خاص ألف

وجهها مرآة الصباح..يسكن أسفل الوجنة خال يشبه الضوء.. ينبض..يرقص.. كل فجر تودع قمر الليل.. يهبط عصفور يقبلها عند الخال ويطير وتنبثق من الخال قرنفلة تنشر شذاها.. ويصبح الوجه بستان قرنفل..
قال فتى أخذته الغفوة عند السحر:
-هل رأيتم امرأة من قرنفل؟؟
ومضى في الطرقات يحرسه سرب عصافير.. حتى إذا ما وصل إلى غابة الوجد أغمى عليه:
قالت العصافير:
- لا تقلقوا.. هي تعرف متى يصحو الفتى.. اتركوه..

- 1 –

دمعتي ما يجري على خدكِ؟ أم هي دمعتك!! أم حبة لؤلؤ من رحيق حارق, انهمر من مقلتكْ!! حفرت على خدك ِمجرى, يصل ما بين قلبكِ الموجوع وعصفور قلبي الساكن عند مولد الرجفة فيكِ
هي الدمعة تذرفينها عند الشهيق.. تخرج مع بعض نار اللوعة من صدرك عند الزفير..
آه.. يا امرأة يعذبها الهيام
لا ترى في الصبح راحة..
ولا في الليل دار مقام..
أخبريني يا سيدة الحلول في دمي
هل ما يجري على خدكِ دمعتي؟ أم هي دمعتك؟؟ وأنت تلوذين بحجرة ترقد فيها الأساطير تختزنرطوبة المنافي, والليليمتدّ إلى ما لا فجريعتلي جسر الأمنيات,
والجسور في بلاد الشمس قبل صياح المؤذن فجّرت.. هل ما زلت تترنمين..
كيف لهذه الحجرة..؟
أن تحتضن الصدى..
كيف لها أن تراود المدى..؟
كيف أتحاشى عينيكَ؟
وبيني وبينهما
عتابٌ وحديثٌ طويل
خرساءٌ هذه الصور..
عيناك كيف أتجاهلهما؟!
وهما لي..
نار.. وشرر
ما الذي يجري على خدكِ؟ دمعتي أم هي دمعتك!!
آه.. من جمر الحريق
خبئي دمعكِ في مناديلك..
لا تنثريه على رمل الطريق!!
فالذئاب من الرجال على توثب..
عند الزوايا والمفترقات
تقتفي وقع خطاك..
تشم لهاث قلبك في رمل الطريق..
تسمع ما يحمله دمكِ من أنين
وترى ما يستعر بين حناياكِ حريق!
فالذئاب تنقض على الفريسة عند الانكسار..
وقبل الانهيار..
فاحذري..

- 2 -

منذ عقود والليل يعدني بريح قطبية تطفئ نار المنافي.. يعدني بشعاع من شمس بلادي يذيب الجليد الساكن فيَّ.. يعدني بمولد قزح جديد.. لكن قزح غاب.. لم تأتِ ريح ولا هطل المطر, وبقيت في بلاد الانتظار عند نواصي اللهفة أنتظر.. ربما أسمع حشرجة النجوم.. ربما من شق الوقت يلوح لي قمر..
منذ اغتراب يا صاحبي..
تحاصرني تراتيل ذاكرتكَ البعيدة..
أتعلق قنديلا في سماواتك..
أجوب حدائق الروح
ربما تناديني دغدغة دفء غريب لا يعود
يقتلني ما يحمله هذا الليل..
من فقد وبرد
منذ اغتراب وأنا واقفة عند ناصية الافتراض أحلم.. أن ستأتي يوما على صهوة قزح, وتحاصرني بوابل من اللهفة والقبل.. فألوذ منكَ.. اختبئ لا أدري خلف لهفي أو وراء بصمات القبل..
ومنذ اغتراب وأنا أجمع ما تساقط عن وجهي من القبل, وما ذرفته المقل.. أفرده شالا أتدثر به في وجه الصقيع.. يصبح نصف الشال سرب عصافير ونصف الشال غزالات شاردة تتبعني
منذ ضياع..
أحلم أني أراقص الأقمار في النهر..
أطفو على غلالة الليل..
يشاركني الغناء رجع ناي بعيد..
تعب مثلي من السفر..
منذ ضياع..
أصحو كل مرة على صوت يعذبني..
خبئي دمعكِ في مناديل الحرائر
اطلبي الرحمة من رب السرائر..
لا تذرفي الدمع على رمل الطريق..
اصبري وتجلدي على من علقكِ من جدائلكِ أسيرة, وارتدى وجهكِ عباءة افتخار,يعلن للقوم كل يوم..انه قد سبا في الحرب أجمل أميره..

- 3 -

الليلة أورق العنب في صدري.. ورأيتكِ دالية تتدلى منها عناقيد نبيذ.. والليلة عشت اغتيال الدراق على شفتيكِ.. فانطفأتُ.. صرتُ قنديلا جف فيه الفتيل.. وأخذت أبحث في عتمة حالكة عن نور بعيد..
ليلي رعد وبرق ورعد.. ولا مطر..
فجأة أنتِ حضرتِ..
تجدلين الوقت ضفيرة من ريش عصافير الاشتياق..
تهطلين على أرض وقتي مطر..
تشعلين النبض في روح الفتيل..
ظبية تقطع المسافات..
على ظهرها سرب عصافير..
كلما اجتزتِ مفازة يهبط عن ظهرك عصفور يغني..
أهتف من وجعي..
آه.. يا عصفور قلبي أعني..
افرد كفي..
يهبط العصفور ينقر جلد الكف..
ويحجل بالرقص المغمس بالغناء..
يصهل فيَّ الوقت..
والوقت ارض دراق وعِنِّاب..ونوار حناء..
فجأة جئتِِِِِِِِِِِِِِ أنتِ, والوقت ليل..
لا نجوم.. لا قمر.. لا غيمة ماء!!
تسألين:
- لِمَ غبتَ.. خفت عليك من الموت!!
- لا عليكِ.. كل ما في الأمر أنهم في غزة سحبوا الزيت من روح الفتيل..
- متى!!
- عندما قتلوني.. وقتلوا العناب والدراق على شفتيكِ

- 4 -
كان موعدنا هناك!! هل ما زلت تذكر, أم تراه صقيع الغربة جمَّد فيك الذكريات لكني يا بعيدي مازلت على العهد’ ألوذ بصخرة العشاق في بيروت كل عيد..
آه يا بيروت..
ضميني إليكِ وقد نأى عني صدري.. ها هو الصبح فيك جميل كما في بلادي والشمس هنا كما بلادي.. ورائحة الرطوبة ونيسان يذكرني بالمطر والحروب والقتل على الهوية..
يا أمنا العذراء!!
انثري السلام من سفح الجبل..
ما أحوجنا إلى معجزة..
تزرع فينا الأمل؟؟
هل أفتح شرفتي على حي فيه الصبح ملئ بالبهجة, والصبايا يتنفسن نرجس الصبح مع فيروز على وقع ترنح "حنا السكران" حتى لا يفيق السكران على ما يبعث على الغثيان..
اليوم يا بعيدي ألوذ بصخرتي, لا أحمل من متاع سوى وجه بغداد.. وأنت..
يا لوجهكَ المشرق.. كصبح بيروت
وشعركَ الفاحم.. كليل بيروت
في حقيبة يدي كتابٌ..
فيه أشعاري
اقرأه..
ربما تعرف بعض أخباري..

***
قد جاء في الأثر أن حكيما قال لمريديه:
- تنضج الزهرة ثلاث غدد, غدة تفرز رحيق عذاب الانتظار..وغدة تفرز إكسير مقاومة الانكسار.. أما الثالثة فتختص بالانصهار في وليف الروح مهما نأى أو جار..
شهق المريدون رجالا ونساء.. ذرفوا ماء العيون.. انبثقت الدموع بستان أزهار متعانقات, يتمايلن على وهج اللوعة, فدخل المريدون برزخ ما بين الحزن والهيام.. قال الحكيم:
- ماذا ترون؟
- أزهاراَ متعانقات
دخلت الأزهار في حال التأهب.. صار الوقت انتظار شمس الصباح.. فجأة هبط مع ضفيرة الشمس سرب نحل.. وقفت كل نحلة على كأس زهرة.. هتف الحكيم:
- ماذا ترون:
- كل نحلة تقبل زهرة
حملت الريح وشوشة لطيفة.. غنت الريح على غنج الدلال.. هتف مريد انطبع على جبهته وجع صبية:
- العشق سر العسل/ العشق قدر..