرض إلى مغاربها، من مدينتها «شنغهاي» ذات الستّة عشر مليوناً، إلى نيويورك، ثمّ مدريد، وبرشلونة، وبيونيس آيريس، وباريس، ومدن أخرى كثيرة، لتعود إلى تلك الجزيرة الهادئة التي ولدت فيها «جزيرة بوتوو»، لتستمتع بالهدوء والسكينة والحكمة والطبيعة البكر، وتراجع حساباتها، ثمّ تخطّط للمراحل القادمة من حياتها..
بين «شنغهاي بيبي» و«الزواج من بوذا»:
أربكت وي هيوي الكثير من القرّاء، حين كتبت روايتها معتمدة صيغة الراوي المتكلّم، فكانت هي الراوية والرواية معاً، ذاكرةً الاسم الصريح في كتابتها، غير مستعينة بأساليب البلاغة والبديع، ولا بألاعيب الرواية، بل كانت لعبتها الكبرى، المزج بين الواقعيّ والمتخيّل، وكسر الحواجز التي يُظنّ بأنّها تفصل بينهما، ما ولّد التباساً بأنّها عاشت كلّ ما كتبته، وكانت دائماً تُسأل حول مصداقيّة وواقعيّة ما كتبته وتكتبه، وهل كلّ ما ذكرته حقيقيّ، فكان ما لحقها من توصيفات مشينة، بأنّها ساقطة تروّج للرذيلة، وأنّه يندر أن تكون هناك فتاة تفكّر بمثل هذا الانحلال..
تقول عن نفسها بأنّها ولدت في معبد «المطر الورع»، أطلقت عليها الصحافة الصينيّة لقب «الأديبة الحسناء التي حطّمت المحرّمات»، وفي الثامنة والعشرين من عمرها انتقلت إلى نيويورك وشهدت الهجمات الإرهابيّة على مركز التجارة العالميّ.. ثمّ تقول: «رأيت كلّ ما يمكن رؤيته تقريباً من الوهم الإنسانيّ. رأيت ما يقبع وراء غلالة الخزامى. رأيت انحلال الحياة البطيء في كلّ مظاهره وأوهامه، وشاهدتها وهي تخبو». ص24.
تعدّ وي هيوي الروائيّ هنري ميلر قدوتها، تعاود التصريح بذلك أكثر من مرّة، حتّى أنّها تذكر ذلك في روايتها «شنغهاي بيبي»، ففي الفصل الأوّل المعنون بـ«لقاء مع عشيقي»، تبدأ بالتعريف بنفسها، ثمّ تسرد قصّة تعارفها إلى عشيقها «تيان تيان» الذي تكتشف فيما بعد، أثناء ممارسة الجنس معه، بأنّه عنّين، لكنّه كان يشبعها روحيّاً، ويجاهد لإشباعها جسديّاً من خلال الحركات والمداعبات الخبيرة التي كان يمارسها معها. وفي روايتها «الزواج من بوذا»، تبتدئ أيضاً في الفصل الأوّل «العودة إلى شنغهاي» بالحديث عن عشيقها «موجو» الذي يكون عنّيناً في البداية، يكتفي بالمداعبات لكنّه لا يستطيع القذف في جوفها.. ثمّ يتغيّر الوضع بعدها هنا، كما كانت قد تغيّرت الكثير من الأوضاع هناك..
تصوّر الكاتبة تطوّر العلاقتين فيما بعد، تتشابك الكثير من الخيوط والأحداث، تتنقّل في كثير من الأماكن. حتّى أنّ القارئ لَيستغرب أن تعيش فتاة بمثل هذا العمر، كلّ تلك الأحداث الغريبة. اعتمدت وي هيوي التبويب نفسه في روايتيها، علاوة على ابتداء كلّ فصل بمقولة لأحد المشاهير، أو المفكّرين، أو الشعراء…. إلخ، مع دوام تواجد واستمراريّة رابندراناث طاغور في مستهلّ عدد من الفصول بشكل أكثر من غيره.. ومعظم تلك الاقتباسات، تدعم الأفكار التي تطرحها الكاتبة، وتؤيّد المواقف والمشاهد التي تقدّمها..
شخصيّات في لجّة البحث عن الذات:
تقسّم الكاتبة روايتها «الزواج من بوذا» إلى ثلاثة وثلاثين فصلاً، إضافة إلى الخاتمة التي تخبر فيها عن الأحوال والمصائر باختصار وتكثيف، كأنّما تبقى المصائر غير هامّة، بينما مجريات الحياة تكون الأهمّ.. تجري أحداث الرواية في عدد من المدن حول العالم، إذ تصل الراوية إلى نيويورك قبل يوم واحد من أحداث 11 سبتمبر الإرهابيّة، تكون شاهدة على ما جرى أثناءها وبعدها، لكنّها لم تجعل ذلك المحور الرئيس في روايتها، بل جاء كخطّ فرعيّ داعم لمسار الرواية، التي تصوّر الحياة المعاصرة، حيث تُلغى الحدود، ولا يعود هناك فرد بمعزل عن التأثّر والتأثير.
تروي وي هيوي حكاية شخصيّتها/ حكايتها، منذ ولادتها في تلك الجزيرة النائية الهادئة على المحيط، وذلك عندما كانت أمّها قد ذهبت هناك لتبارك مولودها، ثمّ تسميتها بالاسم الذي يعني «الحكمة»، وحتّى عودتها مرّة أخرى إلى ذلك المكان، بعدما عاشت حياة عاصفة، وتعرّفت على كثيرين، جرّبت رجالاً كثراً، مارست الفواحش أينما حلّت وارتحلت، كأنّما نُذرت للامألوف، والارتحال الدائم، والجنون.
منذ خروجها من شنغهاي، وحتّى عودتها التي انتوت فيها البقاء والاستقرار، تحيى حياة صاخبة، مجنونة، تماثل صخب وجنون المدن التي عاشت فيها أو زارتها.
تتعرّف الراوية في نيويورك إلى «موجو» وهو شابّ يابانيّ سبق له أنّ طلّق مرّتين، يعمل مخرجاً للأفلام الوثائقيّة، دامت العلاقة بينهما، كانت تتعرّض خلالها للمدّ والجزر، لم تتورّع البطلة أثناءها من معاشرة آخرين، بطريقة سَفريّة، أي ليلة حمراء، وتندُّم لاحق، غير معتبر منه فيما بعد. كتلك الليلة التي نامت فيها مع المدلّك المراهق الذي دلّك لها قدمها، وكانت مخمورة، ثمّ اكتشفت في الصباح أنّها نائمة معه.. ثمّ تعارفها إلى «نِك»، وتطوّر العلاقة فيما بينهما، والمصادفات التي كانت تجمعهما. حتّى ليمكن وصف راويتها بأنّها مُدمنة الأحضان، لأنّها كانت تنتقل من حضن رجل إلى حضن آخر، تبحث عن حضن أكثر دفئاً، يكون صاحبه أكثر تمكّناً من إرواء شبقها غير المحدود.. تصف الراوية الجنس بأنّه كان بالنسبة لموجو تجربة روحيّة، لكن بإيمان خاصّ بإحدى ديانات الشرق. «كان فيه شيء جماليّ باطنيّ، نقيّ ورائع». ثمّ تصف ثنائيّ الجنس والكتابة بالنسبة إليها، فتكتب: «أمّا أنا، فقد جعلتني الكتابة والتواصل الاجتماعيّ أدرك وجودي كشخص، لكنّ الجنس – وخاصّة الجنس الممزوج بالحبّ – هو الذي جعلني أدرك وجودي كامرأة». ص60. وتؤكّد أنّها كانت دائمة العطش والجوع لجسد موجو الذي أحبّته وأحبّت كلّ شيء فيه: «مع موجو، لم أتمكّن من احتواء عطشي لجسده. كان عطشاً جنسيّاً عميقاً للغاية إلى درجة أنّ جسدي كان يكفّ عن الوجود. لقد أصبحت هذا العطش، عطش يمشي، يتحدّث، يصرخ».
تتلاقى الكثير من الشخصيّات التي لا ترتضي حياة روتينيّة مملّة، حيث تكون هناك «إكسير» التي تقوم بعمليّة تغيير جنس، تكون بذلك الفتاة الأولى التي تغيّر جنسها في شنغهاي، إذ أنّها كانت مخنّثاً، ثمّ قرّرت تغيير جنسها إلى أنثى، تعرّضت على إثرها للإهانة، رفضت أمّها استقبالها، لكنّ «إكسير» كانت مثابرة، متصالحة مع نفسها، تعرف ما تريد، لذلك كانت ناجحة في حياتها العمليّة، افتتحت مطعماً راقياً، تمكّنت من مصاحبة بعض الفتيان، لكنّها لم تكن تستطيع الإنجاب. أفلحت في فرض قرارها على الآخرين الذين أجبرتهم على تقديرها واحترامها. تتّخذ وي هيوي من شخصيّة «إكسير» النموذج الذي يمكن أن يكون متصالحاً من نفسه، ولاسيّما بعد اتّخاذ قرار خطير كالذي اتّخذته، تؤكد عبرها أنّ الإنسان يختار ما يكون، وينبغي على المحيطين به أن يتقبّلوه كما هو، من دون أن يُملوا عليه الكيفيّة التي يظنّون أنّها تناسبه، في حين أنّها تناسبهم هم، وتتناقض مع توجّهات الفرد نفسه.. كما تؤكّد سلوكيّات «إكسير» من خلال الرواية، أنّها بإرادتها أصبحت ما تريد لا ما كان يُراد لها.
ثمّ هناك «زو شو»، ابنة خالة الراوية، التي تدمن الخروج مع الرجال الأصغر منها سنّاً، وتقترن بأحدهم يصغرها بثماني سنوات «آه ديك»، تنجب منه طفلاً، تلتفت إلى الطفل، تهمل والده الذي يكمل علاقاته مع الفتيات الصغيرات، تتمكّن «زو شو» من تطوير عملها، تسافر إلى عدّة أماكن، تزور نيويورك، تخرج برفقة الراوية إلى أحد الملاهي الشهيرة، تلتقي هناك بناقد شابّ، كانت كوكو قد تعرّفت إليه، وكان معه خاله «نِك» الذي كان يُسحر الفتيات بأناقته ووسامته، وظلّ الناقد وخاله، لعنة ولعبة في الوقت نفسه، سُحر الناقد بجمال زو شو، بينما سُحِرت الراوية بوسامة نِك السامّة القاتلة.
البحث عن الحكمة:
ظلّت البطلة تفتقر إلى شيء هامّ لم تستطع العيش من دونه، لكنّها لم تكن تستدلّ عليها، وفي زياراتها المتكرّرة إلى جزيرة بوتوو، واستئناسها بحكمة وخبرة وتجربة الراهب الحكيم سيّد الطبيعة الفارغة، تولّد لديها شعور بأنّها ربّما استدلّت على ما كانت تبحث عنه. لكنّها كانت تعاود أسفارها، وتنتقل من جنون إلى آخر، لم يتوقّف جنونها عند ممارسة الجنس مع «موجو» أو غيره من الرجال، بل كانت رغبتها الجارفة، في التجريب اللانهائيّ، لا تنتهي، ففي إحدى الليالي التي كانت فيها مع موجو، اجتاحتها فكرة غريبة، وهي أن تطلب عاهرة على التلفون لتشاركهما الجنس، وكان لها ما أرادت، حيث جاءت العاهرة، وشاركتهما السرير والجنون. كما كانت البطلة تستثار بطرق غريبة، فإصبع موجو المبتورة، كانت تثيرها أيّما إثارة، عندما تداعبها، وكانت تقرّ بذلك، وتنقاد له، ثمّ لا تملّ من ممارسة الجنس في المطبخ، والحمّام.. لأنّ موجو كان يستثار جدّاً هناك.. كلّ الأماكن كانت مرشّحة لممارسة الجنس، وكلّ شخص كان مرشّحاً ليكون شريكها في السرير..
تفصّل الراوية في تعبيرها عن حاجتها إلى الحبّ، ولا تتحرّج من البوح بحاجتها الماسّة التي تفوق حاجة الأخريات إليه، تقول في ذلك: «يخيَّل إليّ أحياناً أنّني أشبه لينوس في أفلام سنوبي للرسوم المتحرّكة، ويخيَّل إليّ أحياناً أنّني لا أستطيع أن أعيش بدون الحبّ. فأنا بحاجة دائمة إلى الحبّ، ويبدو أنّي أحتاج إليه أكثر ممّا تحتاج إليه الأخريات. فبدونه لا أستطيع أن أتنفّس، لا أستطيع أن أعيش. أحمل الحبّ في فمي، أخبّئه تحت وسادتي، أضعه في فرجي، أدوّنه على الورق». ص 113. وهي لا تملّ التجريب في الجنس، تجرّب الوضعيّات كلّها، ولا تتوانى عن ابتكار أو استعمال وسائل جديدة في الجنس، كتلك الوضعيّة التي كانت فيها برفقة موجو، واستعملت بيضة زلقة وأدخلتها ببطء بين ساقيها، «ما إن انزلقت في جسدي، حتّى فغرت فمي دون أن ينبعث منه صوت، ورحت أحدّق في موجو مندهشة. اقترب منّي أكثر، وأدخل شفتي في فمه، وراح يقبّلني برقّة، وكان يهمس بين الحين والآخر: دعيها تنزلق بشكل دائريّ، استخدمي عضلاتك لتتحكّمي بها..». ص143. ثمّ تضيف: «لم أستطع أن أوقف هذه اللعبة الجنسيّة الغريبة. فقد كانت هذه القطعة أشبه بكائن صغير مرهف الحساسيّة يتغيّر مع درجة حرارة فرجي ورحمي، إذ أصبح أكثر دفئاً، أكثر انزلاقاً ولزوجة». ص144.
وفي زيارتها الأخيرة إلى جزيرة بوتوو، واستمتاعها بالحديث مع سيّد الطبيعة الفارغة في غرفته، كان هناك شيء يتغيّر في داخلها، وهي لا تدري به، إذ أشار عليها الراهب بالصبر، وأهداها كتاباً «رقى الرحمة العظيمة»، من السوترا «الأدب الصينيّ»، وقال لها: «اقرئيه عندما يتاح لك الوقت. إنّه يساعد المرء كثيراً في اكتساب الحكمة والسكينة». ص242.
بعد الخروج من عند الراهب سيدّ الطبيعة الفارغة، تستمرّ الراوية فيما كانت فيه من ترحال وجنون وصخب، في تلك الأثناء يجتاحها شعور الأمومة، الذي كان قد زارها قبلاً، عندما كانت تعيش مع موجو في نيويورك، وكانت قد أخبرته بأنّها تنوي الحمل منه، أمّا موجو الذي كان نادرَ القذف، استبشر وتوجّس في الوقت نفسه، ثمّ تأجّل الموضوع، لكنّ كوكو لم تنسَ ما بيّتته. وفي رحلة استقرارها في شنغهاي، هاتفها صديقها موجو، ليخبرها أنّه سيزورها بعد أن ينهي رحلته في اليابان، وفعلاً زارها في بيتها المبنيّ على الطراز الفرنسيّ، وتفاجأ بأناقته وترتيبه، حيث بدا على العكس ممّا كان قد عرفه عنها من فوضى وعدم اكتراث. عاش معها أيّاماً مليئة بالحبّ المشوب بالخوف من الفقد، وكان أن مارس الجنس معها من دون الواقي الذكريّ، ثمّ قذف في جوفها مرّتين. سافر بعدها إلى نيويورك من دون أن يعرف أيّ شيء.. ثمّ جاء بعده مباشرة، «نِك» الوسيم الذي يشبه أبطال هوليود، ومصادفاته أجمل من كلّ شيء، هاتفها بدوره، ليخبرها أنّه في شنغهاي، تواعدا بعدها، وكان أن ناما معاً ليلة مجنونة، قذف أيضاً في جوفها، ثمّ غادرها ليكمل حياته الصاخبة المفعمة بالنساء والأسفار.. بعد أيّام، لاحظت البطلة على نفسها بعض أمارات الزكام، لكنّ إكسير أخبرتها بأنّ ذلك قد يكون بشائر الحمل، وأصرّت عليها أن تأتي لها بكاشف الحمل، أو تأخذها إلى المشفى، لكنّها استمهلتها أيّاماً حتّى يمرّ توقيت الدورة الشهريّة، لتذهب بعدها إلى المشفى. كان إصرار «إكسير» على الكشف المبكّر لتأخذ وعداً من كوكو بأن تكون هي عرّابة طفلها، كونها لا تنجب، ووافقت كوكو على ذلك، بعدما تأكّدت من حملها..
حارت البطلة في أب طفلها، لأنّها عاشرت موجو ونِك في ظرف بضعة أيّام، وكلاهما قذفا في جوفها، ولم تخبر أيّاً منهما، كما لم تخبر والديها لأنّه يصعب التحدّث عن امرأة عزباء حامل في الصين، لكنّها ذكرته في رسالة أرسلتها إلى سيّد الطبيعة الفارغة في جزيرة بوتوو، الذي ردّ عليها بإرسال لوحة تصوّر مشهداً طبيعيّاً ماطراً مرسومة بالحبر. وكتب إلى جانب اللوحة: «مع المطر يأتي محصول وفير، ومشهد ألف جبل يبعث على البهجة – فإذا كنت راضياً ومرتاحاً في ذاتك، فإنّك ستشعر ببهجة عظيمة». ص300. وفي غمرة حيرتها، وعندما اعتراها ذلك الشعور المألوف بأنّها عاجزة، رنّ في أذنها الصوت القادم من السماء مرّة أخرى، يخبرها: «تزوّجي بوذا».
ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك؟! هل يعني أنّ الراوية/ الروائيّة، قد ندمت على الحياة التي عاشتها طولاً وعرضاً، وملّت كلّ المباهج، لتكون بهجتها العظمى، الوحدة والتوحّد مع الطبيعة، والتفرّغ لتربية طفلها القادم، ولاسيّما أنّ النصيحة بالزواج من بوذا الذي كان عازفاً عن الزواج، تاركاً مباهج الحياة، بعد حياة الترف التي قضاها في شبابه، تحمل النقيضين معاً، فمن جهة كيف تتزوّج راهباً لا يتزوّج، ومن جهة أخرى، يشير عليها بالانغماس في تعاليم بوذا، والزواج بها كمبادئ وأخلاقيّات تدلّ على الحكمة والحياة القويمة، لا به كشخص.. إذن، هو اقتران روحيّ، وتسليم الذات إلى الحكمة التي كانت تبحث عنها، إذ تتعرّف الذات إلى قدراتها الخارقة بعد رحلة البحث الطويلة..
رواية «الزواج من بوذا»، تحاكي الحياة، ولاسيّما في تقسيمها إلى فصول تدور وتعود في الترتيب نفسه، كأنّما هي الحياة/ حياة كاتبتها، نفسها، حيث تبتدئ الفصل الأوّل بالعودة إلى شنغهاي «شنغهاي – الخريف» ، وتعود في الفصل الأخير إلى شنغهاي «الربيع»، ليعطي الحبّ الثمرة المرجوّة.. أي تدور الحلقة لتعود إلى النقطة التي بدأت منها، تقول في ذلك: «إنّ الحياة تتحرّك في دوائر، مثل الفصول التي تعود في ترتيب لا يتغيّر. شابّة مثلي، في داخلها خصوبة الربيع، تسافر في رحلتها وتجتاز الصيف والخريف حتّى تصل إلى لغز ورهبة الشتاء. وتعبر الذكريات الجبهة البيضاء النظيفة، وفي الرحم ـ تتعمّد بالنار والدم ـ تنمو بذرة بهدوء وسكينة..». ص298.
تستكمل الأديبة الصينيّة الحسناء تحطيم المحرّمات، تستأنف ثورتها على القبح الذي يتستّر بالمزاعم، تتعرّى وتعرّي، تعود إلى الجذر، لتنمّيه.. وما تسميتها روايتها بـ«الزواج من بوذا» إلاّ فصلاً جديداً في ثورتها/ سيرتها المألوفة..
«الزواج من بوذا»، تأليف: وي هيوي، ترجمة: خالد الجبيلي. منشورات الجمل. عدد الصفحات 304 من القطع الوسط. ط1/ 2008م.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |