سلطانات الرمل.. أنوثة الصحراء بلغة السـراب!/ لميس علي
2009-12-16
سلطانات الرمل.. أنوثة الصحراء بلغة السـراب!
تقف تحت سماوات الصحراء، تشهق نفساً عميقاً، ثم تعود لتزفره تحت سماوات المدينة..
نسجاً على هذا المنوال تتقنن صنع الدهشة في محراب إبداعها.. تتقن رشق أسهم السؤال المخبوءة ماوراء كلماتها.. وتعشق إيصالك حالة تتقصدها من وراء كل ابتكارات حكاياها.
مابين ذاك الشهيق المقلوب زفيراً.. ثمة فضاءات شتى، مختلفة إن لم تكن متناقضة.. فضاءات أمكنة صحراوية ومدينية، ميدان يلعب ضمنه قلم (لينا هويان الحسن) يلاعبه ويجترح تفانين مراوغته..
فيشركنا- تشركنا عمداً في لعبتها.
لطالما كانت تلك الصورة الأولى موتيفاً مغروزاً في البال، على طول أوراق روايتها (سلطانات الرمل) الصادرة حديثاً عن دار ممدوح عدوان.
لماذا تنزرع تلك الصورة.. تداهمك صورة روائية تقف مابين عالمين مختلفين، تحاول الجمع بينهما..
ثم لماذا أمضي بوصفي ابنة البحر إلى قراءة مايخطه قلم ابنة الصحراء؟.
أي مزاج- مزاجية مخمرة بعشق الجمال تجمع مابين ذائقتينا.. مابين بحر وصحراء..
أوليس الجمع مابين (ماء- رمال) يؤدي إلى عجينة- خميرة الخلق الآدمي الأولي..
ثم وإن اختلفت سماوات كل منهما أوليست علاقة كل طرف مع سمائه هي تماماً ذاتها، أي أنها (على التوازي).. البحر على امتداده يوازي سماءه.. البادية بشساعتها توازي سماءها أيضاً، لاحدود لافواصل أو قيود..
وفقاً لكل ذلك تتولد برية الطباع، برية التلقي، برية المشاعر والعواطف المشذبة بسجية الإنسان البكر..
هي إذاً بكل بساطة صفة (البرية).. بامتياز تقف نقطة للتلاقي بيننا، مركز أساس لتلقف كل خلق مشاكس ومشاغب..
فماذا عن الخلق- الإبداع على طريقة (لينا).. التي تحترف دس أنفها بحيوات أبطالها البداة، أنف أشم ذو حساسية خاصة لأناس شمّ الأنوف من الطراز الأول.. تقتفي أثرهم بحدس البداوة فيها لأن: (بعض البشر كانوا- في أغلب الظن- مصنوعين من الأنوف، أنوفهم تصلصل، ترن، تعصف لا تأفل، موعظة حقيقية تعلمك معنى أن ترفع أنفك وتنفث نرجسيتك مثل ماء سيل عجول ناعمة مهددة، مزودة بطبائع الجارفين، إضافة إلى أنها نحت بارز في الصخر).
تنفض هويان الحسن بكل ما أوتيت من فضول، غبار الذاكرة. تلتقط خيط الذاكرة، تعيد لم أشلائه، وتزيل ماعلق من بقع النسيان، تعيدنا إلى ظروف أحاطت بالقبائل العربية البدوية في أواخر القرن التاسع عشر، قبائل توزعت مابين بقاع شبه الجزيرة العربية والأردن والبادية السورية، وتجتهد بسرد حيثيات التبدل الطارئ على البدوي وقبيلته في القرن العشرين.. فما عاد طارئاً وإنما حقيقة واقعة.
ترصد التحول من الطبيعة القبيلية إلى الحياة المدنية، على وجه الخصوص، من خلال عيني بطلها الأبرز (طراد) الممثل للجيل الأخير من أبطالها البدو..
هو وريث ذاك الإرث.. الموزع مابين أصله.. جذوره (الماضي)، ومابين تحوله زمناً حاضراً ومستقبلاً.
ثمة أمر جميل تشتغل عليه هويان الحسن، على صعيد التقنية الروائية، إذا لاتعقيد ولافذلكات مجانية، ومع هذا تسبك سردها بكيفية تجعلك تعيد ترتيب أوراق متعتك، عندما تصيدك مفاجأة الربط مابين الأجيال، مابين شخصيات العمل، فالروائية لاتذكر صراحة الصلات فيما بينهم.. تتركك وحدك تكشف لعبة السرد، تروي بداية قصة بطلاتها (سلطانات الفعل) اللواتي جبلن بعناد الصحراء، حاضنتهن الأولى..
ثم تقتنصك محض صدفة ينسجها سراب صحرائهم، تجمع كلاً من (سكرى الثانية مع طراد) ولينتشل قلم (لينا) هنا تحديداً قصة عشق تؤكد (أن الحب هو ذاته في كل زمان ومكان، إفراط في العمى) عند التقاء هذين العاشقين، بعد منتصف الحكاية، نكتشف أن تلك السلالة الأنثوية ماهي إلا خيط واحد يربط أجيالاً مع بعضها.
ولكن لِمَ تلك النظرة المتحفية التي تحيط بها الروائية أبطالها- بطلاتها على وجه التحديد.. ولماذا ينتاب القارئ أبداً ذاك الإحساس وكما لو أنها توضب شخصياتها لوضعها في (فاترين) التاريخ..
هل يكفي أن نستذكر (قطنة) التي نشبت حرب مابين (قبيلة العنزة وقبيلة السردية) - مشان عيونها- أم (مراية) التي أنهت محاكمة قاتل أخيها بأن حملت مسدس زوجها، وبسرعة خاطفة أطلقت النار لترديه قتيلاً، بسبب تمردها ذاك طلقت من زوجها.. وماذا عن (منوى) التي اعتلت فرساً في ساح القتال، ولم تكتفِ باعتلاء هودج الفتاة التي يختارها العرب لقول أشعار الحماسة، فألحقت العار بكثير من الرجال الجبناء الفارين.
وغيرهن أخريات.. (حمرا الموت، عنقا، فكرى.، سكرى.) نساء صارخات الأنوثة، المشترك الأبرز بينهن أنهن صنعن قاعدة.. (من الجبن أن نرفض متعة اقتربت منا بلحظة قدرية، منحازة لنا ولو مؤقتاً) متحديات محظور القبيلة بطريقة أكثر من سافرة.
هل هو الوقوف على الطلل. أم هي النوستالوجيا..
لماذا تنحاز هويان الحسن بتلذذ دون إنكار، لأولئك البدو.. معلنة تواطؤها المشرب بحنين ربما يعود لرغبة التذوق الدفين لكل ماهو أصيل..
أو لسنا هنا نعلن تواطؤنا معها.. ألا نميل شعورياً أو لاشعورياً لكل ماهو جميل، مخالف، نافر، مفرط في اختلافه، عشقه، تمرده، جماله..
أو لسنا معنيين بالمقدار ذاته لتتبع أثر ذاك (البدائي النبيل) كما سماه مستشرقو أوروبا عصر الأنوار، رغبة بتشمم بقايا النبيل (فينا).
تزرع هويان الحسن ألغام سرابها الخاص على التوازي تماماً مع ماتحاول قوله وتأكيده عن أصالة آفلة.. مفردة (السراب)، تقف وحدها كمعادل موضوعي حقيقي لصحراء الأمداء..(رغم كل هذا الكذب الفخم الذي يحترفه السراب، يمنحك اليقين بأن هناك وراء الأفق شيئاً ماسيبقى).. ولعبة الأدب وحدها القادرة على مضاهاة فعل السراب.. كلاهما يتفنن الإيهام..
لميس علي
الثورة
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |