مسيلمة أو كذاب اليمامة / بقلم : وجيه فارس الكيلاني
2009-12-23
يبدو أن حرب الردة هي من الوقائع الصامتة فعلا ، من الوقائع التي سقطت عن قصد و سابق تصميم في سجل المدونات السرية المزورة. لقد كان من العسير على المدونين أن يتطرقوا لمسألة الصراع على السلطة بهذا الشكل العلني و السافر.
و إذا كان اسم مسيلمة هو على رأس هذه القائمة الممنوعة ، يجب أن لا ننسى أن أبا الطيب المتنبي ، بدأ نشاطه بالدعوة إلى رسالة جديدة ، ثم انتقل للبحث عن السلطة علنا ، و لكن لم يتبق له بعد موته المأساوي ، من المجد ، غير بلاغيات هي مزيج من الشتائم و الصور الانطباعية الواقعية ( التي تذكرنا بدولاكروا و مواقفه من العرش ) ، مع بارانويا مرضية ، لا تجد مثلها إلا في سيرة نابليون.
لقد فر المتنبي من مصير حمل مسيلمة أعباءه ، و هي تهمة الرسالة المزورة ، ربما لأنه كان قريبا من عصر تفتيت الدولة ، و نشوء خطاب سردي إسلامي عديد البؤر و المراكز ، أو تعددي ( بلغة سياسية معاصرة و رزينة ).
و نعتقد أنه توجب علينا أن ننتظر زهاء قرن و نصف من الزمن لنسمع بالأسباب الحقيقية لحروب الردة ( جدلا ) ، من خلال الأزهري المتنور الشيخ علي عبد الرازق ( في كتابه المختلف عليه : الإسلام و أصول الحكم ).
على أية حال ، أدناه مقالة لم تدخر وسعا في سبيل تحويل صوت المعارضة الاجتماعية إلى تعبير شائن عن قراءتها للتاريخ.
ألف
مسيلمة او كذاب اليمامة – الفصل السابع من كتاب الدعاة
هو مسيلمة ( 1 ) بن ثمامة بن كبير بن حبيب . و يكنى أبا ثمامة و قيل أبا هارون. و كان قد تسمى بالرحمن. و ذلك قبل مولد عبد الله والد الرسول. و لذلك كانت قريش تقول حين سمعت من الرسول : بسم الله الرحمن الرحيم. إنما تذكر رحمن اليمامة. و ذكروا أن طلحة النمري جاء اليمامة فقال : أين مسيلمة ؟ قالوا : مه ( 2 ) ! رسول الله !. فقال : لا حتى أراه. فلما جاءه قال : أنت مسيلمة؟ قال : نعم. قال : من يأتيك ؟ قال : رحمن . قال : أفي نور أم في ظلمة ؟ قال : في ظلمة. قال طلحة : أشهد أنك كذاب و أن محمدا صادق. و لكن كذاب ربيعة أحب إلينا من كذاب مضر ! . و كان مسيلمة صاحب مخاريق و تمويهات و أسجاع. يقال إنه أول من أدخل البيضة في القارورة. و أول من وصل جناح الطائر المقصوص. و كان أول أمره أنه قدم على رسول الله في وفد بني حنيفة فجعل يقول. إن جعل لي محمد الأمر بعده تبعته. فأقبل إليه رسول الله و في يده قطعة من جريد حتى وقف عليه في أصحابه فقال : لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ، و لن تعدو أمر الله فيك ، و لئن أدبرت ليعقرنك و إني لأراك الذي رأيت فيك ما رأيت. فلما رجع مسيلمة إلى اليمامة تنبأ و تكذب لقومه و قال : إني قد أشركت في ذلك الأمر معه. فاتبعوه على ذلك. و قد كانوا أسلموا فارتدوا. و لما قدم رسول الله المدينة وفد الناس يتذاكرونه و ما يبلغهم عنه من قوله و قول بني حنيفة فيه فقام رسول الله – يوما خطيبا فقال : بعد حمد الله و الثناء عليه. أما بعد فإما هذا الرجل الذي تكثرون في شأنه فكذاب بثلاثين كذابا قبل الدجال ( 3 ) فسماه المسلمون مسيلمة الكذاب. و كان يؤذن له عبد الله بن النواجه. و يقيم له الصلاة حجير بن عمير. فكان حجير يقول له : أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله. فقال له مسيلمة أفصح حجير فليس في الجمجمة خير ( 4 ) و هو أول من قالها. و كان محكم بن الطفيل مدبر أمر مسيلمة و صاحب حربه. و أحل الخمر و الزنا و وضع عنهم الصلاة – و هو مع ذلك يشهد لرسول الله بالنبوة !.
و كتب مسيلمة إلى النبي عليه الصلاة و السلام : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك. أما بعد. فإني قد أشركت في الأمر معك. و إن لنا نصف العالم و لقريش نصفها و لكن قريشا قوم يعتدون ". و قدم بالكتاب رجلان من قومه فقال لهما النبي حين قرأ الكتاب: فما تقولان أنتما ، قالا : نقول كما قال. فقال : أما و الله لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما. ثم كتب إلى مسيلمة : بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب. سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ".
و لما صدر الرسولان إلى مسيلمة افتعل كتابا يذكر فيه أنه جعل الأمر من بعده فصدقه أكثر بني حنيفة.
و لأبي بكر الصديق في مسيلمة قوله :
مسيلمة ارجع و لا تمحك ( 5 ) فإنك في الأمر لم تشرك
كذبت على الله في وحيه هواك هوى الأحمق الأنوك ( 6 )
و منك قومك أن يمنعو ك – و إن يأتهم خالد يدرك
فما لك من مصعد السماء و مالك في الأرض من مسلك
معجزاته : نقلوا أنه تفل في بئر قوم – سألوه ذلك تبركا – فملح ماؤها و قيل ذهب ! و مسح رأس صبي فقرع ! و دعا لرجل في ابنين له بالبركة فرجع إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر و الآخر قد أكله الذيب ! و سأله آخر أن يدعو لمولود له أن يطيل عمره فجعل عمر المولود أربعين سنة فرجع إلى منزله مسرورا فوجده ينزع إلى الموت فمات من يومه ! و مسح على عيني رجل فابيضت عيناه !.
صلاته : قال الأصمعي : نزلت برجل من الأعراب فقام يصلي المغرب فقرأ في الركعة الأولى : " و قد أفلح من هينم ( 7 ) في صلاته ، و أطعم المسكين من مخلاته ، و حاط من بعيره و شاته ".
ثم ركع و سجد ، و قام إلى الثانية فقرأ :
بنونا بنو آبائنا و بناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
ثم ركع و سجد و تشهد. و قام إلى الثالثة فقرأ :
و يوسف إذ ولاه أبناء علة فأصبح في قعر الركية ( 8 ) ثاويا
ثم ركع و سجد و تشهد. فقلت له : من أين هذا القول و هو ليس من القرآن ؟ فقال : مه ! يا أصمعي اشهد الله على عمتي أنها تلقته من مسيلمة رسول الله منذ أربعين سنة !.
و هو الذي قال : سأنزل مثل ما أنزل الله. و لما قدم وفد بني حنيفة إلى النبي و فيهم مسيلمة – إلا أنه لم يلقه – و أظهروا الإسلام و أرادوا الانصراف أمر لهم بجوائز كعادته في الوفود. و قال : هل بقي منكم أحد ؟ قالوا : لا ، إلا رجل منا يحفظ رحالنا – يعنون مسيلمة – فقال النبي صلوات الله عليه : ليس بشركم مكانا. فلما رجع الوفد إلى مسيلمة و قد بلغه كلام النبي ، قال لهم : قد سمعتم قول محمد فيّ : ليس بشركم مكانا. و قد أشركني في الأمر. فسكتوا و لم يحيروا جوابا. فقال أحدهم رجال بن عنفوة : يا قوم ! نبي منكم خير من نبي من غيركم. و أنا أشهد أن محمدا أشركه في الأمر بعده فعليكم به. و كان مسيلمة يأخذ الأبيات من الشعر المستحلى فيجعلها سورا تتلى.
قرآنه : " سبح اسم ربك الأعلى. الذي يسر على الحبلى. فأخرج منها نسمة تسعى. من بين أضلاع وحشى. فمنهم من يموت و يدس في الثرى. و منهم من يعيش و يبقى. إلى أجل و منتهى. و الله يعلم السر و أخفى. و لا تخفى عليه الآخرة و الأولى".
" اذكروا نعمة الله عليكم و اشكروها. إذ جعل الشمس سراجا. و الغيث ثجاجا ( 9 ) و جعل لكم كباشا و نعاجا. و فضة و زجاجا . و ذهبا و ديباجا. و من نعمته عليكم أن أخرج لكم من الأرض رمانا. و عنبا و ريحانا. و حنطة و زوانا ".
" يا ضفدع بنت الضفدعين. نقي فجاد ما تنقين. و سحي فحسن ما تسحين. أعلاك في الماء و أسفلك في الطين. لا الماء تكدرين و لا الشارب تمنعين ".
" و الليل الدامس ( 10 ) و الذئب الهامس ( 11 ) ما قطعت أسيد من رطب و لا يابس ".
" و الليل الأسحم ( 12 ) و الدب الأدلم ( 13 ) و الجذع الأزلم ( 14 ) ما انتهكت أسيد من أحرم ". و كان يقصد بذلك نصرة أسيد على خصومة لهم.
" و الشاء و ألوانها . و أعجبها السود و ألبانها. و الشاة السوداء. و اللبن الأبيض. إنه لعجب محض".
" و الفيل ما الفيل. و ما أدراك ما الفيل. له ذنب وبيل. و خرطوم طويل. إن ذلك من خلق ربنا لقليل".
" إنا أعطيناك الجواهر. فصل لربك و هاجر. إن مبغضك لفاجر ".
" و المبديات زرعا. و الحاصدات حصدا. و الدارسات قمحا. و الطاحنات طحنا. و الخابزات خبزا. و الثاردات ثردا. و اللاقمات لقما. لحما و سمنا. لقد فضلتكم على أهل الوبر. و ما سبقكم أهل المدر. رفيقكم فامنعوه و المعتر فآووه. و الباغي فناوئوه".
" و الشمس و ضحاها . وفي ضوئها و مجلاها. و الليل إذا عداها. يطلبها ليغشاها. أدركها حتى أتاها. و أطفأ نورها فمحاها".
و قد حرم المذق ( 15 ) فقال : ما لكم لا تمجعون ( 16 ).
و عاش مسيلمة مئة و خمسين سنة.
هوامش المؤلف :
1 – كذاب اليمامة ، سماه بذلك رسول الله إذ قال حين اشتد به المرض : إني رأيت في عضدي سوارين من ذهب فنفختهما فأولتهما بكذاب اليمامة – مسيلمة – و كذاب صنعاء – الأسود العنسي.
2 – مه : اكفف.
3 – الدجال : لقب المسيح الكذاب الذي يظهر في آخر الزمان و منه الحديث : يكون في آخر الزمان دجالون . أي كذابون مموهون.هكذا فسره في النهاية.
4 – الجمجمة : جمجم الكلام جمجمة لم يبينه.
5 – محك – منع . لج.
6 – الأنوك – الأحمق.
7 – الهينمة : الصوت الخفي.
8 – الركية : البئر ذات الماء.
9 – الثجاج من المطر : السيال الشديد الانصباب يقال مطر ثجاج.
10 – الدامس : المظلم.
11 – الهامس : الخفيف الوطء و الكاسر لفريسته.
12 – السحم : الأسود.
13 – الأدلم : المتهدل الشفة.
14 – الأزلم : الحدث الذي لا يهرم.
15 – المذق : مزج اللبن بالماء.
16 – المجع : اللبن يشرب على التمر أو تمر يعجن باللبن. قال بعضهم و لعمر الله ما ندري أكان هذا القرآن ينزل على قلب مسيلمة أم على معدته ؟.
مراجع المؤلف :
عيون التواريخ و ابن الأثير و معجم البلدان و ثمار القلوب.
المصدر :
كتاب الدعاة من المتألهين و المتنبئين و المتمهدين. ص 50 – 56 . المطبعة العربية و مكتبتها بمصر. 1923 .
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |