قصة قصيرة / سَقْطَتْ ذَكَر
2009-11-13
زَعموا أَنْني خُلِقْتُ لكي لا أكونَ سوى ذلكَ الإناءْ
لاحتضانِ المَنيِّ كأنّي مُجرَّدُ حَقْلٍ وحَرْثٍ
أدونيس
تاريخ يتمزق في جسد امرأة
.
.
رقص الزوج طربا وفرحا عندما علم بأن الجنين ذكرا. وصلّى ركعتين شكرا لله. وأقام وليمة عشاء احتفالا بهذه المناسبة التي حضرها الأهل و الأصدقاء و الجيران. وتحسنت علاقته بزوجته. فأصبح يعاملها معاملة راقية جدا. فلا يدخل عليها إلا مبتسما و في يده الهدايا والمفاجآت، ولا يخرج إلا متغزلا ومكررا عليها التوصيات التي تهم صحتها وجنينها الذي في بطنها.
حتى بناته الثلاث: آية، و دعاء، و صفاء، كانوا مندهشين وملاحظين هذا التغير الذي طرأ على والدهم فجأةً. والدهم الذي عهدوا منه منذُ أكثرَ من سنة المزاج العكر، والعصيبة الزائدة، والرفض المتكرر لأي رغبة يودّون تحقيقيها. فمثلا في عيد الفطر الماضي رفض الوالد إخراج أسرته وترفيهها في حديقة الملاهي، ولم يأخذهم أيضا إلى المسرحية محتجا بازدحام الشوارع، وتعبه من العمل. فمرّ العيد على الأسرة مرور الكرام دون طعم أو رائحة. وأصبح الوالد تاركا لعادة مجالسة بناته الثلاث التي يقص فيها الحكايات الخرافية والعجيبة عليهم. فقد كانت هذه اللحظات عند البنات عالما دافئا جميلا مليئا بالخيال والسعادة. فكانوا في أكثر من مرة يصرون على والدهم قص حكاية التاجر والعفريت رغم سماعها المتكرر.
الآن أصبح الوالد فجأة يهتم ببناته ولكن بلغة وسلوك جديد لم يعهد من قبل. أصبح يوصيهن الاهتمام بأمهم، والاعتناء بالبيت. فكانت البنات الثلاث ينظفن البيت. فيغسلن ثيابهن، وأواني الطعام، والحمامات، ويعتمدون على أنفسهن أكثر من الماضي بكثير. فكانت البنات الثلاث يعرفن وجوب مساعدة أمهم في هذا الوقت لأنها حامل، وأهمية اعتمادهم على أنفسهن.
استمرّ هذا الحال على الأسرة أشهرا طويلة حتى جاء الوالد مع الأم في يوم من الأيام عائدين من موعد في المستشفى إلى البيت في حالة غريبة مريبة. فالأم حزينة، و لا تطيق الكلام الكثير مع البنات، و الأب ملتزم الصمت غير مكترث ببناته ولا بزوجته الحامل التي لم يتبقى على وضْعها سوى بضعة أسابيع.
أخذ الزوج لا يهتم بزوجته ولا بجنينها وترك ابتسامته وكلامه الجميل منذ أن أخبره الطبيب أن زوجته حامل بأنثى وليس بذكر. صار الزوج لا يرجع إلى البيت إلا متأخرا فينام سريعا حتى يستيقظ في اليوم الآتي ليذهب إلى العمل. وأخذ يوجه الأوامر إلى زوجته حتى تنجز واجباتها المنزلية تجاهه وتجاه بناته فكان يصر على زوجته كي ثيابه وثياب بناته، وغسل أواني الطعام، ومراجعة الواجبات المدرسية مع البنات.
بعد هذا التغير ساء حال الزوجة. فقلّت راحتها، ونقصت تغذيتها، وأصبحت أعصابها ونفسيتها متعبة جدا حتى أصبح يراودها بين الحين والآخر دوار في الرأس، وعدم شهية في الأكل أو الشرب. وقد أخبرت زوجها أكثر من مرة عن هذه الحالة التي تصيبها مرارا. و لكنه تعذر بكثرة الأشغال التي انصبت عليه في العمل هذه الأيام، وأمرها أن تذهب مع أحد إخوتها !
حتى جاء ذاك اليوم الذي كانت فيه الزوجة تغسل الحمام فأصابها فجأة دوار في رأسها فسقطت على الحوض مغشيا عليها لا تستطيع الحراك. فجاءت بناتها مذعورات خائفات من هذا الحادث، فاتصلوا بالإسعاف، فنقلت الأم إلى المستشفى وأجري لها العلاج حتى فاقت، ولكن نتائج الفحص أظهرت في تقاريرها أن الجنين مات إثر هذا السقوط، وقد ظهر في التشخيص الطبي أن الجنين كان ذكرا وليس أنثى، وسوف يستخرج عبر عملية جراحية للأم بعد استكمال جميع الفحوصات اللازمة.
××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |