رياض صالح الحسين ظاهرة شعرية مجبولة بالمثل السامية / عمران عزالدين
2009-11-01
يعد الشاعر الراحل رياض صالح الحسين رغم ثورية شعره من أرقّ الشعراء الذين كتبوا في عوالم الحب والعشق والهيام والرغبة، بلغة فنية عالية المستوى، غير متكلفة، عفوية وسلسة، اجترح شعراً تغييرياً، لإحداث تغيير جذري في بنية واقع ضبابي آسن أسود، إذ يعتبر شاعرنا من الشعراء الذين كشفوا عن عورات المجتمع وعلله بلغة تنطوي على شحنات بارزة ومؤثرة للنهوض بالمجتمع من سباته الطويل المتمثل في الفقر والعدم والجهل والتخلف إلى غد مشرق يكفل الحب والحرية لجميع أفراده المنضوين تحت لوائه.
باختصار.. كان رياض الحسين ظاهرة شعرية فريدة معنى ووصفاً، فلم ينج من سطوة شعره أجيال تعلمت فنون الحب والوطنية على يديه. كان تأثيره كبيراً على مجايليه من الشعراء، وعندما دبجوا كتابة الشعر على طريقته، فشلوا فشلاً ذريعاً، فقد كان شعره الذي ينتصر فيه لإنسانية الإنسان وانتشال الجمال من القبح والتغني بالمثل السامية» الحب ـ الحق ـ الخير ـ الجمال» شعراً ملغوماً ومصكوكاً ببراءة اختراع ترجع له وممهورة باسمه.
الحب عند الشاعر رياض صالح الحسين، حالة تجدد واحتفاء بولادة إنسانية عنوانها اختراق القوانين والمحرمات التي سنت من قبل حفنة من دعاة الكره وأعداء التنوير الذين تجري في أوردتهم المتخثرة مساعٍ تتمحور في تثبيط وتحنيط المشاعر والمعنويات وجعلها بِركاً آسنة تتخثر فيها مياه راكدة، فهو القائل:
«الحُبُّ ليس حَبَّةَ أسبرين / نتناولَها عندما نشعرُ بالصداع / وليسَ نكتةً خفيفةً / نتداولها في أوقات الضجر / الحبُّ ليسَ وردةً للزينةِ / ولا كأساً مكسورةً لسلة المهملاتِ / الحبُّ... / شهادةُ ولادةٍ دائمة / نحملها برأس مرفوع. / لِنخترقَ شارعَ المذبحة».
مما يلفت الانتباه إليه في تجربته الشعرية الثرة، قدرته العجيبة على الكتابة شعراً في مختلف المواضيع التي تطرق إليها وخاض غمارها، وإحساسه بالمسؤولية وهو يرتكب فعل الشعر، متخذاً من اليومي والمرحلي والوظيفي زاداً ومعيناً ومحرضاً لأدواته الشعرية المتجاوزة.
قلبَ المعادلة الشعرية المألوفة وقتئذ إلى ضدها بالارتكاز على تسريب واستيراد الحداثوي والتجريبي دون إغفال عينه الشعرية الصائبة عن توظيف وتكريس التراث القديم والمدارس الشعرية التي سبقته في شعره، ولم يتوقف الأمر ههنا فقط، بل قام أيضاً بكشفها وتوريتها خدمة لمادته الشعرية المتفردة.
كان رياض حسين ثورة محمومة في عالم الشعر ـ رغم مسيرته الشعرية التي لم تمتد طويلاً ـ بولوجه إلى سدة الجديد، وابتكاره لشعر يفضح فيه الطغاة، ويجردهم من كلامهم المعسول. كان يكتب فقط، موقناً بصدق تجربته اللامألوفة وفرادتها الفارهة. لم يكن يملك موهبة الشعر فقط، بل كان يملك ملكة الإبداع التي كانت تحفزه إلى كتابة شعر لم يكن يعترف بضوابط وقيود تؤرقه وتمنع ضخّ الروح والحياة فيه، كتب عن كلّ شرائح المجتمع من المسحوقين والدراويش والثائرين.
أحدث ثورة كبيرة في شكل ومضمون القصيدة العربية، وكان يؤكد بأنه يكتب لأسباب غير تلك التي ترتئيها غريزة الكتابة من أجل إشباع الأنا، نذر نفسه للقضية والأرض والإنسان بأسلوبٍ بلاغي غاية في الروعة، لأن العملية الشعرية لديه عملية فنية مقصودة لذاتها، أوهي وسيلة من الوسائل التي يمكن أن تساهم في إيصال مبادئه وأفكاره وآرائه إلى مجتمعه وقارئه سواء بسواء، وهذه العملية الشعرية مبنية على أمرين هما: عمق المعاني، وسهولة الألفاظ.
«في الشارع أسأل صديقتي / الشارع ضيق عندما نبكي قليل عندما نشتاق / أسأل صديقتي: / لماذا، للمرة الألف، نباد؟ / منقطعان عن الحب / ممتلئان بالخنادق كامتلاء دمية بالقش / وبعد قليل يغطي الغبار جسدينا / بعد قليل نتشبث بغصن التعب./ متعبان اليوم / وربما غدًا، أيضًا، نكون متعبين / فمي مباد ولذا لا أستطيع أن أسرقك / من البرد / في المقهى ننام / في الشارع نبكي / من الحقل مطرودان / من المدينة أيضاً / السيارة أداة للقتل / وغصن الزيتون مشرط لاقتلاع جلدة الرأس».
بالإضافة لارتكاب الشعر، كتب في القصة القصيرة، قصص الأطفال، المقالة الصحافية، والنقد الأدبي. تحدى الموت وكتب عنه، وكتب في تمجيد الحب والحياة والإنسانية كثيرًا.
الشاعر في سطور
وُلِدَ رياض صالح الحسين في مدينة درعا في 10/ 3 / 1954 لأب موظف بسيط من قرية مارع في شمال حلب. توفي في سن الثامنة والعشرين. تلقى تعليمه في درعا، وعمل في الشركات الأهلية للغزل، وفي مؤسسة الأمالي الجامعية في مدينة حلب، وآخر عمل زاوله كان في مكتب الدراسات الفلسطينية.
كان والده يتنقّل مع عائلته بين المدن السورية ثلاثين عامًا. منع الصمم والبكم الشاعر من إكمال دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه. من أهم مؤلفاته: ـ خراب الدورة الدموية- شعر- دمشق، وأساطير يومية، وبسيط كالماء، واضح كطلقة مسدس، ووعل في الغابة.
عمران عزالدين - البيان
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |