التكريسُ والسرافيس
خاص ألف
2009-10-16
زمن المفاجآت،في أول يوم من دوامي الجامعي حادثت صباحاً خريفياً كان يتسلل كأمير حزين إلى مدينة حمص،ولكنه لم يكن كذلك حين وصلت إلى الشارع العام لأفاجأ بمئات الناس مصطفين بانتظار السرافيس التي تقلهم إلى أعمالهم وأماكن دراستهم،ولأن سائقي السرافيس لم يكونوا بمستوى العذاب الذي يحتمله الواقف على الرصيف الطويل كانوا يمرون لا مبالين،لم تكن حمص كذلك في العام الماضي،فحمص لا تعرف الازدحام السكاني أبداً،إلا أن المفاجآت تأتي من اللاشيء أحياناً،وأحياناً من الشيء الذي نعرفه دون مبرر مقنع،وأحياناً من الشيء الذي ندركه ولا نعرفه...
ولكن الأهم من ازدحام السرافيس المفاجئ هو:كيف انتقل هذا الازدحام إلى مسابقاتٍ شعرية تكرس شعراء لم يسمع بهم أحد من قبل وتجعلهم في الصف الأول بين ليلة وشفقها؟وإذا كان التكريس من كرس –وكلمة كرَّس دخيلة على اللغة العربية وأصلها يوناني-ولها معانٍ كثيرة:كرس الأشياء:ضم بعضها إلى بعض،وكرس البناء:أسسه –انتبهوا!!-وكرس اللآلئ والخرز:نظمها وضم بعضها إلى بعض،وإذا أحلناها إلى المعنى الشعري تصبح:كرس الشاعر تجربته أو تجربته مكرسة:مبنية ومؤسسة بعد رحلة طويلة مع الشعر،فكيف انقلب المفهوم في هذا الزمن ليُختصر كأي شيء في عصر السرعة إلى أيام ضئيلة،وعبر عدة قصائد أو ديوان واحد يكرس الشاعرَ لأنه نال هذه المسابقة أو تلك دون النظر إلى تجربته مع الكتابة وما قدمه خلال هذه التجربة؟.
إذا كانت نوبل-كجائزة تحترم نفسها-لا تُعطى لديوان واحد فقط وإنما لتجربة قبل ذلك فإن زمن الأرقام الذي لا يرحم لم يحول الإنسان وحده إلى رقم عابر بلا نكهة ولا بصمة،بل جعل المفاهيم الإنسانية والفن أرقاماً أيضاً،حين ضخ أصحابُ الأموال المسابقات الشعرية لتكرس شعراء بلا تجارب..هل هو تكريس حقاً؟.
السرافيس تكرس نفسها فجأة كملوك على المدينة خلال ساعة الذروة،تتحكم بالعابرين الذين يهرولون كالقطط حتى يحصلوا على مقعد أو نصف مقعد أو ليصعدوا واقفين،وهكذا المسابقات الشعرية التي تكرس الشعراء المهرولين إليها من عتمة المجهول والنكرات إلى النجومية والإعلام وهي السائرة كالسرافيس صلبة متكبرة وقحة ليصبحوا أمراء وملوكاً،وليس المقصود هنا الشعراء أنفسهم، فمن حق كل شاعر أن يحصل على المسابقة،بل المقصود ما وراء ذلك،لم يعد الشعر كلاماً بل أرقاماً.
عانيت كثيراً من سطوة بعض المستثقفين حين كنت غضاً في البدايات قبل أن تعلو قامتي لأرى ما وراء الطريق البشع،كانوا يستخفون بما أكتب وحين حصلت على إحدى المسابقات جاءوا لكي يأخذوا مني القصائد،ترى هل احترموا قصائدي أم احترموا المسابقة التي لا تعني إلا الرقم والمال؟.
كرِّسي أيتها السرافيس نفسك كملوك لساعة في كرسيٍ فارغ،وكرسي يا مسابقات الشعر الشعراء ساعة غير محسوبة،وكرسي يا مرارةُ الفن إلى الأبد.
08-أيار-2021
17-حزيران-2014 | |
27-كانون الثاني-2014 | |
21-تشرين الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2013 | |
27-آب-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |