مقدمة للصمت
2009-12-14
خاص ألف
لابدَّ من شجرٍ كثيفٍ في الظَّلامِ
ليكون بيتٌ في البعيدِ،
سراجه كفٌ من الحنَّاء
تخفق خلف نافذةٍ ،
تشرِّد في مدارات الأساورِ
ماتراكم من تفاصيل النهارِ
إلى المدامِ.
لابدَّ من شجر كثيفٍ غامقٍ
ليغيب أمشاطٌ من الألماسِ
في شعر القصيدةِ ،
أو عروقٌ من حياء الوردِ
في طَفَلِ الرخامِ.
لا بدَّ من شجرٍ كثيفٍ :
أنتَ لا تتذكّر الأشياءَ مثلَ النايِ
لا تمضي إلى القبلات محترقَ الشفاهِ
ولاتموت بقرب نفسك
لا تعيش بقرب مَنْ تهوى ،
إذا دنت الخيامُ من الخيامِ .
لابدَّ من شجر كثيفٍ يعتريكَ ،
لتعبر الرؤيا ، وتقرأ مفرداتِ الحلم
في صور النساء الغائباتِ ..
رنينَ أجراس الكنائسِ في البنفسجِ ،
واختلاطَ مشاعرِ العطارِ حول الوقتِ ،
أسلمه خريفٌ من نحاس الزيزفونِ
إلى شتاءٍ من بياض الزنجبيلِ
إلى السَّقامِ .
لا بدَّ من شجرٍ كثيفٍ في الظَّلامِ
ليظلَّ شئٌ من بهاء الصمتِ مبهوتاً
على طرف الكلامِ.
أنا لا أسمّي كلَّ شئٍ باسمه إلاّ قليلا
والحائرون بقول ماينقال ،
سوف أبثُّهم فحوى ضلالي في الوجودِ ،
وأنني أعددتُ لي ولهم
وللآتين أيضاً ، بعدنا ،
تيهاً جميلا
حتى القصائد سوف أقنعها
بأن لها من الغايات ماينأى
وأدفعها إليهِ
حتى إذا وجدت سراباً ،
لم تجد أحداً لديهِ
وجدت صداها وردةً زرقاءَ ،
عرَّتها الرياحُ ،
وبعثرتها في البَدادِ .
هذي بقايا عريها في الريحِ :
أزرقها تماهى ،
ثم شفَّ ،
وحال نحو الأبيض الفضيَّ ،
أو هذا رمادي .
أنا لا أسمي كلَّ شيءٍ باسمهِ ،
فله الأسامي
وله الحدودُ الراسخاتُ
له فواصلهُ ،
فلا يلج الحلالُ على الحرامِ
الحمدُ للأرض الجميلةِ :
مغزل الزمن الجميلِ
أناط عاداتِ الشواطئ والنساءِ
بدورة القمر الملوَّنِ ،
واستفاضَ على الحقائقِ
بالشقائقِ من دمي ،
ثم استدارَ ،
فكوَّرتْ كفاه قبَّته البهيَّةَ
فوق شيءٍ من حطامي .
الحمد للأرض الجميلة * إنّ نوحاً كان في همٍ * وأزواجاً من الحيوان في مللٍ * وغيِضَ الماءُ * واستوت السفينةُ فوق جرفٍ * بينما طميٌ لذيذٌ في شقوق الأرضِ باشره خفيفٌ من نثارِ الشمسِ * أخلد للتنفس في هدوءٍ
- " اهبطوا منها " .
- هبطنا.
إنّ نوحاً كان في شغلٍ * يسبِّح ربَّه *
أخذ الحبورُ حمامةً هدلتْ
وثوراً خارَ ،
نقّت ضفدعٌ ،
نهقت أتانٌ ،
صاح ديكٌ ،
واستفاض الآخرون ، فما تميّزُ ،
إنهم فرحون ..
- "نوحٌ أيها النجارُ : ماهذا القطيعُ من الضجيجِ؟"
أتت تهرول من غيابة كوخها
في السفح سيدةٌ عجوزٌ .
- « كنتُ نائمةً وأولادي ،
فأيقظنا قطيعُكَ ،
والمؤونةُ بلّها مطرٌ خفيفٌ ،
لو تثوبُ إلى رشادكَ ،
إنّ رهطكَ مزعجونَ ، وأنتَ من لُدِّ الخصامِ »
اغتمَّ نوحٌ : أين كانت هذه الشمطاءُ ؟
كيف نجتْ من الطوفانِ ؟
مامعنى النبوّةِ
والنجارةِ
والملاحةِ
واشتعالِ الشيبِ في ريش الغرابِ وفي عظامي ؟
اغتمّ نوحٌ ، بينما كانت شقوقُ الأرضِ ريَّا ،
والسماءُ تفلِّج الشفتين
عن طيف ابتسامِ
والله .. حتى الله غطّتْ وجهَه ظُلَلُ الغمامِ
ورأى بأن لا بدَّ من شجرٍ كثيفٍ في الظلامِ
حمص
شتاء 1993
ÒÒ
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
04-نيسان-2020 | |
07-آذار-2020 | |
20-تموز-2019 | |
21-تموز-2018 | |
10-شباط-2018 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |