Alef Logo
كشاف الوراقين
              

مرافئ خجولة لنشأت المندوي عن دار شمس

2009-12-20

عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدرت المجموعة القصصية "مرافئ خجولة" للقاص العراقي المقيم في الولايات المتحدة "نشأت المندوي".

تقع المجموعة في 96 صفحة من القطع المتوسط. وتضم ثلاثة عشر نصًا قصصيًا. لوحة الغلاف للفنان موسى الخميسي.


تعد قصص "نشأت المندوي" مرآة واقع، يرسم مؤلفها صورة هذا الواقع، وشكل الصراع فيه وموضوع الإنسان منه.. وفي هذه المجموعة القصصية المختارة، يعيش الواقع الذي نتنفسه، ونبصر فيه شكل الصراع وطبيعة العلاقات، ونلامس موضع الإنسان.. إنها تحكي اغتراب إنسان، ووقوفه على الضفاف البعيدة شاهدًا وسائلاً ومجيبًا..


تحتفي المجموعة بالوقائع والتفاصيل وتحللها بصورة فنية دون مبالغة أو مغالاة. كما تتجلى قدرة الكاتب التصويرية في المزج ما بين الحسي والمجرد في نسج مجازي متتابع متحرك. فيرسم لنا أحداثًا مباشرة وقولاً صريحًا؛ نسائلها ونبحث فيها عن المعنى والدلالة.


من قصص المجموعة :

رجل من آش / مرافئ خجولة / سيمفونية للحب / ترنيمة لضفيرة أمي / تأشيرة دخول /

خطوة أولى / الفستان / خربشة حيطان / المكابرة بعتمة الخوف.

• • • • •


ترنيمة لضفيرة أمي


من المجموعة القصصية " مرافئ خجولة "

ثانيةً يأتي الليل بوشاحه الداكن، يخيّم على سماء مغبرة معلنًا إنذارًا غير مسبوق على وجوه الجند المتخندقين في المواضع، الصمت الأسود يجوب الأفق ويُنبئهم بأن عدو متربص على بُعد عدة كيلومترات، قد يفاجئهم بموتٍ غادر عبر طلقة لئيمة أوقذيفة مدفع جبان.

يسترجع أحمد في الموضع شجاعته، ليسترد آدميته الممسوخة، فيحاور نفسه بمنولوج عميق:

- أي إله يرضي بحربٍ تُنْتَزعُ فيها الروح قسرًا وتُحيل الجسد لجثة عفنة، حرب يقررها رجال سياسة كي يدخلوا التاريخ، ويدفع ثمنها الفقراء، ثم يردد:

- لماذا يتشوه مفهوم الحب، فأُقتاد بحكم القانون لقتل بشرًا قد أصادقهم يومًا، تحت ذريعة وهم اسمه الذود عن الوطن؟!

أسئلة تتقافز أمامه كعصفور مبلل بالماء، وتنقر جفونه فتملأ عيناه دمعًا والمدى يترامي كجوف حوت مسلول.


لحظة وتعالت صافرة الإنذار، لغط وضجيج وصياح، خرج الكل من الخنادق للساحة الترابية مهرولين ومتجمعين حول الضابط، جنود بائسين بملامح شتى، أطوال متباينة أنهكتهم الشمس وسرقت الحرب ضحكاتهم، يجمعهم لون خاكي واستلابات الروح، راحوا ينظرون الضابط بشفاه متسولة وهو يخطب بحماس وحرارة:

- العدو ليس بعيدًا، والذود عن الوطن فخر لأن الشهادة انتماء

قالها ثم أردف بعصبية سريعة:

- تذكروا بأن حماية الأرض شرف وصيانتها واجب

استدار بسرعة وقلق حاد بَانَ في عينيه، ارتبك الجند وركضوا في اتجاهات مختلفة يسبقهم مرج واضح وتعلو قاماتهم أوامره.


استقر أحمد في خندقه، كانت الطيور تغادر السماء للمجهول، والأشجار المتناثرة نزعت أوراقها وتعرت للريح بمودة واستكانة، رويدًا رويدًا أقبل الليل مختزلاً ملامح الورد وضحكات الماء، فخرجت حسرة من جوف بطنه الخاوي جعلته يخطف علبة الدخان من جيبه ليشعل سيكارة ويرحل معها في حوار أخرس عبر دخانها الأسود..

• • •

لحظة ارتداء الملابس الخاكية والكرى يملاء عينيه، جاءته أمه تحمل صرة من قماش أخضر، دسته بجيب سترته وهي تتمتم بأدعية طالبة من الله أن يحفظ ولدها ويرجعه سالمًا، تلمس الدعية وتذكر الفجر وسويعات الغسق الباذنجاني عندما أيقظته مرددة:

- اسّم الله ابني.. محروس بالرحمن.

تأمل وجهها وهي تضع الدعية، كان يشع نورًا إلاهيًا وفيوضًا روحانيًا، فاجتمع الكون والأنبياء والتاريخ في عينيها، احتبس الريق وأبى أن ينزل فسحب رأسها نحوه مقبلاً هامتها بحنية ووداعة، كانت تفيض عطفًا حلوًا ودفئًا بحجم البحر:

( كالت ضميتك يا وليدّي لهايّ الساعة ..

عد عينج يمة تشوفيني سمع وطاعة

رديت الشط صافي ماية

وجهج حلو وجنة أمراية

يا كحلة عيني ومي عيني وحنة إيدي)

• • •

لا شئ يعكر صفوة الفجر سوى لفحة البرد الممزوجة بهواء حاد، وحركة الجنود الملثمين باليشماغ يلتمون حول عربات الأفطار في ساحة السيارات، دنا أحمد من إحدى العربات وطلب بيضًا مقليًا وشايًا. كان الفانوس النفطي الجالس في وسط العربة يرسل ضياءً حادًا سلب منه بقايا نُعاس راوده مذ خروجه من البيت حتى مجيئه هنا.


في السيارة وهي تبتلع الطريق نحو المعسكر كان الجمع يغط في نوم، بينما تلذذ القسم القليل بشرب سيكارة الصبح، فيما بقي أحمد يسترجع أجازته السريعة مع خطيبته (فريال)، وهما يتجولان لشراء أثاث العرس، فزواجهما سيكون في الأجازة القادمة كما وعدها:

( يمه بعرسي يغني المدفع طول الليل ...

يمه البارود من اشتمه ريحه هيل

للمغرم دك الرشاشة دك احجول

مهرة الكاع وخلهه ابكلبي اتصول اتجول ).

• • •

دوى صوت مدفع من بعيد فسقطت القديفة على أحد المواضع القريبة، صعد دخان مسموم عاليًا فصاح الجند وانهالت زخات الرصاص من الجهتين، أعقبتها أصوات استغاثة وصيحات غير مفهومة، فاكفهرت السماء وامتلأ المكان بلغط وكلمات متقاطعة، بعضها كفر والبعض الأخر تقوى وإيمان..

إنها الحرب إذن.. هكذا ردد أحمد وصارت واقع حال كان يدمدم، في تلك اللحظة تمددت مسافات الحيرة وضاقت فرص النجاة لكن شهية العيش قائمة كون النفس عزيزة لأن الحياة لا تتكرر، صحيح الوطن غالي لكن الروح لا تعوض. ازداد أزيز الرصاص وتعالت الانفجارات من كل حدب وصوب، حدقّ بالسماء؛ كانت الطائرات ترسل أبابيل الموت عبر قذائف ممسوخة تخرج من فتحتها الخلفية، فتذكر فريال وموعد زواجهما، جاءت أمه بوجهها الأبيض السمح وهي تدس الدعية بجيب سترته وسمع الضابط يقول:

- إن القتال شرف لا يستحقه إلا الأبطال

عندها أيقن أن الموت في شكل من أشكاله وجه أخر للحياة، إن لم يكن مكملاً لها..


• • •



( إنه أمك كالت لى الكاع وانته وليدي

عريس وربعه ايزفونه وعرسك عيدي

كالت منذور إلى هل الليلة

خيال إنته وفوك اكحيلة

ما يندك بوجودك بابي

يا جرغد راسي وجلابي

عريس وجايب نيشاني ايطرز ايدي) ...


كانت الأنشودة تشق عنان السماء كبيرق رباني. والأفق يُسَوده دخان أرعن، امتزج بصيحات جثث أرغمتْ التاريخ على كتابة صفحاته بقطرات دم، وحكت بطولات جنود استشهدوا؛ نستهم الذاكرة، لكنهم حموا الوطن !.

• • •

نشأت المندوي


[email protected]


×××××


• قاص وكاتب عراقي، وُلد في كركوك، ومقيم حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية.

• تخرج في كلية العلوم – بغداد

• مارس النقد الأدبي والفني وكتابة القصة منذ الثمانينيات.


• الإصدارات :

- رائحة التفاح : مجموعه قصصية، دار الكنوز، بيروت 2006

- مرافئ خجولة : مجموعة قصصية، شمس للنشر والإعلام، القاهرة 2009


- البريد الإلكتروني: [email protected]

















































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow