«هذا هو» مايكل جاكسون الأميركيون استغلوه حياً واستثمروه ميتاً / الطيب بشير
2010-01-03
شغل موت مايكل جاكسون النّاس على امتداد صيف 2009، وزاد الاهتمام بكلّ ما نشر وأعلن عن ظروف موته بكلّ ما فيها من غموض وتساؤلات وألغاز، حتّى أنّ مليار مشاهد تابعوا عبر التلفزيون مراسم جنازته أي ضعف عدد من تابعوا جنازة الأميرة ديانا عام 1997، وإذا كانت حياة مايكل جاكسون رواية، فإنّ موته كان مسلسلا، ولذلك فإن الشريط السّينمائي الوثائقي الغنائي “هذا هو” والذي يعرض حاليا في أكثر من 100 بلد، من بينها دول عربية صنعت الحدث وحقّقت أرباحا خياليّة، و”This is It” يقول إنّ النّجوم لا تأفل ويؤكّد أنّ مايكل جاكسون هو صورة لعصره ومرآة لزمانه.
الفيلم من إخراج كيني أرتيجا، ومدّته ساعة و52 دقيقة، والعنوان “This is It” مستمدّ من أغنية لمايكل جاكسون، كتبها قبل أكثر من 25 عاما بالاشتراك مع المغني الكندي بول إنكا، وصدرت الأغنية في شهر أكتوبر الماضي وقد قام أشقاء مايكل بتسجيل الأجزاء الخاصة بالكورال بأصواتهم.
والفيلم وثائقي يظهر الكثير من الكليبات الّتي حقّقت شهرة واسعة في العالم بأسره، فهي أشبه ما تكون بأفلام صغيرة ضمن الفيلم الطويل، كما يظهر الشريط كواليس التّمارين الّتي قامت بها فرقة “ملك البوب” استعدادا للجولة العالمية التي كان مبرمجا أن تتم في الصيف الماضي، والّتي كانت ستشمل 50 حفلة من يوليو 2009 إلى مارس 2010، وهي الجولة التي لم تقع! ويتخلّل الشّريط استجوابات لأصدقاء جاكسون، إضافة إلى بعض اللقاءات مع عائلته والفريق الذي عمل معه في آخر أيامه ومن بينهم مخرج الفيلم نفسه.
وقالت لاتويا جاكسون شقيقة النجم الراحل بعد مشاهدتها للشريط الوثائقي إن ملك البوب لم يكن ليرضى عن عرضه لو كان حيا، وهي ترى أن أخاها كان دائما يحاول أن يقدم لجمهوره أفضل ما عنده ليبهرهم دوما بأعماله، وهذا الفيلم لا يظهره في شكله المرجو على حد قولها. وتابعت لاتويا: “لكني أساند الفيلم وأدعمه لأن أخي الراحل يظهر فيه، فأنا أحبه حبا كبيرا جدا”.
حياً وميتاً
يوم 28 أغسطس الماضي أعلن معهد الطّبّ الشّرعي بـ”لوس أنجلس” بكاليفورنيا، أنّ جاكسون مات بسبب جرعة زائدة من الأدويّة وتمّ تحميل طبيبه كونراد موراي مسؤوليّة وفاته، ولكن هناك خبراء أكّدوا أنّ الجرعة المتناولة لا يمكن أن تكون وحدها كافية لهلاك النّجم، وقد عثرت الشّرطة في بيت المغنّي على عقاقير كثيرة وأدوية مختلفة ومخدّرات الماريجوانا، وبقيت أسئلة كثيرة بدون أجوبة: لماذا تأخّر كونراد، الطّبيب الخاص بمايكل، في طلب النّجدة ساعة بأكملها؟
تمّ دفن مايكل جاكسون يوم 3 سبتمبر الماضي، ولكن أسرارا كثيرة دفنت معه، ممّا سيبقيه دائما “أسطورة” على غرار مارلين مونرو وألفيس برسلي. ولقد شعر من يقف وراء فيلم This is It بأنّ ملايين النّاس في مختلف بقاع الدّنيا اهتزّوا لموت مايكل جاكسون واهتموا بظروف وفاته وهم يريدون اليوم أن يجعلوا منه “أسطورة”، وفي هذا السّياق يمكن فهم النّجاح الباهر الّذي لقيه هذا الشّريط في أكثر من مائة قطر. وقد وعد “كيني أورتيجا” Kenny Ortega مخرج الفيلم جماهير ملك البوب ومحبيه بأنهم سيستمتعون بمشاهدة فيلم يريهم مايكل جاكسون كما لم يروه من قبل أبدا، والمؤكد أن الآلة التي تصنع النّجوم في الولايات المتحدة الأميركية، تستثمرهم أحياء وأمواتا ما دامت هناك إمكانية جني أرباح من ورائهم.
بين جاكسون وطارق
وفي تونس أقبل الجمهور على مشاهدة شريط “هذا هو” بإعجاب ومتعة وانبهار، وبفضل المنتج طارق بن عمار وشركتهQuinta Communications أمكن عرض الشريط في تونس في نفس اليوم الذي بدأ فيه عرضه في بقية دول العالم الأخرى. وبين التونسي طارق بن عمار ومايكل جاكسون قصة: فقد تولى المنتج السينمائي العالمي بن عمار، (ابن أخ الراحلة وسيلة بورقيبة زوجة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة) طيلة عامين إدارة شؤون مغني البوب الشهير مايكل جاكسون ونظم له بين 1996 و1998 أكثر من 52 حفلا في أكثر من عشرين بلدا من بينها تونس، وكان على امتداد تلك الفترة مرافقا له، قريبا منه وساهرا على ضمان النجاح الباهر له. وقد نجح في جلب ثلاثين مليون متفرج له في حفلاته التي أقامها في فرنسا فقط وتكفل بمسؤولية الجانب المالي وإبرام العقود، كما عمل مستشارا له مكلفا بـ”تلميع” صورته وتغيير نظرة الناس إليه في فترة عانى فيها المطرب الأميركي من حملة لتشويهه.
ويقول طارق بن عمار عن تلك التجربة: “لقد سعيت لأن أقدم مايكل جاكسون للناس كما عرفته عن كثب، أي كشاب متواضع ودود وخجول”. ويدافع عنه بحماس واقتناع، مؤكدا أنه “كان ضحية مساومات” مضيفا: “لقد دعاني أنا وزوجتي وأبنائي إلى “نيفرلند” (مقر إقامته الشهير) ونزلت ضيفا عنده واستقبلني بكل لطف وحرارة وهو في الحياة مختلف عن صورته عندما يغني فوق المسرح....” وعند وفاته أدان طارق بن عمار في تصريح لإذاعة “أوروبا 1” الأطباء الذين شوهوا وجه ملك البوب ووصفهم بالمشعوذين والمجرمين الذين استغلوا المطرب العالمي ليغنموا أموالا طائلة من ورائه.
براعة وتأثير
الشّريط السينمائي يظهر براعة مايكل في جذب الملايين عندما يغنّي، ممّا أعطاه خصوصيّة وتميزا حتّى أنّه أصبح ملهما للموضة. ولقد قدّم مصمّم أزيائه شهادته في الفيلم، مشيرا إلى أنّ خصوصيّة مايكل جاكسون تبرز في أسلوبه في الغناء، ولكن أيضا في أسلوبه في اللّباس وفي مظهره الخارجي، وفي كلّ جولة غنائيّة كان يتجند له عشرات المصممين للأزياء وللأحذية وعدد من المختصين في كل جزئية تظهر على المسرح، وهناك إجماع على أنّه فنّان موهوب وملك البوب بحقّ، فقد تتلمذ على العمالقة منذ أن كان طفلا، ونجح في أن يبني مجده الفنيّ من خلال أسلوب خاص به. إنّه فلتة. ويقول النّقّاد أنّه أحد ثلاثة كان لهم تأثير كبير جدّا على الثّقافة العالميّة وهم: ألفيس بريسلي ومجموعة البتلز، ومايكل جاكسون.
مايكل وأفريقيا
ويظهر الشّريط الوثائقي الوجه الغنائي المشرق لمايكل في جولته الأفريقية، ففي يوم 11 فبراير 1992 حطّت طائرة مايكل جاكسون في مطار” ليبرفيل” قادمة من لوس أنجلوس، وكانت اللاّفتة المرحّبة به كتب عليها: “مرحبا بك مايكل في بيتك”، وهكذا انطلقت جولة فنيّة لمايكل على امتداد أسبوعين في القارّة السّمراء غنّى خلالها بساحل العاج وتنزانيا وكينيا ومصر والجابون.
ويرى النقاد أن مايكل جاكسون هو “أكبر” اليوم ميّتا أكثر ممّا كان عليه عندما كان حيّا، ففي آخر أيّامه كان “نجما” محطّما، فحتّى الجولة الّتي كان يعتزم القيام بها في بريطانيا لإقامة مجموعة حفلات كانت محلّ أخذ وردّ، واستغلّ المنتجون السّينمائيون حالة التّعاطف معه بعد موته لإنجاز هذا الشريط السينمائيّ الوثائقيّ الذي يروي حياته ويظهر مقتطفات من حفلاته ويسجّل انطباعات العاملين معه.
تساؤلات نفسية
أراد مايكل ـ مثل الفراعنة ـ أن يبقى خالدا وكاد أن يحنّط نفسه، والمتفرّج على الشّريط لا يمكن له إلا أن يتساءل: ما هي الدوافع النفسية والاجتماعية والفنية التي جعلت الشاب الّذي ولد وترعرع في ضواحي مدينة “شيكاغو” يتنكّر للون بشرته الأسود؟ وما هي أسباب سعيه للاقتراب من البيض؟ إنّه بقي “أسودا” في لون أغانيه، في إيقاعاته، في رقصاته وفي كلمات أغانيه، ولكنه أراد ورغب وعمل على استبدال لون بشرته. والمؤكد أن محبيه تقبلوا منه ذلك وتناسوا كلّ ما أحاط به من تهم وقضايا، وبقيت صورة الفنّان المتعاطف مع الفقراء والمحتاجين هي الراسخة لدى عشاق فنه، وقد حقّق جاكسون الرّقم القياسي، إذ باع من أحد إسطواناته 118 مليون نسخة. وبعد موته اشترى الفرنسيّون وحدهم 500 ألف (سيدي - قرص مدمج) من أغاني جاكسون خلال شهر واحد و4 ملايين نسخة في الولايات المتّحدة الأميركيّة.
ثروته وديونه ووصيته
كان جاكسون ينفق بين 20 و30 مليون دولار كل عام، وهو مبلغ يفوق ما كان يغنمه ويكسبه بكثير ـ وفق ما أوردته “وال ستريت جورنال” ـ، وهذا ما يفسّر أنّ ديونه بلغت عند موته 400 مليون دولار، ولكن المؤكّد أنّ أرباح جاكسون بعد موته ستكون كبيرة جدّا وسيكون أكثر غناء وثراء ـ وهو ميّت ـ ممّا كان عندما كان حيّا يرزق علما وأنّه أوصى بثروته لأمّه وأبنائه واستثنى والده، ومن المتوقّع أن تكون مداخيل أغاني جاكسون 50 مليون دولار كلّ عام!
بقيت الإشارة إلى أن الفيلم لم يتعرّض إلى حقيقة ما قيل وكتب من أنّ مايكل اعتنق الإسلام، كما لم يقع التّطرّق في الشريط إلى زيجاته وأبنائه، وكلّ ما أثير حول هذه المسائل من تساؤلات.
عن جريدة الاتحاد
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |