Alef Logo
الآن هنا
              

جائزة نوبل للآداب / الألمانية هيرتا مولر تمنح الجائزة لقدرتها على تصوير حياة المحرومين

ألف

2009-10-09


لقدرتها على تصوير حياة المحرومين
أديبة ألمانية تحصل على جائزة نوبل للأدب لعام 2009

أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية الخميس منح جائزة نوبل للأدب هذا العام للأديبة الألمانية هيرتا مولر 56 عاما لقدرتها على تصوير حياة المحرومين وتبلغ قيمة الجائزة عشرة ملايين كرونة سويدية 1.4 مليون دولار
وولدت مولر في رومانيا ونقلت في أعمالها مشاعر الغربة والمطاردة لأسباب سياسية.ومولر هي المرأة رقم 12 التي تحصل على جائزة نوبل في الأدب.
وهذه هي المرة ال`13 التي يتم فيها تكريم شخص يمثل الأدب في الدول الناطقة بالألمانية.
وكان الأديب الألماني جونتر جراس قد حصل على جائزة نوبل في الأدب قبل نحو عشرة أعوام كما حصلت عليها أيضا النمساوية الفريدا يلينيك عام 2004 .ومن المقرر تسليم الجائزة في العاشر من ديسمبر/كانون أول المقبل.

جائزة "نوبل" للآداب للكاتبة الألمانية من أصول رومانية هرتا موللر
أدب الحماسة اليائسة والخراب البشري
رلى راشد

عندما تستبق الكتابة الفن، تنجز الوصف والتشخيص الشاملين. وعندما تجيء في اعقابه، غالبا ما تغطّ ريشتها في حبر الفروق الدقيقة، لتصير عندئذ سطوة المناخ والتفاصيل اعظم من سطوة الناس.
هذا جزء مما تمثله حرفة الكتابة بالنسبة الى الكاتبة الألمانية من اصول رومانية هرتا موللر، التي حازت امس جائزة "نوبل" للآداب لسنة 2009، وهي التي لا تنفك مرارا وتكرارا "تقلّد" الرسام الفرنسي النيو- الانطباعي جورج سورا، على قولها. في نص موللر يطلّ الغصن من الخندق ليغدو شوكاً مسنّناً قبل ان يلتوي في اقتفاء الضوء، في حين تترك الشخوص في مهبّ الظروف. اما فكرة التغيير او الفرار فمغمّسة في الاستغلال النظامي او الزوجي او اللصوصية المثيرة للشفقة.
تتخذ المقابلة بين الفرنسي جورج سورا وهرتا موللر فسحتها الأرحب في مكان بإسم رومانيا، تحت مقصلة سلطة العام اللاشخصي، وفي ركاب اقصاء الفردي. وفي حين أن الثيمة مكرورة ومستعادة ومألوفة، فإن موللر تذكّرنا بأن الأدب هو الـ"كيف" وليس الـ"ماذا". قد يقول قائل ان ميتافيزيقية الانسان هي عينها في الدائرة الشخصية كما في الدائرة العامة. بيد ان ثمة اضافة لا يجوز اغفالها، اضافة منوطة بالنسيان، او الرغبة فيه، او القدرة عليه.
تتسرق لغة موللر في هذا السياق على ألمها، فيما يغدو السرد في اسلوبها تقصياً للترحال وميزانا للرواية او القصة القصيرة. وفي دار المواجهة بين المرء والسلطة، يشذَّب القص الأنوي على وقع السياسة، من دون ان يفيد ذلك ارتطاماً للحوادث السياسية بالتجارب المبعثرة. ثمة في نصها اظهار للحوادث السياسية المحكومة بالقوانين، والتي تحرك التفاصيل الذاتية، فيصير عندذاك القول ضرباً من ضروب التحليل الشخصاني في مضمار السياسة.
والحال ان نثر موللر لم يولد من بقايا نمط ديكنزي، نسبة الى الانكليزي ديكنز، بل اشاحت الكاتبة بنفسها عن اسلوب اجهاد القارئ الى حد التهلكة. تحدّت المنحى السائد من طريق نصوص بيّنت قدرتها على الالتفاتات النفسانية. تصحّ المعادلة هذه في "القاع"، مجموعة هزيلة من خمس عشرة قصة تعبد الرجوع الى احياء رومانيا المسلوبة والمعوزة، وحيث تخلق موللر صوتا استثنائيا تعسا ولا يوارب. وفيما الملاحظات مسوقة في بساطة، لا تخشى الكاتبة شيئاً، جاعلةً الاعتداءات الكلامية على النواة الأسرية التي ترصدها، مؤلمةً للقارئ بقدر الوجع المفروض على الطفل الذي تتحدث عنه. في حدقة الطفل والقارئ، في آن واحد، يصير المكان – القرية - الريف صنواً للعالم برمته، في سواده كما في عجبه. غير ان وصفاً مماثلاً لا يعفي هرتا موللر من ممارسة سرد مدرك، هو اقرب ما يكون الى مقاومة منطق الأنظمة المؤامراتي. تستقدم اسلوبا كتابيا هو من صنف التيار الجارف او الضوضاء الخالصة، حيث الخيانات المتواترة والخيبات مكامن تفخيخ في حاضنة روائية مغرقة في الظلمة.
في احدى قصصها بعنوان "السفر على ساق واحدة"، صدرت في اواخر الثمانينات من القرن الماضي، رسمت الكاتبة هرتا موللر التضعضع في وجهات المنفى من طريق تشتت ايرين، سيدة في الثلاثينات، استقيت ظروفها جزئيا من سيرتها. ذلك ان ايرين، مثل موللر، هاجرت الى غرب برلين، من "البلد الاخر".
تطفو كتابة موللر على ايقاع ومضات الدغل والتربة الزاحفة وانسحاب المدّ، وهذه قافلة من الرموز تصير بدائل من الاشتياق. ثمة فائض الى حد الاختلال، وشاعريّة قلقة متكئة على مشاهد من تجزئة او احتيال على السائد. وليس من باب المصادفة ان تكتب موللر: "تمشي ايرين على رأسها"، وان ترى شخصيتها المحورية في الصورة التي التقطت لها "ايرين سواها"، الايغو الآخر (الأنا الأخرى) يظلّل حياتها. الوجهات المعكوسة واللعب الغريزي الاصلي، هما مختبر موللر، وأدوات الغش التخييلي في كنف مسعى تقريري واقعي.
لا تختار موللر اليسير الواضح، بل تؤثر عليه نسق البارانويا والعصاب والالتباس. في "الموعد" مثلاً، يصعب الجزم ما اذا كنا نقرأ عن ناس اصيبوا بالخبل كنتيجة محتمة ومنطقية لجنون النظام، او كنتيجة عوامل خارجية على تراتبية الحكم. ليس من السهل اللحاق بخيط "الموعد" الروائي اذاً، وفي حين قد لا يسمح الكتاب بسؤال عميق، فهو يستطيع بلا ريب، ان يغطي شريحة واسعة من الأعراض فحسب.
تنتمي موللر الى خاتمة اجيال من الكتاب الرومانيين باللغة الالمانية، ويقول أدبها ان ثمة جمالية في المقاومة، هي التي انفلشت قريحتها في عزلة تامة بسبب الاطار اللغوي الاستثنائي الذي نشأت فيه، ناهيك بالخواءين السياسي والتاريخي. فيما لا يمكن التغاضي عن اضطرار موللر الى تجريب حقيقة ثقافية اخرى، اجتماعية وسياسية، عند مغادرتها مسقطها الى المانيا الفيديرالية. وفي حين شكّل لسان غوته لغة موللر الام، ذلك ان قريتها الرومانية في منطقة بانات، تحدثت بالالمانية، ولكنها مكثت "لغة اقلوية"، واجهت من خلالها لغة النظام الخشبية التي حوّرت البلاغة حتى، مطيةً لإمرار المصالح الضيقة. غير ان هرتا موللر استطاعت في ادبها ان تفقأ دملة القرية المثالية، على شاكلة مكسيم غوركي، فحطمت واجهة المطرح الزهري لتظهر تبعات خشونة القمع على نماذج طرية العود.
في مؤلفاتها المتأخرة، ركّزت موللر على الشخوص الراشدة، في حين خلقت في "ارض شجر البرقوق الاخضر" روايةً تعدّ الاكثر ذاتية في رصيدها الى هذا التاريخ، حيث تجادل نثار ذكريات الطفولة الغضة، في خط قصصي يبدأ مع سنوات دراسة الراوية في جامعة تيميشوارا. اماطت الرواية الستار عن الخراب البشري بسبب ديكتاتورية رئيس روماني مخلوع يحمل هوية نيقولاي تشاوشيسكو، وانبأت بالأسوأ. من خلال اطلالات على ماضي نموذجها المتخيل المحوري، اظهرت كيف يغدو استبداد الدول امتدادا لاستبداد موروث في القرى المصروفة الى تاريخها. على هذا النحو تشنق طالبة جامعية نفسها مستخدمةً حزام فستان الراوية. هذه لحظة يقظوية تسرقها الى ماضيها، الى دُرجة امها يوم كانت تربطها بحزام فستانها الى كرسي، فيما تشرع في تشذيب اظفار الطفلة. اصوات ومناظر وتصور، مسارات ثلاثة تدل الى طريق رواية، الى طريق مجتمع.
لا تنضب النماذج الروائية في ادب موللر، بل تحمل معها الى المدن رواسب الضواحي. يحملها القرويون المبعدون معهم حرفيا، من طريق أشجار العليق التي يزرعونها في باحات منازل المدينة. غير انهم يحملون امكنتهم في وجوههم ايضا، على ما تشير موللر. ليست المدن اذاً اطالة للضواحي وانما هي تنزيل لها. ها هنا في المدن الكبرى، الجميع قروي. الرأس لا يغادر المسقط، في حين ان الاقدام فحسب تقف في مطرح مختلف. غير ان مرمى موللر النهائي ليس استبقاء القرية في معركتها الخاسرة ازاء الحداثة. مبتغى القول انه لا يمكن ايّ مدينة ان تنمو في ظل الديكتاتورية، "ذلك ان كل شيء يظل صغيرا تحت الرقابة".
في وسط حيث ليس ثمة رابط ابدي وليس من ولاء سرمدي، يصير الوطن فكرة مجردة، كئيبة في معظم الحالات. تلك الفكرة عينها التي تحدث عنها التشيكي ميلان كونديرا في مقابلة نادرة اجراها مع فيليب روث. قال الكاتب للكاتب يومذاك، في سبعينات القرن الماضي، وكأنه يحاور صورة ذاته في صفحة نهر، "عرفت بلادي خلال نحو نصف قرن الديموقراطية والفاشية والثورة والستالينية والاحتلالين الروسي والالماني، والابعادات الجماعية. ماثلَ الأمرُ الغرقَ تحت ثقل التاريخ، والنظر الى العالم من منظور التشكيك".
لا يمكن القول ان هرتا موللر رومانية، غالب الظن ان ما يربطها بالرومانيين هو حسٌّ ما لحماسة يائسة.
النهار

نوبــل الآداب لهيرتــا مولــر الروائيــة/ الشــاعرة الرومانيــة/ الألمانيــة
الحياة اليومية للمقتلعين والمنشقين في أزمنة التحجر الاستبدادي
اسكندر حبش

خلافا لجميع التوقعات ـ (وحده الكاتب والناقد الفرنسي في صحيفة «لوموند»، بيير أسولين، طرح اسمها، قبل يومين كمرشحة حقيقية، في مدونته الإلكترونية) ـ التي احتدّت قبل أيام من إعلانها، (من قبل اللجنة الملكية السويدية)، والتي تناولت العديد من الأسماء، ذهبت جائزة نوبل للآداب لهذا العام (2009) إلى الكاتبة «الرومانية»، التي تكتب بالألمانية، هيرتا مولر لأنها ـ وفق بيان الجائزة - «عكست حياة المحرومين، من خلال تركيز الشعر وموضوعية النثر، لترسم بهما المناظر المهملة».
جملة غامضة بعض الشيء، لكنها تخبرنا عن نشاطيّ الكاتبة كما عن الخلفية الآتية منها: هي إذا شاعرة وروائية، مثلما هي واحدة من تلك الرومانيين الذين يكتبون بالألمانية (لنتذكر الشاعر الكبير باول تسيلان). في الواقع، تنحدر هيرتا مولر من الأقلية التي تنتمي إلى «الجالية» الجرمانية في رومانيا حيث ولدت في العام 1953، وقد عاشت هناك لغاية عامها الرابع والثلاثين، من دون أن ننسى بالتأكيد «تعرضها إلى الرقابة الشيوعية» زمن تشاوسيسكو، إذ كانت مقربة من مجموعة كُتّاب «جرمافونيين» (يكتبون بالألمانية) اعتبرهم النظام يومها أنهم يشكلون «خميرة المعارضة».
II
تشكلت مجموعة «l’Aktionsgruppe Banat» (مجموعة العمل في بانات) في النصف الثاني من ستينيات القرن المنصرم، بعد أن شهد نظام تشاوسيسكو انفتاحا صغيرا على السياسة الخارجية كما على العمل الثقافي. في هذا الجوّ الذي بدا «ليبيراليا» بعض الشيء، استطاعت مجموعة من الكُتّاب الشبان الذين يكتبون باللغة الألمانية، أن تؤسس «مجموعة العمل في بانات»، لكن سرعان ما أدرك أعضاؤها، أن النظام لا يرغب في مسامحة أيّ تعبير أو تفكير حرّ. من هنا، أصبح هؤلاء الكُتّاب – النقاد، موضع شبهة، وتحت مراقبة البوليس السياسي، حيث تعرضوا للضغوطات والابتزاز والتهديد، كما مُنعوا من النشر، لتحلّ المجموعة نفسها في نهاية الأمر. ضمّت المجموعة يومها كتابا مثل «ورنر سولنر» (Werner Söllner) و«ريتشارد فاغنر» (Richard Wagner) و«إرنست فيشنر» (Ernst Wichner) بالإضافة إلى بعض كتاب ترانسلفانيا (الذين يكتبون بالألمانية أيضا) كان أبرزهم فرنتز هودجاك (Franz Hodjak). صحيح أن مولر لم تكن قد نشرت أيّ كتاب، في تلك الفترة، لكنها اقتربت منهم كثيرا وهي تتذكر تلك المرحلة بالقول: «كانت تلك المجموعة ناشطة جدا، لكنها لم تعمّر طويلا. لم أكن قد كتبت بعد في تلك الفترة، إلا أنني كنت قريبة من بعض أعضائها وأقاسمهم مفاهيمهم الأدبية، ومواقفهم السياسية. استطاع البوليس السياسي أن يتسّرب إلى داخلها، ليحلها، وليبعد أفرادها الذين تأثروا بهذا الأمر، إلى مراكز متفرقة، حيث عاش كل واحد منا في مكان يبعد كثيرا عن الآخر. بعد افتراقنا عاش كل واحد منا، بطريقة مختلفة، حتى أن البعض استنكروا التزاماتهم السابقة، ربما بسبب الانتهازية. منذ بداية وجودها، اعتبر النظام هذه المجموعة بمثابة «خميرة المعارضة» في حين أنها لم تتبنَّ يوما هذا الموقف. ببساطة كانوا يطالبون بأن يكون الأدب لنقد الحياة اليومية بشكل واضح كما أن يكون عامل تغيير في المجتمع. أضف إلى ذلك كله، لا بدّ أن نضيف بالطبع تلك المواجهة الدائمة مع الجيل الأسبق، الذين كان كتاب جيلي يأخذون عليه مأخذ عدم تحليه بالروح النقدية كما خضوعه السهل للإيديولوجيات المهيمنة».
أمام ذلك، اختارت المنفى في العام 1987، لتذهب إلى «ألمانيا الغربية»، وهي تعيش اليوم في برلين. لكن هذا المنفى، لم يدم طويلا، إذ بعد سنتين انهار الجدار، و«انتهى تاريخ» ومعه انتهت العديد من الأقاصيص على أرض الواقع، لكنها لم تنته في الكتب، إذ كثيرون اليوم ممن يكتبون عن تلك الفترة وعن زمن «الرعب» الاشتراكي وما رافقه، ومولر واحدة منهم، إذ غالبية رواياتها، تدور عن ذلك المكان الذي جاءت منه. وبخاصة كتابها النقدي «استيتيقا المقاومة» الذي تتحدث فيه عن أدب آخر الأجيال الرومانية التي كتبت بالألمانية. أدب ولد في العزلة التامة، عن محيطه القريب، وذلك عائد، في الوقت عينه، للسياق اللغوي التاريخي الذي تميز به كما للفراغ السياسي والتاريخي. من هنا حين غادر بعض هؤلاء الكتاب موطنهم الأصلي ليعيشوا في ألمانيا الاتحادية (أو الغربية، وفق تعبير تلك المرحلة) وجدوا أنفسهم داخل تجربة جديدة: تجربة واقع ثقافي مختلف، كما ضمن واقع اجتماعي وسياسي، وحتى ضمن سياق لغوي آخر، على الرغم من أن «لغتهم الأم» هي الألمانية. «إنها ألمانية أقلويتي»، هكذا وصفتها هيرتا مولر في نص لها عائد إلى العام 1988 قبل وقت قليل من إقامتها في برلين الغربية. وتضيف: «لكن ألمانية أقلويتي أصبحت موصولة الآن. هذه الوصلة أصبحت حبلا اليوم. لقد تخلصت منك، أنت حاميتي الآن. فجأة صار وعيي في مكان آخر».
III
ربما من هذه الزاوية نستطيع أن نقول إن اختيار اللجنة لمولر في هذه السنة بالذات، ليس سوى تذكير آخر: تذكيرنا «بوحدة ألمانيا وبوحدة لغتها»، أقصد أنه لا بدّ لنا من أن نلتفت إلى أنه اليوم تصادف الذكرى العشرين لانهيار الجدار، بعد أن كانت اللجنة عينها، قد احتفلت بالذكرى العاشرة، العام 1999، حين منحت نوبل للكاتب الألماني غونتر غراس، وبينهما لا بدّ أن نتذكر إلفريدي يلينيك في العام 2004 (نمساوية، تكتب بالألمانية بطبيعة الحال). وفي الاختيار أيضا، وبعيدا عن مناسبة انهيار المعسكر الاشتراكي، تختار اللجنة شاعرة، إذ كانت الأصوات قد ارتفعت بأنه منذ العام 1996، يوم حصول البولندية فيتسوافا شيمبورسكا على الجائزة، لم يتم تكليل أي شاعر.
لا أعرف إن كان اختيار هيرتا موللر مفاجأة (على الرغم من أن اسمها طرح لمرتين قبلا). قد يقول ذلك كثيرون، وبخاصة إنها لم تكن معروفة من قِبل الجمهور العريض، قبل العام 2000، على الرغم من أن النقد حياها وتحدث عنها في العام 1984، حين أصدرت مجموعة أقاصيص بعنوان «أحياء البؤس»، وهو كتاب نجحت في إخراجه بالسرّ من رومانيا.(صدر كتابها الأول العام 1982).
بعد ذلك توالت كتبها، فأصدرت «الإنسان ذاك المشبوه الكبير على الأرض»، و«الثعلب كان هو نفسه الصياد» – الذي يروي عن الحياة اليومية في بلد توتاليتاري ـ و«حيوان القلب» - الذي يروي عن مجموعة من المنشقين الرومانيين. أما في كتابها «الاستدعاء» فتتحدث عن كرب امرأة وقلقها بعد أن يتم استدعاؤها من قبل «السيكوريتات» (البوليس السياسي في عهد تشاوسيسكو)، روايات «تعطينا عبر تفاصيلها المرصعة والمحفورة، صورة عن الحياة اليومية، في ظل دكتاتورية متحجرة»، مثلما تضيف الأكاديمية السويدية في بيان حيثيات الجائزة. قد تكون إحدى الأفكار الكبيرة التي لا تنفك هيرتا مولر في العودة إليها عبر رواياتها، فكرة الاقتلاع من الأرض، كما مسألة اللغة. توصف رواياتها عادة، بأنها تستوحي الكثير من سيرتها الذاتية، لكنها تعرف من خلال ذلك، كيف تعبر إلى توصيف الحياة اليومية في رومانيا زمن الحقبة الدكتاتورية، كما مواقف المنشقين وحيواتهم، بالإضافة إلى المواقف الميكافيالية التي انتهجتها أجهزة الأمن الدافعة إلى الذل في سياق سياسات تلك الفترة.
صحيح أن نوبل هي أهم الجوائز الأدبية التي يمكن للكاتب أن يحصل عليها إلا أنها لم تكن الأولى، إذ حازت العديد من الجوائز الأدبية المهمة من بينها «ريكاردا هاتش» و«كلايست» و«جوزف بريتباخ» و«الإيمباك دبلن» و«ليتيريري أوارد».
IV
ولدت هيرتا مولر في 17 آب من العام 1953 في نيتشيدورف (Nitchidorf)، بالقرب من «تيميزوارا (Timisoara) في مقاطعة «بانات» (Banat) «الأسطورية» وهي المنطقة الجرمانية التي تمتدّ بين غرب وجنوب غرب رومانيا. هيرتا مولر حفيدة مزارع كبير وابنه تاجر ميسور الحال قبل أن تصادر أملاكه من قبل الشيوعيين، أما والدتها فقد رحلت إلى أحد مخيمات العمل الإجباري في الاتحاد السوفياتي (السابق). درست الألمانية والأدب الروماني في تيميزوارا، قبل أن تعمل كمترجمة في أحد مصانع المدينة (معمل تصنيع سيارات) لتعفى من مهامها العام 1979 لرفضها التعاون مع «السيكوريتات»، لتكسب عيشها بإعطاء دروس خصوصية في اللغة الألمانية.
مضت أكثر من عشرين سنة منذ أن غادرت مولر مسقط رأسها، إلا أنها تستمر لغاية اليوم بالكتابة عن تجربتها في رومانيا، والسبب في ذلك كما تقول: «في ما يخصني، فإن التجربة الأساسية التي عرفتها في حياتي، كانت في رومانيا تحت الدكتاتورية. من هنا لا يمكن لواقع أنني أعيش على بعد مئات الكيلومترات من رومانيا أن يجعلني أنسى ما عشته هناك. حين رحلت، حملت ماضيّ معي وعلي أن أضيف، برغم أنني في ألمانيا إلا أن الخوف من الدكتاتورية لا يزال موجودا». وتضيف الكاتبة التي تعتبر واحدة من كبار كاتبات ألمانيا المعاصرات، في أحد حواراتها الصحافية، أن الحاجة إلى الكتابة تولدت عندها في ظل الدكتاتورية، تقول: «توجب عليّ تعلم العيش وأنا أكتب، لا على العكس من ذلك. رغبت في العيش على مستوى ارتفاع أحلامي، هذا كل ما في الأمر. من هنا شكلت الكتابة بالنسبة إليّ طريقة للتعبير عمّا لم أستطع عيشه في الواقع». كذلك كانت اللغة الرومانية، بالنسبة إليها، «لغة غريبة»، إذ تصف هذا الأمر بالقول: «في القرية التي نشأت فيها، لم يكن هناك من رومانيين، باستثناء بعض الموظفين الحكوميين، أما باقي السكان فكانوا من الألمان. لم أتعلم اللغة الرومانية إلى حين دخلت إلى المدرسة، تعلمتها مثلما نتعلّم لغة أجنبية عنا».
V
من كتب هيرتا مولر الأخيرة، مجموعة شعرية بعنوان «في جديلة الشعر تسكن امرأة».. وتصفه بأنه «شعر – كولاج»، وتقصد بذلك أنها قطعت من الصحف العديد من الكلمات وأعادت تجميعها على هواها. بدأت مولر بالاهتمام بالشعر - الكولاج منذ عشر سنوات. جاءتها الفكرة ذات يوم وهي في عطلتها السنوية، إذ رأت أنه بدلا من أن ترسل إلى أصدقائها «البطاقات البريدية التافهة» لِمَ لا ترسل إليهم أشياء أخرى مميزة؟ استلت مقصها وبدأت بتقطيع الجمل، لتعيد تركيبها. بهذه الطريقة ولد أول كتاب «شعر – كولاج» عندها، العام 2005، ليحمل عنوان «أين هو، إنه ليس إيون». الغريب في الأمر أن هذا «الكتاب» جاء باللغة الرومانية، وهي تتحدث عن ذلك بالقول: «أنا سعيدة جدا بأن كولاجاتي نجحت باللغة الرومانية. لقد كان الأمر رائعاً.. قطعت الكلمات بالمقص وشعرت بأن اللغة تساعدني. كان هذا حسابي الأول الذي توجب عليّ تصفيته مع اللغة الرومانية. ومع ذلك لا استطيع أبدا أن أكتب باللغة الرومانية. الأمر مختلف حين تكون الكلمات في متناول يدي. أستطيع أن أدرك كل هذا المحتوى غير المحسوس، المعاني الخبيئة في داخله. لا أتحدث سوى رومانية الناس العاديين. إن أجمل جزء من اللغة الرومانية هي اللغة اليومية التي تعلمتها في المصنع حيث عملت. يسألونني اليوم ما الذي تعلمته من الطليعة، وأجيب بأنني لم أتعلم سوى الأغاني التراثية. حين استمعت للمرة الأولى إلى ماريا تاناس، بدت لي أمرا خرافيا، وللمرة الأولى فهمت أن ذلك يدعى الفولكــلور. إن الفولكلور الروماني مرتبط بالوجود، بينما الفولكلور الألماني لا يعني لي أي شيء».
VI
آخر روايات هيرتا مولر، « Atemschauke» الصادرة منذ فترة قصيرة، تروي لنا فيها عن تلك الحقبة المجهولة جدا عند «الغربيين»، وهي فترة المخيمات السوفياتية التي كانت موجودة في أوكرانيا، والتي رُحّل إليها عشرات الآلاف من المدنيين الرومانيين ذوي الأصل الألماني، في العام 1945. مدنيون تم اعتقالهم، ما إن دخل الجيش الأحمر إلى تلك البلاد في شهر كانون الثاني من العام 1945، ليقضوا ما يقارب الخمس سنوات في السجون السوفياتية. مواطنون منحدرون من الطائفتين الألمانيتين الرئيسيتين في رومانيا وهم «السكسون» (من الطائفة البروتستانتية، وقد استقروا هناك مع بداية القرن الخامس عشر) و«السواب» (من الكاثوليك الذين استقروا هناك في القرن الثالث عشر).
بدون شك، تستوحي هيرتا الرواية هذه من سيرة والدتها، التي كانت من «السواب» وقد تم ترحيلها إلى المخيمات السوفياتية. في اصل هذه الرواية، كانت رغبة من الكاتبة في أن تكتب الرواية، بالاشتراك مع أوسكار باستور، وهو شاعر روماني من أصول ساكسونية، وقد عرف فيما مضى المصير عينه، أي رحل إلى مخيمات التعذيب والعمل الإجباري. لكن غياب باستور منذ سنوات قليلة، دفع مولر إلى كتابة الرواية بمفردها، على شكل تحية إلى هذا الشاعر الروماني. إننا أمام سيرة شاب في السابعة عشرة من عمره، تعرض لتجربة الجوع في المعتقل، لكنه ينجح في تخطي الذل والرعب عبر الشعر. فحين كانت «تتكلم الطبيعة، كانت تساعد السجين».


عن السفير
ائزة نوبل للآداب لسنة 2009 تعود لـ :

الشاعرة و الروائية الألمانية ذات الأصل الروماني هيرتــا مولــــر

... زمـــن الأيـــام الــممنــــوعـــــــــــــــــــة

بقلم/ محمد عاطف بريكي ـ شاعر و ناقد - الجزائر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكمن قوة هيرتا مولر في كتابة القصيدة من دون أن تقع في تفسير إبداعها و هو نفس الأسلوب الذي تمظهرت به روايتها الشهيرة "هنا حيث الريح يأخذها الفزع أيضا" التي قدمت من خلالها وصفا دقيقا و مؤثرا لواقع رومانيا في زمن الديكتاتورية.
"... يبدو موكب الزفاف متواضعا..تتقدمه آلة عظيمة زاد ضجيجها وقع الأهازيج الصاخبة،و عند أول الشارع ترقد مساحة ترابية شبيهة بملعب كرة القدم و عند إحدى أطرافها يقف مركز الشباب ماهو سوى مكتب للحالة المدنية ...يتقدم موكب الزفاف ستة رجال ببزات رجال الشرطة قيل أنهم مدعوون للعرس و منهم من قال انهم هنا في مهمة مراقبة الزفاف فحفلات الزفاف شبه محظورة على الأهالي ."
و في فصل آخر من الرواية تحت عنوان "قرط على الجبهة" تقول الكاتبة "هو ذا القرط يلمع من على الجبهة و من خلاله يرى الوطن كل يوم تقريبا من خلال الإطار الزجاجي الذي يحمل صورة الرئيس (الديكتاتور) و على صفحات الجرائد ما فتئت صورته تكبر حتى قارب حجمها نصف طاولة."
تقدم الكاتبة نصوصا تتقاذفها أحاسيس و إنطباعات متكسرة تحمل بين طياتها تصاوير بالية لواقع غارق في زخم نظام متعفن حتى النخاع،لكن نصوص هذه الرواية تجاوزت الطرح الرجعي و المقرف لحياة المجتمع الروماني بل حملت في مضمونها مقاربات و كشف لما حاول الديكتاتور"تشاوسيسكو"فرضه على الشعب الروماني على غرار ما كان يحدث في دول أخرى في أروبا الشرقية و خاصة ما كان يحدث في ألمانيا الشرقية.
تصف الرواية بإمتياز،الألم الوجودي الذي يعكس غياب الروح الدينية بين أوساط الرومانيين ... شوراع مكتظة بكتل جسدية مترهلة... و حوانيت يتسمر عند أبوابها كهلة تعلو سحناتهم الوسخة برص مقرف و يبدو الناس في دأبهم و هم يتناولون الشراب و يأكلون بشره أعمى يشير إلى يسر واهم لكنه في الحقيقة معطن بروائح الفحم المنبعثة تبعا من عمق السلالم ... الإجراءات الثأرية التي يمارسها البوليس السري من حين لآخر... السوق السوداء و الوظائف غير الشرعية في المعامل ( تبدو الشوراع غارقة في صمت مطبق ،صمت يفرضه الظلم الذي تمارسه السلطة.هنا حيث الريح تنساب متوحدة،فزعة ... ! الأطفال المرضى الذين ما فتئ عددهم في إرتفاع ،"يقول الأطباءربما كان سببها الزيوت المنبعثة من الماكنات القديمة جدا" ربما هذا أقل ما يمكن أن يقال عن حال رومانيا المكبلة بقيود الديكتاتورية .
هيرتا مولر قلم جرماني من أصل روماني،عايشت مناخ الظلم السائد في رومانيا زمن الديكتاتورية،من مواليد سنة 1954بإحدى القرى الرومانية.بدأت حياتها كشاعرة، أصدرت أول ديوان شعري لها سمته" الكادحون" ببوخارست سنة 1982 يعد وصفا لواقع البيئة الريفية الخانقة بواسطة قصائد غاية في البيان.
في سنة 1987 اختارت الكاتبة الإسقرار في ألمانيا و في خضم إقامتها البرلينية إستطاعت أن تصنع ألمعيتها الخاصة،علما أنها من أنصار تيار الحداثة الذي اصبح اليوم سائدا بين الأوساط الأدبية في ألمانيا ، و من دون أن تأخذ كلمتها بعدا إشهاريا بحتا إكتفت الكاتبة بجعل نصوصها منطلقا موضوعيا و مميزا غاية في الواقعية المؤلمة فرضه تيمة مواضيعها المصبوغة بلغة قوية و محددة ،حيث كتبت في روايتها الأخيرة تقول:"...المحكومون،خناجر تكبت دموعا صدئة،تنام بملء جفونها."
تأخذ بعض فصول الرواية في وصف "الملصقات"لسيناريو، يحكي عن حوادث مشتتة."يبدو المصنع مترهلا،تسكنه ماكنات قديمة تشغل معظم مساحته و عندما تأخذ مسنناته العظيمة الصدأة في الدوران،تتحرك رؤوس العمال معها في حركة دءوب ،و عند البوابة الرئيسية للمصنع يجلس الحاجب صامتا يتعشّق في وجه السماء و من فوقه مباشرة يأخذ مكبر الصوت حيزا لا بأس به من علية البوابة المهترئة الصدأة في كل صباح كانت تنبعث من أحشاءه أغان حماسية،كان يدعوها الحاجب "موسيقى الصباح" إذ تمثل في مجملها أصوات أجراس منبهة ،وإذا حدث أن وصل أحد العمال المصنع بعد إنطلاق الموسيقى ،يكون مصيره معلق على ما سوف تقرره لجنة التأديب في حقه حيث في البداية سيؤشر على إسمه باللون الأحمر و ذلك معناه أول إنذار قد يلحقه تقرير بالفصل إن تكرر تأخره بعد إنطلاق الجرس المنبه..."
صحيح أن الرواية صعبة للقراءة،حيث لا تفسر العبارات مظاهر الصور التي تسمى بها و هنا يتكثّف المعنى.ففي إحدى فصول الرواية تصف لنا الكاتبة البروفيسور"آديـنـا" و هو رفقة أصدقاءه ملاحقون من طرف البوليس السري،حيث يبدو الوصف أول مرة و كأنه محور الرواية و أخذ ذلك عدد لا بأس به من صفحات الرواية، و هذه أمثلة تناسب ما رمزت إليه كاتبة الرواية من خلال إشارتها إلى فروة ثعلب وثيرة كانت معلقة على جدار صالة في منزل البروفيسور إذ يحدث و أن يدخل أحد الأشخاص المنزل فيلفت نظره فراء الثعلب فيتناوله من الجدار و يأخذ في تمزيق أوصاله: الأطراف أولا فالذيل ثم يفصل رأسه في النهاية و هذا ما رمزت به الكاتبة إلى الخطر المحدق و في غمار هذا الوصف يحدث و أن تعلن وسائل الإعلام عن موت الديكتاتور لترجع بنا الروائية إلى حكاية البروفيسور "أديـنـا" الذي كان هاربا من البوليس السري مختبئا في أحدى قرى الريف الروماني على الحدود يجلس بداخل خندق تحت الأرض ...يسقط الطاغية إذن وتنتشل صوره من الساحات و الجدران و يتحطم كل شيء يتعلق بشخصه،تعود الدبابات إلى مواقعها و يدخل الجيش الثكنات،لكن مع ذلك تبقى القيود السلطوية قائمة تعكر صفو الحياة التي ينشدها الإنسان الروماني دوما فلا تزال نفس الوجوه تحتكر الرأي و الكلمة فتجد الرجل مديرا و في نفس الوقت استاذ الفيزياء و أستاذ الفيزياء هو في حد ذاته المسؤول عن تنظيم المرحلة الإنتقالية و تطبيق الديمقراطية !
في روايتها تهيم هيرتا مولر في وصف الطبقة المثقفة و إنجازاتها لكنها تأخذ في الحسبان وصف حياة الطبقة الكادحة من العمال و العاملات و الناس المعذبون بنفس الدقة و ألامتنان عند وصفها الطبقة المثقفة في رومانيا زمن الأيام الممنوعة.
[email protected]
سيرة وأعمال

ترجمة ماريا الهاشم



وُلدت هرتا موللر في 17 آب 1953، في مدينة نيتزكيدورف الرومانية. سرعان ما هاجرت من بلدتها لدراسة الأدبين الألماني والروماني في جامعة تيميشوارا. هناك، أصبحت عضواً في مجموعة من الأدباء الرومانيين- الألمان، الذين يبحثون عن حرية التعبير في ظلّ الديكتاتورية. بعد إتمام دراستها، عملت مترجمة في مصنع للآلات، إلى أن طُردت منه بسبب رفضها التعاون مع البوليس السري. في ذلك الوقت، كتبت قصصاً قصيرة، غير أنها واجهت مشكلات مع الرقابة، فلم تُنشر هذه القصص إلا عام 1982، مع بعض التعديلات عليها. تصوّر فيها خبث الحياة في الريف، وقمعها غير المنصاعين للسلطة. كما لم تتوانَ عن إظهار العقلية الفاشية للأقلية الألمانية، فسادها وتعصّبها. إلا أنها انتُقدت على أثر تحطيمها الصورة المثالية للحياة الريفية الألمانية في رومانيا.
عملت هرتا معلّمة، حين هُرّب مخطوطها المنشور في "نيديرانغن" إلى الغرب، ونُشر في دار "روتبرش فرلاغ". بعد مشاركتها في معرض فرانكفورت للكتاب في ألمانيا، ومهاجمتها النظام الديكتاتوري في رومانيا، مُنعت من النشر في رومانيا. مع ذلك، استمرّت في الكتابة، إلى أن هاجرت إلى ألمانيا، مع زوجها، ريتشارد فاغنر، عام 1987. ومنذئذ، استقرّت في برلين، حيث لا تزال تقيم حتى الآن.
يعكس العديد من أعمال هرتا موللر ملامح من حياتها الخاصة. في "جواز السفر" (1986) تروي جهود عائلة رومانية - ألمانية من الفلاّحين للحصول على جواز سفر لمغادرة المنطقة. وكما في روايات موللر الأولى، تتطرّق هذه الرواية إلى الفساد في المدن، من خلال إظهار الحسّ المادي الذي يلازم المسؤولين والكهنة، إذ يطلبون خدمات جنسية ومالية مقابل مساعدة من يودّ الرحيل عن مدينته. إشارة إلى أن موللر كتبت روايتها هذه، إضافة إلى "شهر شباط الحافي القدمين" (1987)، في الوقت الذي كانت فيه تنتظر جواز سفرها إلى ألمانيا.
أما روايتها "السفر على ساق واحدة" الصادرة عام 1989، فتلقي الضوء على مشكلات الاغتراب في ألمانيا، التي خصّصت لها موللر دراسات، من مثل "كان الثعلب هو الصيّاد" (1992) التي تبرز فيها الأحداث السياسية. صدر بعد ذلك الجزء الثاني من دراسات "الشيطان يجلس في المرآة" عام 1991، ويضمّ تأمّلات في الكتابة كانت ألقتها موللر على شكل محاضرات في جامعة "بادربورن" في 1989-1990. وهي جدّ أساسية للإحاطة بالضغوط والنزاعات التي صقلت الصورة الشعرية في أعمالها. كما يضمّ الجزء الثاني عدداً من الكولاجات، واضعاً بذلك الصورة جنباً إلى جنب مع النص. نشرت موللر بعد ذلك مجموعة كاملة من الكولاجات، تحت عنوان "الحارس يأخذ مشطه" عام 1993. بقيت، مع ذلك، الصور الشعرية مركّزة في هذه المجموعة، مشكّلةً وحدتها. أما رواية "بطاطا دافئة هي سرير دافئ" (1992)، فإعادة صياغة لسيناريو فيلم كتبته موللر بالاشتراك مع هاري موركل. البطل الرئيسي فيه هو أستاذ يتعرّض إلى مضايقات البوليس السري الروماني. وقد توسّلت موللر بالسخرية في وصفها الإنسان في وطن يتحكّم بأبنائه بواسطة الخوف.
تُعدّ رواية موللر الأخيرة "أرض الخوخ الأخضر" الصادرة عام 1994، وصفاً ثرّاً للحياة تحت الديكتاتوية الرومانية، وهي تربط الطفولة المقموعة للكاتبة نفسها، بالقمع الممارَس في الوطن ككل. أما كتابها الأحدث، "الجوع والحرير" (1995)، فمجموعة دراسات تعكس مقاومة الروائية وعدم خضوعها في تيميشوارا ونيتزكيدورف.
تتميّز أعمال هرتا موللر باللغة الصافية والشعرية، فضلاً عن الاستعارات. غالباً ما يخفّف جمال النثر لدى موللر، والسخرية التي تتوارى خلف بعض صورها، من حدّة المواضيع التي تصف القمع. وتواصل موللر، من خلال أفعالها وأقوالها، إثبات استقلاليتها عن عقيدة الكنيسة والدولة.
تلقّت عروضاً عدة لإلقاء محاضرات في جامعات من المانيا والخارج. كانت عضواً في الأكاديمية الألمانية للأدب والشعر عام 1995.
بعثت موللر برسالة مفتوحة إلى رئيسة المعهد الثقافي الروماني، هوريا رومان بتابيفيسي، تنتقد فيها دعم المعهد لمدرسة رومانية- ألمانية تضمّ مخبرَين يعملان لحساب الجهات الأمنية.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow