Alef Logo
كشاف الوراقين
              

قراءتان في الضباب بحذافيره لإبراهيم حسو

ألف

2009-10-13


الضباب بحذافيره” .. المكان حين يظلل عينا الشاعر
فتح الله حسيني

بعبارة “أين الحياة العابرة في كفك”؟، ينهي الصديق الشاعر الكردي السوري إبراهيم حسو استفسارات مجموعته الشعرية الجديدة “الضباب بحذافيره” الصادرة حديثاً عن دار الزمان في العاصمة السوية دمشق، وبكلمة بمثابة تقديم من الشاعر السوري المقيم في طوكيو، محمد عضيمة الذي يمهد للولوج الى عوالم الشاعر حسو، ليفرد له صفحات في المقدمة، بحرية تامة، هي حرية الشاعر والمقدم معاً .
 فيكتب محمد عضيمة “إبراهيم حسو في “ الضباب بحذافيره “ يسعى إلى إهمال القاعدة ليعيد الأشياء كما كانت وكما هي بحذافيرها دون زيادة أو نقصان، يعني دون كذب . وكأنه يقول لا نحتاج إلى الكذب كي نعرف العذوبة، وتكفي رؤية الشيء كما هو بحذافيره لنتذوق حلاوة وجوده، الضباب بحذافيره: إذن، كل شيء بحذافيره ولا معنى أو دور له في محيطه خارجها. لا معنى للماء إن لم يكن ماء وبحذافيره، ولا معنى لتفسير الماء بغير الماء، أي لا معنى للإحالات بكل أشكالها لفهم وتذوق العالم : الجميل جميل ليس لأنه يشبه كذا أو كذا، بل لأنه هو هو وبحذافيره ؛ هكذا، المرأة الجميلة لا تشبه القمر أو الشمس بل تشبه نفسها، وهي جميلة لأنها امرأة بحذافيرها، ولا معنى لتشبيهها بالكواكب كي نفهم جمالها” هنا ينتهي كلام الشاعرعضيمة، ويبدأ كلام الشاعر ابراهيم حسو “أظل أنا الابقى هناك، على صفيح من الزهر المبروم، على قش من الحياة البدائية، على طريق محفوف بالشعر و الأفاعي، أظل أنا الصبور هناك، ككوكب لا اسم له و لا تاريخ”.
الشاعر ابراهيم حسو، في مجموعته هذه، كما في تفاصيل حركاته ورؤاه يثبت أكثر أنه ما زال شاعراً هادئاً في الكتابة وفي الحياة، ويثبت أيضاً أنه صادق في التعامل مع القصيدة الى درجة الإعياء، فيكتب على مدى 143 صفحة، شجن روحه، ويحرك ملح جرحه، يلملم بالكلمة، وحدها، دون غيرها، هواءه، ماءه، دمه، كبرياءه، بوضوح، حيال أنثى مجهولة قد تكون القصيدة نفسها، فكرهها لا أبيض و لا فاحم، ولكن ذاك الكره في المقام الأخير خبزه الصباحي، ونبيذه المعروف في المساء.
يكتب ابراهيم حسو، الشاعر، بكل كبرياء وجرأة عما يجول من هواجس وأحاسيس في عوالمه الشخصية، لاسيما وانه الذي لايستثني نفسه يوماً من انتمائه الى المشهد الثقافي الخراب أبان نهاية الثمانينيات، وله، كما يحبذ ضلعه الطولى في ذلك الخراب، خاصة بعد مجموعته الأولى التي صدرت في مدينة حلب السورية في العام 2004 تحت عنوان “الهواء الذي أزرق”، تلك المجموعة التي أهملها النقاد، وهذه الحالة، حالة الاهمال ليست واردة مع الشاعر ابراهيم فحسب، بل سارية المفعول مع كل شعراء الجيل التسعيني، ومنهم حسو، ذلك الجيل الذي أزعج الجامعات والمعاهد وملأ الدينا صخباً، وهماً طبعاً، فتم تجريب القصيدة، ولم يتم تجريب الحياة وقساوتها.
على الرغم من ان الشاعرابراهيم حسو، لم يتكئ على كتف شاعر، أو لم يجامل محرراً في صفحة ثقافية في صحيفة سورية أو عربية، فأنه كتب قصائده بحرية تامة، ونشرها بحرية أيضاً، ومع كل التابوات التي اعترضت طريقه الا أنه بقي وفياً لنفسه وذاته الشعرية، بإخلاص واضح، وهذا ما حدا به ليكون صبورا في النشر والاصدار، ومتأنيا في رد ألمه “كل ما هناك، أن الكل يبحث عن الخضرة في عينيك، أما أنا فأبحث عن شتاء كامل، ثم يكتب “كرهك يعطشني، وأنا أستحي من أقرب ماء، يلفني في دلو يندلق بالخيال” .
إذا كانت الحياة تخون حسو، أو المكان، يخونه، ذلك المكان الذي لازمه طيلة حياته، فهو ظل متشبثاً بالمكان، ولم يهجره، ولكن ظلت عيناه على حنين المكان وفراغه، على الأقل شعرياً، فيكتب: عشنا باكرين، متنا باكرين، لم نعد نلتق في باب توما، لم نعد نشرب عصير التفاح المخادع، لم نركب ولا سفينة في حياتنا، لم ندهس ولا امرأة و نحن نقود سيارة الشعر المحملة بالبارود في طريقنا إلى أربيل و كربلاء، لم نعش بما فيه الكتابة، لنمشي باكرين إلى الجنة في كفر الجنة”.
الشاعر السوري ابراهيم حسو، مع كل حزنه، ظل بكلماته طليقاً، حراً، يعبث في فضاءات تخصه، ويعبث في فضاءات لا تخصه أيضاً، وهذه هي ميزة الذين يدونون “الضباب بحذافيره”.
"الضباب بحذافيره" للشاعر السوري إبراهيم حسو
يتلاعب بالنسيان لأن الأشياءعلى عجلة من أمرها
محمد بيجو
كتاب "الهواء الذي أزرق"، هو المجموعة الشعرية الأولىللشاعر السوري إبراهيم حسو التي صدرت عام 2003. بعد رؤيتها النور بأيام تعدّ علىأصابع اليد الواحدة سحب حسو أعدادها من المكتبات ومنازل الأصدقاء وبيوت الجيرانليحرقها أمام جمهرة من الصحافيين والكتاب، الأصدقاء منهم والأعداء، سائلاً الجميعأن يسامحوه على إصداره لهذا "الديوان التافه" بحسب قوله، ثم كتب بياناً يعتذر فيهمن القارئ على كل ثانية أضاعها من وقته الثمين بقراءة المجموعة الشعرية المذكورة. بعد ستة أعوام بكامل شهورها من التردد، يجازف إبراهيم حسو بطباعة ديوانه الشعريالثاني، "الضباب بحذافيره" (دار الزمان).
هو لم يعنون شيئا في هذا الديوان،مكتفياً بكتابة الضباب بخط أصفر شاحب على غلاف أخضر، مطلقاً بين طياته نصوصه هكذاشريدة. ما إن ينتهي نص بنقطة أو إشارة تعجب أو استفهام، حتى يبدأ آخر بحرف من حروفالعربية، وقد كتب في المقدمة: "النصوص صالحة حتى 2015".
يكتب إبراهيم حسوبعيداً من لغة الحب الرقيقة والهادئة وقريباً من لغة الحجارة، لغة الاختلاف والصراخوالضجيج الذي تخلّفه عادة المواقف السلبية واللاضرورية في الحياة. كأنه شاعر يحملأزميلا ومطرقة بيديه. ينحت على ورق بدل أن يكتب، كتغيير يبتغيه الشاعر للسائدوالمطروح على انه شعر، خيالاً وصوراً تظل نائمة لا تحرك ساكنا. هنا الشاعر في طورتجربة شبه جديدة تقترب من السوريالية بحدّ، وتنفصل عنها بحدود أخرى. ربما يفشل أوينجح، لكنه يقدم ما يمكن أن نطلق عليه شعرا جديدا بخيال لا يشبه خيال الشعراءالعاديين المدافعين عن اللغة والأصالة:
"كنت ألعب بالنسيان/ في حقل لا أسند ظهريإليه/ في ينبوع عاصف يستهويني ثمره/ كنت لا أسأل أحداً / عن أبي الذي تشعّب وصارذئباً / أو أمي التي تئن كما هذه الجياد/ تحت حنين جارف / كنت سأبقى إلا إننيمضيت".
في بعض نصوص حسو، تغيب الفكرة تماماً لتبقى الحالة وحيدة بلا سند،مذهولة، لا شيء ينقذها من موت أكيد غير الخيال الذي لن يتعب في ترتيب الصور التييشاهدها الشاعر، لأنها تكون في متناول العين. صور لا تشبه السائدة والتي ترد فيقصائد الشعراء. هناك همّ وحيد، همّ المحافظة على الشعر. كأن شياطين الشعر تجتمعوتنتخب حسو ليحاول أن يتدرب على شعر غير عادي. لذا هو يخلط بين الحبيب والشعر، كماهي الحال في الكتابات الصوفية عادة، بل ويتجاوزه في أمره، حتى ليفضّل الكلماتوعشّاقها على المرأة.
قارىء "الضباب بحذافيره" يصيبه نوع من هستيريا شعرية. يضحك ملء قلبه مقهقهاً بصوت يوقظ الميت حيث يرى طيوراً بأجنحة من خشب وآباء يتحولوناسفنجات وقواقع بحرية وأمهات على هيئة أشجار وأقمشة من الهند والصين الشعبية. لكنه،بعد جملة أو أكثر بقليل، يدفن وجهه بين يديه، أيضا ملء قلبه، ليوقظ هذه المرة خيالهالنائم بعمق، من السرد الشعري المترابط بين مألوف ونادر، وكأن شاعرنا يقيم علاقاتويبرم اتفاقات بين كل شيء في هذا الكون: "تلك الحجارة/ التي كأنها من قماش هندي/ قدتذوب في يديك/ في أية لحظة حب/ ذلك الطير/ الخشبي على ما أظن/ قد تطول إقامته فييديك/ في لحظة شعر طائشة أنا القائد/ المنهار دائما / في يديك".
يهدئ ابراهيمحسّو من روع القارئ بعد أن يهدده بشعر ملغوم وبنصوص مفخخة تنفجر في كل لحظة،مخلِّفةً ضحايا. لن يسقط ضحية انفجار شعره، غير أولئك الذين يكرهون وبشدة كلالمحاولات التي قد تجعل الشعر متجددا ومتألقا بشكل دائم. فقارئ حسّو نموذجيّ نوعاًما، لا يشبه قراء "صفحة التسالي" (التسليات) عادة. هو قارئ مفكر، قلق دوماً علىالشعر ومصيره المجهول. كأنك تقرأ مذكرات رحالة لم يغادر مكانه، على مفترق طرق طويلةوشاقة يأتيه، زوار من أماكن عدة بحالات غير متشابهة ليسرد الجالس مكانه اللحظاتوالمواقف التي مر بها الضيف وهو في طريقه إلى مكمن الشعر الحقيقي وولائمه العامرة. يقدّم حسّو اللذة التي يريدها القارئ لنفسه ولذائقته الغريبة، والنصيب الأكبر لهذاالذي لا يريد للشعر أن يستريح. فالشعر عنده كائن لا يتعب من الحركة بل على العكس منذلك.
هو شاعر أمين لا يختزل شيئا، يروي ما يراه، عمدا كما هو. كل المواقف مهمةلديه، حتى تلك التي تُنسى في لحظتها ولا تبادلها الذاكرة وداً. يدوّن كمؤرخ شريفالحوادث التي تمر به أو يمر بها، بطريقة تليق بالشعراء فقط. يدوّن ويختبر اللغة كماتختبره هي بدورها، في عراك شبه جنوني. هو الخاسر غالباً وهي الفائزة أحياناً، وذلككلّه في مصلحة الشعر، رصيداً ونقاطاً.





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow