جريدة الدستور الأردنية تحاور ربعي المدهون / حاوره
2009-11-08
في أول حوار مع صحيفة خصّ به «الدستور» .. ربعي المدهون صاحب رواية «السيدة من تل أبيب» : حل الدولتين لا يحقق مصالحة تاريخية بل جيرة محكومة بـنكد استراتيجي
(السيدة من تل أبيب) هي الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني البريطاني الجنسية ربعي المدهون ، الصادرة حديثا ، حققت شهرة غير عادية منذ صدورها ، وأثارت العديد من الأسئلة والحوارات ، فذهب الياس خوري إلى القول إن بطلها وليد دهمان ، الذي يكتب رواية داخل الرواية ، "يقلب لعبة التأليف رأسا على عقب". بينما اعتبرها كل من حسن خضر وفاروق وادي ، "انقلابا في نمط الرواية الفلسطينية التقليدية" ، بينما رآى اسكندر حبش ، أن الكاتب "لم يسقط في السهل والأفكار الجاهزة ، ولم يقع في الخطاب الديماغوجي".
تميزت الرواية بطرحها غير التقليدي للشخصية الإسرائيلية العادية والبسيطة ، عبر نموذج الممثلة (دانا اهوفا) ، التي تساهم في عملية السرد ، وتقترح على بطل الرواية عنوانا لروايته "ظلان لبيت واحد" ، ولعل المقصود بذلك شعبان في دولة واحدة ، للوقوف على كل ذلك ، والتعرف على خصائص هذه الرواية المثيرة والملابسات والأسئلة العديدة التي تطرحها ، كان هذا الحوار مع الروائي المدهون الذي خص به الدستور ، وهو الأول الذي يجريه الكاتب عن روايته مع صحيفة.
ہ هذا أول عمل روائي لك ، كشف عن موهبة جيدة ، لماذا لم تكتب الرواية من قبل ، وهل وجدت أن الرواية هي الجنس الأدبي الأفضل للتعبير عن المواقف وكشف المواهب؟
- مثل كثيرين ، أدخلتني إلى ساحة الأدب القصة القصيرة ، إلا أن إقامتي فيها كانت قصيرة مثلها ، خرجت منها عام 1977 ، بمجموعة واحدة يتيمة هي "أبله خان يونس". قيل آنذاك: "ولد كاتب فلسطيني واعد". صدّق القائلون أنفسهم ، وكادوا يطلقون الزغاريد. خيبت أملهم إذ لم أكن واعدا ولم أف بوعد. فقد أخذتني السياسة والبحث الأكاديمي والصحافة والإعلام إلى عوالم بعيدة ، لما يزيد على 30 عاما. جرت محاولات بعد قرابة ربع قرن ، انتهت بثلاث قصص قصيرة ، هي "خناقة بالإنجليزية الدارجة" ، و"غراب رمادي أحمق" و"مقهى مسطولاتي" ، والأخيرة أخذتني في غيبوبة أدبية جديدة ، لم استيقظ منها إلا بعد سنوات.
خلال إقامتي الطويلة نسبيا في بريطانيا 16( عاما) ، لاحظت حضور "الحكاية اليهودية" بقوة في الصحف وفي برامج التلفزة المختلفة ، خصوصا في الذكرى السنوية للمحرقة (الهولوكست). استوقفتني مرارا ، حكاية آن فرانك (أناليز ماري "آن" فرانك) المؤلمة. الصبية التي سجلت يوميات معاناتها وأسرتها أثناء الاحتلال النازي لهولندا في أوائل الأربعينات: صفحات خطتها آن سرا ، تحولت إلى مادة لقصص وروايات وأفلام كثيرة. صدمني غياب "الحكاية الفلسطينية". وُلد لديّ سؤال كبير: كم آن فرانك في حياة الفلسطينيين لم ترو حكاياتهن؟ أيقظ السؤال فيّ ، خمسين عاما من تجارب وحكايات تقف على حوافي الأساطير. قررت أن أروي ، ورويت في "طعم الفراق" ، الصادر عام 2001 ، حكاية الفلسطيني الذي في داخلي. تجربة امتدت عامين وشكّلت أول تماس لي مع عالم الرواية ، من مدخل سيرة استعارت الكثير من أشكال الرواية وتقنياتها. عدت بعدها بسنوات ، لأقدم في "السيدة من تل أبيب" ، وجها آخر ، لبطل فلسطيني ليس له ملامح من سبق وقدمتهم الرواية.
ہ هل اختيارك لعنوان الرواية اعترافا بوجود (إسرائيل)؟
- لست حزبا سياسيا ، وروايتي ليست "مانفيستو" يحمل توقيعا أو اعترافا. "السيدة من تل أبيب" عنوان يحيل إلى نص. لدي بطلان تدور حولهما الرواية: الفلسطيني وليد دهمان ، الذي يَفتتح به الروائي الحكاية. والإسرائيلية دانا أهوفا ، التي تأتي من خارج التوقعات وتحتل حيزا مهما في السرد. الأقرب إلى الرواية ، اشتقاق عنوان يرتبط بوليد أو بحكايته ، هذا الخيار تعارض مع طبيعة السرد وبنيته. إذ "يقلب" وليد ، البطل ، لعبة التأليف كما كتب الياس خوري محقا ، ويصبح مؤلفا نقرأ اسمه على غلاف داخلي لرواية يكتبها. وكذلك على غلاف كتاب صغير ملقى على المقعد الذي يجلس عليه على غلاف الرواية الخارجي ، إلى جانب عنوان الرواية: "ظلان لبيت واحد". سقط الخيار. دانا ، شخصية ملتبسة غامضة ، أحدث حضورها تغييرا في مسار السرد وبنيته ، وفاجأ وليد الذي هتف لنفسه بالعبرية: "آز هَغًفيرًت مً تل أفيف" ، السيدة من تل أبيب إذن، التقطتُ من دهشة وليد ، تلك الصرخة السرية ، ونقلتها إلى العلن. فقد وجدت فيها عنوانا صادما ، مثيرا للفضول ، للرفض ، للدهشة ، للحيرة ، للاستغراب ، للاستنكار... ولسؤالك أيضا ، عنوان يشبه إسرائيل نفسها ، بتناقضاتها والتباساتها التي تطال التاريخ والجغرافيا والوجود والشرعية وعلاقتها بنفسها وبالمحيط والعالم.
ہ هل جعلتك إقامتك في بريطانيا تؤمن بالنظرة الغربية للقضية الفلسطينية وتتبناها ، وبأن الحل يتلخص في إقامة دولتين: إسرائيل وفلسطين؟
- الإقامة في الغرب لا تجعل المرء مستشرقا. والاحتكاك الدائم بمجتمعاته ليس سببا لتبني شخص ما نظرة الغرب تجاه ما يجري في العالم. غير أن المرأ قد يكتسب ، أو لا يكتسب ، قيما ما ويعتاد أساليب حياة جديدة. وقد يغير ، بدرجات متفاوتة ، نمط تفكيره وطريقته في محاكمة الأمور ، وهذا عامل إيجابي. الاحتكاك بالغرب ، يوفر مجالا للتفاعل وتشرب بعض ما في الثقافات الأخرى. وربما ينجح في تحرير أساليب الكتابة وموضوعاتها أيضا. وقد يعيش بخلاف ذلك ، سجينا تحرسه أمراضه القديمة. يغلق على نفسه "باب الحارة" ، ويا حارة ما دخلك شر، أما حل الدولتين ، فالغرب لم يتبنه فعليا ، سوى في السنوات الأخيرة ، وألزم نفسه ثم عجز عن تحقيق الالتزام. وهذا الهدف الذي تسعى إليه السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، قد يحقق حلا سياسيا يقوم على جيرة لا تخلو من نكد استراتيجي ، لكنه لن يحقق مصالحة تاريخية ، فهذه قد تتحقق من خلال حل يقوم على دولة واحدة في النهاية. حل قابل لتعايش شعبين على أرض واحدة: "ظلان لبيت واحد" ، كما تقترح الرواية التي لا ترى ذلك قريبا.
ہ يلجأ العديد من الروائيين العرب في أعمالهم ، إلى ما يناسب الغرب ، فيطرقون مواضيع لها علاقة باحتكاك الشرق بالغرب ، وبعضهم قدم صورة الإسرائيلي أو اليهودي لأنه الموضوع المحبذ لدى الناشرين الأوروبيين ، هل كنت تفكر بمثل هذا وأنت تخطط لروايتك؟
- الترجمة والانتشار والشهرة الأدبية ، طموحات مشروعه يسعى إليها الجميع. ولا أظن كاتبا يحلم بوضع مؤلفاته داخل درج مكتبه أو توزيعها على أصدقائه وأفراد عائلته وبعض الجيران. غير أنني لا أفصل بين طموح كهذا ودور الكاتب نفسه ووظيفة الكتابة ، واستطرادا أربط ذلك بالسؤال الذي شغلني طويلا: من هو الفلسطيني وما هي حكايته؟.
بدأت بـ"طعم الفراق" ، التي استخرجت من باطن الذاكرة جذور المأساة ، وتابعت امتداداتها في حياة ثلاثة أجيال فلسطينية. كانت محاولة لعيش الماضي حاضرا يمكن تأمله. ثم جاءت "السيدة من تل أبيب" ، بحضور مكثف لليهودي والإسرائيلي ، لتقدم بعدا آخر ، يجعل موضوعها وشخصياتها وأحداثها وحكاياتها ، كافية لربطها بما يدور اليوم في خارجها وإحالتها عليه. ودفع قارئها ، سواء في الشرق أو في الغرب ، إلى مقاربة غير تقليدية للموضوع ، وإلى اختبار أفكاره ، والقيام بمحاكمة جريئة عادلة للذات والآخر ، بعد "توريطه" كفاعل في النص ومشارك في تفاصيل الحكاية.
نعم ما يترجم في الغرب من روايات ، غالبا ما يوافق المناخات العامة. لكن الناشر لا يتبني موضوعا لمجرد أنه إشكالي أو مثير ، أو يقدم صورة نمطية للآخر يرغب في تجديدها ، بل لإدراكه أيضا ، أن تلك الإشكالية والإثارة تحققان الربح المطلوب. في هذا السياق ، لا أظن أن موضوع الصراع العربي الإسرائيلي وما يرتبط به ، واستحضار الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية واليهودية ، يشجع على الترجمة ، بل غالبا ما يكون عامل "تطفيش". ولأن إبراز الجوهر الإنساني هو الأساس ، وعدالة القضية الفلسطينية يمكن أن تكون سلاحا جبارا إذا ما ساندتها قيم أخلاقية ، ركزت على هذه الجوانب. ما استلزم ، فنيا ، العمل بأدوات جديدة ، والابتعاد عن النمطي والمنمط ، وتجنب إنتاج نماذج الشخصيات الفلسطينية التي عرفناها في العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل. فثمة مراحل أدبية انتهت بشخصياتها وموضوعاتها وأشكالها السردية وتقنياتها. أما الشخصية اليهودية ، واستطرادا الإسرائيلية ، فتركتها ترسم نفسها بنفسها واكتفيت بمراقبتها. هكذا عرفّتنا "السيدة من تل أبيب" ، على جنود أوغاد في لواء "غيفعاتي" يعكسون صورة نموذجية للاحتلال وبشاعته. وعلى بعض من تخلص منهم من "ضمير الأحذية" لديه ، بتعبير أحد المتمردين على الخدمة في الجيش. وعلى نماذج من المترددين ، وكذلك الراغبين في التعايش مع الفلسطينيين ، والمتدينين ، والمتعصبين. وعلى اليهودي العادي ، الضائع في مجتمع تنهشه التناقضات. مجتمع يخفي أمراضه بدفع المزيد من أبنائه إلى الحروب العدوانية المتواصلة. قدمت ذلك من خلال حكايتين إنسانيتين بسيطتين: فلسطيني مغترب يريد العودة إلى وطنه ، وآخر يريد زيارة الوطن وإعادة التعرف عليه وتعريفه ، أيضا ، بعد أربعين عاما من الغياب. وإذا كان هذا سيجعل الرواية تشق طريقها إلى الترجمة والنشر في الغرب ، أكون قد ساهمت في الإجابة عن السؤال الذي ما زال يقلقني ، وفي نشر الحكاية أيضا.
ہ أنت وليد دهمان وأنت عادل البشيتي ، فلماذا لم تكتب سيرتك بعيدا عن الرواية؟
- أبدأ من نهاية السؤال. ثمة فارق كبير بين سيرة تتعلق بصاحبها وبين رواية تحتضن سيرته ، تهضمها وتعيد بناءها وإنتاجها بعيدا عنه. تأخذها من واقعيتها الواقعية وتحيلها إلى حياة أخرى موازية لتلك التي عايشها والتي يعيشها. وبهذا المعنى ، ليس إنصافا مساءلتي بدلا من شخصياتي ، ومساءلتها هي باعتبارها ناطقة بلساني ، ومن ثم الضغط عليها للاعتراف تحت "التعذيب" النقدي بما بيننا من تواطؤ ، وإجبارها على التخلي عن هويتها ، وإسقاط ملامحها عليّ. وليد دهمان وعادل البشيتي ، شخصيتان تقيمان في بنية السرد لا بين ملامحي.
ہ هل يمكن مزج السيرة الذاتية بالعمل الروائي ، أليس بالإمكان الفصل بينهما ، أم تجد هذا أجمل؟
- كل نص جيد يخلق جمالياته الخاصة به ويحقق متعة القراءة ، الشرط الأهم لنجاح أي سرد برأيي ، بغض النظر عن جنس العمل. ثمة أعمال جاءت أكثر متعة من روايات: "خارج المكان" لإدوارد سعيد ، "البئر الأولى" لجبرا إبراهيم جبرا ، "الأيام" لطه حسين ، "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم ، "الجمر والرماد" لهشام شرابي ، "بيضة النعامة" لرؤوف مسعد ، "الخبز الحافي" لمحمد شكري ، بغض النظر عن تصنيفاتها ما بين سيرة ذاتية وسيرة روائية. في "السيدة من تل أبيب" ، التي تنتمي إلى "الرواية الجديدة" ، كانت السيرة موضوع الرواية الذي تشظى داخل سرد مفتوح على عوالم أخرى متخيلة احتضنتها ، أو نامت في حضنها: وليد هو البطل وسيرته موضوع الرواية. وهو المؤلف وسيرة عادل البشيتي موضوع رواية أخرى يكتبها. ربما تفاجأ بأن أغلب ما يبدو في الرواية "سيري" وتجربة حياتية ، متخيل. وأن الكثير مما هو متخيل ، أو يعتقد بأنه كذلك ، يستند إلى أحداث واقعية. فالواقع في الرواية ، يتماثل مع الخيال حين يتجاوز شروطه ، ويأخذ المتخيل ملامح الحقيقة حين تبلغ "مصداقيته" حدود الواقع.
ہ لماذا رفض وليد دهمان زيارة اسدود مسقط رأسه وهو في الطريق من تل أبيب إلى غزة؟
- وليد لم يرفض ، وإنما أعطى الأولوية لغزة ، لأمه التي تنتظره منذ 38 عاما. للحاضر. للمباشر. للهدف الأول. وليد لم يقع تحت تأثير حنين نوستالجي ، بل انحاز إلى المنطقي والواقعي. اسدود لم تعد سوى صورة باهتة في الذاكرة ، والمرور عليها سيكون "فرجة على التاريخ واللي عملوا فيها" ، كما قال وليد لسائقه أبي فارس. الطريق إلى المجدل وسدود وكل المدن الفلسطينية الأخرى ، لا يتم التعرف عليه من خلال إشارة مرور خصصت للسيارات ، بل من خلال حق العودة ، حين يقرر الفلسطيني بنفسه أي ترجمة لهذا الحق يختار وكيف يعود.
ہالأم رمز معروف في الرواية ، لماذا قدمتها بصورة واقعية تماما غيرت صورة الأم التقليدية؟
- لكي أعيدها إلى الأم فيها ، إلى الإنسان. في الرمز تتساوى الأمهات. في الواقع كل أم هي الأغلى. جردت الأم من الترميز الفني ، لكي أرفع عنها كوم الأغطية التي ألقيت عليها ، وأخرجها من حروف الأغاني والأناشيد والزغاريد التي تحرمها من أحزانها الطبيعية. ثم لأكشف ما فعل الزمن الإسرائيلي بها. أردت أن أتحدث عن أم تنتظر ابنها موجوعة بألمها الخاص. عن افطار من الزيت والزيتون والزعتر تعده منذ 38 عاما وحان موعد تناوله. أن أقدّم أم وليد التي هدم شارون بيتها أربع مرات في حياته السياسية. لقد وجدت الأم في النص أقوى من الرمز نفسه. لم أشأ التعامل مع أم تشبه الطوطم في دلالاته القبلية والدينية. وخفت من جاذبية الرمز وقدرته على السحر الجماعي المنًّوم من أن يطمس الأم الحقيقية.
ہ اكتشافك لحبيبة عادل البشيتي بعد كل هذه السنوات ، مقابل الصورة الحزينة لصداقات وأصدقاء وليد دهمان وخاصة محمد خديجة الأعمى ، وعدم مقابلتك لمحمد سمورة صديق الطفولة ما الذي رغبت بقوله؟
- عادل نموذج لمغترب فشل في التكيف مع معطيات منفاه الألماني ، وظل مشدودا لماضيه. وقد اغتنم فرصة طلاقه من الإلمانية مارلين كراوز ، ليقفز إلى غزة ويستعيد ليلى ويستقر هناك ، أي يستعيد هويته. وليد نموذج آخر مغاير. تصالح مع منفاه وحوّله إلى مشروع وطن - ليس بالضرورة بديل - يمكن العيش فيه من دون مرارة النفي. عندما حاول وليد تجديد الروابط القديمة ، واستعادة بعض ماضيه واختبار هويته ، استقبله في غزة مجتمع ممزق ، تسوده العلاقات العشائرية وروح اللامبالاة ، وتسيطر عليه قوى قمعية متخلفة قوامها مليشيات مسلحة. وطن قد يكلفه فيه لقاؤه بصديقه القديم ، محمد سمورة ، حياته في عملية قتل ثأرية قد تقع ، أو يتسبب هو في مقتل صديقه القديم على يد أحد أفراد عائلة دهمان. وليد وجد وطنا لا يعرفه ولم يتعرف هو عليه ، وبشر ليس لهم ملامحهم القديمة.. وليد أدرك ان الوطن الذي في الذاكرة لم يعد قائما. هذه الحالة يعيشها معظم من أمضوا عقودا طويلة متواصلة ، أو حتى متقطعة في المهجر. إنهم لم يعودوا قادرين على مقايضة أوطانهم الجديدة بالوطن القديم ، وإن لم يصرحوا بذلك علانية. محمد خديجة كان نسخة لطفولة بريئه شوهتها سنوات الاحتلال وحكم السلطة الفلسطينية ، وحولتها إلى "رغبة مفتوحة على الذل". لم يشأ وليد الكشف عن شخصيته أمامه ، لكي لا يوقظه على حقيقة لم يعد يشعر محمد بفظاعتها ، ويبكيه على حوافي ما كان لهما من صداقة.
ہ دانا اهوفا شخصية غامضة غير واضحة وعلاقتها بابن الزعيم العربي واختفاؤها او موتها وهي حامل إلام ترمز؟ الى استحالة السلام بين العرب والاسرائيليين مثلا؟
- دانا تمثل النموذج الإكثر شيوعا لليسار في اسرائيل ، والذي لم يبدأ التاريخ عنده ، في الغالب ، الا في العقدين الأخيرين ، حين أيقظته الانتفاضة الفلسطينية الأولى بقوة من صمته على نتائج حرب 1967 ، بل ومشاركة ابرز قادته فيها آنذاك. هذا المعسكر على أهميته ، يرفض حتى مناقشة حق العودة ، وإسرائيل عنده لا تتسع لعودة أي فلسطيني ، لكنها تتسع لإي يهودي حتى المشكوك في يهوديته. كثيرا ما جلس افراد هذا المعسكر في مقاعد المتفرجين على أكثر الاحداث دموية وبشاعة. يبحثون عن مبررات لتقاعسهم عن الانتصار للضمير الانساني ، رغم إدراكهم المعلن للحقائق ، ورفضهم للاحتلال وتأييدهم لقيام دولة فلسطينية مستقلة. في شخصية دانا كل تناقضات هذا المعسكر. دانا ماتت مقتولة ، أو منتحرة ، في النص الذي كتبه وليد دهمان في روايته "ظلان لبيت واحد" ، كتعبير عن استحالة التعايش. ودانا لم تمت في الحقيقة ، وذهب وليد دهمان للقائها في موعده كتعبير عن ضرورة التحاور. لكن وليد اختفى بطريقة غامضة ولم يلتقيا. تعبير آخر عن عدم نضوج الظروف لمصالحة تاريخية بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، إن شئت أن تقرأ النهاية بهذه الطريقة.
ہالبعض انتقد الرواية وخاصة تداخل بعض الاحداث والشخصيات وعدم وضوح النهاية؟
- أعشق اللعب الفني الذي يسمح بتشكيل السرد بطريقة تحرره من أية قواعد كلاسيكية ، ويسمح للشخصيات بالخروج عن طوع المؤلف ، وحتى معارضة السارد في ما يروي ، وربما الاحتجاج عليه. هكذا تتداخل الاحداث والأمكنة والأزمنة ، وتخرج شخصيات من النص وتتجول في الواقع. أو تأتي من الحقيقة وتجلس في ثنايا السرد. تفقد الواقعي فيها وتنتمي إلى المتخيل. أسلوب يسمح للكاتب بمحاورة أبطاله ، ويسمح لهم باستجوابه إن تطلب الأمر. هكذا يخرج عادل من النص المتخيل ويلتقي قرينه الحقيقي في الواقع ، ويصبحان شخصية واحدة تقرر مصيرها بعيدا عن سلطة المؤلف. أما النقاد والقراء ، فمن حقهم ان يروا ما يرونه. ويقرأ كل منهم النص بطريقته. أما النهاية ، فهي نهايات مفتوحة على الاحتمالات ، والغموض الذي تتحدث عنه يعكس غموض الواقع ، وغموض مستقبل الصراع برمته.
ہ هل عودة وليد دهمان إلى المنفى هي الخلاص؟ وهل صار المنفى وطنا جديدا كما اشار الناقد حسن خضر في مقالته عن الرواية؟
- الوطن لم يعد مسقط رأس ومكان ولادة نحنُّ إليه. الوطن هو حيث تتحقق انسانية الفرد ويجد حريته وكرامته. أنظر حولك في عمان ، ولا تنصت إليّ في لندن البعيدة. ستجد اكثر من زميل لك وصديق كاتب أو صحافي عاد إلى وطنه ولم يجده ، وانكفأ إلى عمان يجدد استقراره فيها. صحيح أن الهوية هنا تكاد تكون متماثلة ، لكن الأرض ليست هي. ومسقط الرأس لم ينتقل من رام الله او الخليل ونابلس او غيرها إلى عمان. والوطن عند البعض ممن يعيشون في عواصم أبعد قليلا من عمان ، صار مكانا للزيارة وتمضية إجازة صيف. ثمة شيء ما كبير يتشكل على هذا الطريق ، في الداخل أو في الخارج القريب أو المنافي البعيدة. هويات يشد بعضها حنين نوستالجي ، وتنشد أخرى إلى واقعية عيش ما تبقى من العمر. طريق العودة شاق وطويل ، وعلينا ان لا نبقى غرباء ، بل نحول المنافي الى أوطان ثانية.
ہ كسرت نمط الرواية الفلسطينية التقليدية أيضا..هل سعيت إلى ذلك؟
- نعم ، وبوعي كامل لوظيفة هذه العملية وأهميتها في تجديد دم الرواية الفلسطينية. للمساهمة في تغيير صورة الفلسطيني في الأدب وإعادة رسمها من جديد ، وتقديمها بطريقة مختلفة. تماما مثل الكفاح الفلسطيني الراهن نفسه ، الذي تحتاج رموزه وقياداته وخطاباته وسردياته واستراتيجياته وتكتيكاته إلى تقييم ومراجعة. الواقع الفلسطيني المأساوي على كل الأصعدة ، دفعني إلى محاولة أولية طموحة ، تتطلع الى جهود آخرين ، للانعطاف بالرواية الفلسطينية نحو مرحلة جديدة. والخروج بها من قوالبها النمطية والمؤدلجة السائدة ، التي لم تخرج من ثياب غسان كنفاني وجبرا ابراهيم جبرا وأميل حبيبي وأعمالهم التي باتت كلاسيكية بتعبير الناقد حسن خضر. وليد دهمان صورة مختلفة لفلسطيني الشتات. نموذج آخر يتجاوز السائد الباكي منفاه. العاجز عن التفاعل معه. الغارق في النوستالجيا والحنين إلى أوهامه. إذ لم يعد ممكنا الاستمرار في ما عرف بأدب المقاومة والشتات. تلك مراحل استهلكت فيها رموز وأبطال وحكايات لم يعد لها أساس في الواقع الراهن. ومثلما لم يعد ممكنا ولا يجوز الاستمرار في المشروع الثقافي الفلسطيني الراهن ، لم تعد الثقة ممكنة ، أيضا ، في ما يقوله الرواة في الأعمال الروائية والفنية الأخرى المتعلقة بفلسطين. فقد باتوا يشبهون الناطقين الرسميين في السلطة الفلسطينية ، أو فرسان الفضائيات العربية الأكثر ضجيجا وانتاجا للشعارت الفارغة. في "السيدة من تل ابيب" ، يخضع الراوي والكاتب متماهيين أو منفصلين ، بأقنعه أو بملامح حقيقية أو متخيلة ، للمساءلة من قبل أبطال الرواية. ويسمح السرد للقارئ بأن يكون عضوا في هيئة محلفين يتابعون الأحداث والشخصيات لكي يصدروا حكمهم في النهاية. أزعم أنني حررت أبطالي من سلطة الراوي ولم أمارس عليهم سلطتي. وتركتهم يرسمون حاضرهم ومستقبلهم كما يشاءون. هذه سمات جديدة لرواية فلسطينية مختلفة ولراو جديد. "السيدة من تل ابيب" محاولة على هذا الطريق.
Date : 08-11-2009
08-أيار-2021
22-حزيران-2019 | |
20-أيلول-2018 | |
03-آذار-2018 | |
18-تشرين الثاني-2017 | |
29-تشرين الأول-2016 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |