Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

بعد "جيوب مثقلة بالحجارة" في طبعته الثالثة .. فاطمة ناعوت تصدر أثر على الحائط لفرجينيا وولف

2010-01-17

خاص ألف

مع مقدمة المترجمة ومقدمة د . محمد العناني

عن "المركز القومي للترجمة"، صدر كتاب "أثرٌ على الحائط"، مختارات قصصية للبريطانية الرائدة "فرجينيا وولف" (1882-1941)، من ترجمة وتقديم الشاعرة المصرية/ فاطمة ناعوت، مراجعة وتصدير عميد المترجمين العرب/ د. محمد عناني. يضمُّ الكتابُ، الذي يقع في 250 صفحة، عطفًا على القصص، توطئةً تُقدّم خلالها المترجمةُ مُدخلا ومفاتيحَ لقراءة وولف، التي وصفتها بأنها مهمةٌ ليست سهلة. ذلك أن وولف، فضلا عن كونها إحدى رائدات مدرسة تيار الوعي التي شكلت ثورةً على السرد التقليديّ ابن القرن التاسع عشر، بكلِّ ما يحملُ تيارُ الوعي من سماتٍ حداثية مركبة مثل التداعي الحر للأفكار، المونولوج الداخلي، المنظور التعدديّ، وسواها من التيميات التي تزيد العملَ تركيبًا، إلا أن وولف تميزت بتقنيات سردية أخرى هي: الالتفات في الضمائر، أنسنة الجماد، تضفير الواقعيّ بالمُتخيَّل، واختراق الأجرومية اللغوية، إضافة إلى الطول المفرط لجملتها السردية التي قد تصل إلى صفحات، ما يُزيد أعمال وولف تركيبًا بنائيًّا وصعوبةً في التلقي. لذلك تقدم ناعوت للقارئ بعض المفاتيح التي تُيسر دخول عالم وولف الفاتن، على صعوبته، كما تتكلم عن الأسلوب الذي نهجته في ترجمة وولف.

يقول الدكتور محمد عناني في تصديره الكتاب: إن ناعوت نجحت "في تمثّل أبنية فرجينيا وولف واستيعابها قبل نقلها بلون من المحاكاة يقترب من الإبداع الجديد، فهو بلغة جديدة، وهو ترجمةٌ، والترجمةُ بمعناها الاشتقاقي نقل للمكان، تنقلنا من مكان إلى مكان، فتعيد المترجمة بناء المواقف الشعورية في القصص الأصلية بلغة الضاد، متيحة للقارئ العربي فرصة الإطلاع على فن فرجينيا وولف ولو اختلفت اللغة. والمترجم الذي يختار هذا المركَّب الصعب لابد أن يكون مبدعًا أولاً، حتى يستطيع إبداع النص الإبداعي الجديد".

يُذكر أن هذا هو الكتاب الثاني الذي تقارب فيه الشاعرةُ فاطمة ناعوت حقلَ فرجينيا وولف السرديّ، بعد كتابها الأول "جيوبٌ مثقلةٌ بالحجارة" 2004، الذي صدرت طبعته الثانية، عن المركز القومي للترجمة 2009، ثم صدر قبل أيام عن مكتبة الأسرة، بمراجعة وتصدير د. ماهر شفيق فريد، ويضمّ الكتابُ دراسةً مطوّلة عن تجربة وولف السردية، وترجمةً لإحدى نوفيلاتها الطويلة إضافة إلى حوار تخيليّ مع فرجينيا وولف. ويعد "أثرٌ على الحائط" الكتاب الرابع عشر من إصدارات ناعوت التي تنوعت ما بين الدواوين الشعرية والترجمات والنقد. كما تنتظر صدور ترجمتها رواية "نصفُ شمسٍ صفراء" عن الإنجليزية للكاتبة النيجيرية الشابة تشيمامندا نجوزي أديتشي، عن سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب، مع معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد أيام.

فيما يلي تنشر ألف مقدمة المترجمة وتصدير المراجع الدكتور محمد عناني


فرجينيا وولف، الفَرَسُ الحَرُون

فاطمة ناعوت


قراءةُ فرجينيا وولف ليست مهمّةً سهلةً. على أنها برغم ذلك، وحتمًا بسبب ذلك ، متعةٌ عَزّ نظيرُها. تعْمَدُ وولف إلى نَحْتِ جُمَلٍ شديدةِ الطول والتركيب، وتنهجُ تيمةَ تيار الوعي، والتداعي الحرِّ للأفكار، والمونولوج الداخليّ، والْتِفات الضمائر، وكذا تذويبِ الجُدُر الفاصلة بين المرئيّ الملموس والفانتازيّ المُتخيَّل. كلُّ ما سبق يجعل كلَّ قطعةٍ من أعمالها كأنما فَرَسٌ حرون، لا قِبَل لترويضه أو توقُّع خطوته القادمة، وهنا مكمنُ الفنِّ الرفيع ومتعة التلقي، ومكمنُ الصعوبة أيضًا. لكنْ على القارئ ألاَّ يتوقّعَ تلك المتعةَ التي يهبُها له عملٌ كلاسيكيٌّ قائمٌ على السَّردِ الحكائيِّ والتراتبِ الحَدَثيّ، والحبكةِ الدراميّةِ، والشواهدِ والتوالي، والعقدةِ والحلِّ؛ ذاك أن فرجينيا وولف ليست حكّاءةً، بالمعنى المفهوم؛ (اللهم إلا في قصة "الأرملةُ والببغاء"، التي أثبتت فيها وولف أنها ساردةٌ ممتازةٌ أيضًا، وقد تكون قصةً حقيقية كما قالت وولف)، بل هي، وولف، تجريبيةٌ جامحةٌ لا تعتدُّ بالحَدَثِ ولا بالشيء، بل "بأثر" هذا الحدث على ذلك "الشيء".

وكان أمامي خياران حال التصدي لترجمةِ تجربةٍ شائكة، وفاتنة، كتلك. إما أن أنتصرَ "للمعنى"؛ أي الفكرة والمضمون، على حساب "المبنى"؛ أي التكنيك الفنيّ. فأعيدُ، إذّاك، ترتيبَ ثم صياغةَ جُملةِ وولف المشظّاة على نَسَق أجروميتنا العربية، ما يسهّل على القارئ مهمتَه. أو، بالمقابل، أن أنتصرَ "للأسلوب" الذي اختارته وولف لتجربتها الرائدة، على ما فيه من صعوبة على القارئ، وعليّ كمترجمة. وكان أنْ طرحتُ على نفسي سؤالاً هو: هل وظيفتي كمترجمة نَقْل "ما" تقوله وولف؟ أم نقل "كيف" تقوله"؟ ولم أتردّد واخترتُ الخيارَ الثاني، الأصعب. ذاك أنّ النصَّ، في الخيار الأول، سيفقد، حتمًا، جزءًا ليس يسيرًا من فِتْنَته. لأننا ببساطة سنضحي، إذّاك، بتقنية وولف الخاصة، التي لا تشبه إلا نفسَها. فجزءٌ كبيرٌ من متعة قراءة وولف يكمنُ في تلك الرعونة اللغوية، والجموح الصَّوغيّ، وتهشيم الجملة والحدث، والارتباك الفنيّ المقصود. بل إن ذلك الخيارَ، الأول، سيكون بمثابة إزاحة تجربة وولف الإبداعية من مدرسة فنيّة إلى مدرسة أخرى! من التجريب إلى التقليد. ومَنْ ذاك الذي يمتلكُ جسارةَ ارتكابِ جريمة كتلك؟! إنْ هذا إلا عبثٌ بمنظومةٍ جمالية رفيعة أنشأتها وولف وأضرابُها من روّاد تيار الوعي. بل إن وولف ذاتَها سخرت كثيرا في مقالاتها من المدرسة التقليدية ابنة القرن ال19. قائلةً إن تلك الروايات التبشيرية الأنيقة منتظمة المبنى والمعنى تشبه محاولتنا تنسيق غابةٍ كثيفة شعثاء، وتعليم الضواري التي تسكنها فنونَ الإيتيكيت وطقوس الأكل بالشوكة والسكين، وهو وإن كان مستحيلا، إلا أنه أيضا ضدٌّ للطبيعة ومحاولةٌ لوأد رعويتها الفاتنة. لذلك حاولتُ قدر الإمكان الإبقاءَ على طرائقها في تفتيت الجملة، وتشظية الحدث، وكسر استرسال السرد المتعمَّد. فقد يعثرُ القارئُ بجملة بدأتها وولف، ولا تكتملُ إلا بعد صفحةٍ أو صفحتين ربما. أو يصادفُ فِعْلاً لا يُعثر على فاعله إلا بعد عدة جمل اعتراضية طويلة. كذا سنصادف عند وولف جُمَلاً غيرَ مُكْتَمِلة، ومعانيَ ناقصةً على القارئ أن يُتمَّها من لدنه. وقد تنتهي فقرةٌ كاملةٌ تصلُ قرابة الصفحة والمبتدأ أو الفاعل أو الفعلُ لا يزالُ مجهولاً. فمثلاً في قصة "الفستانُ الجديد"، لن يعرفَ القارئُ ما المقصودُ بـ: "لم يكن جميلاً ولا مناسبًا" إلا بعد سردٍ طويلٍ وغامضٍ لا يُسْلِمُ نفسَه بسهولة. وأحيانًا تخترق وولف قواعدَ النحو الإنجليزيِّ فتحذفُ من الجملة أحدَ أركانِها الرئيسية مثل الفاعل أو الفِعل ذاته، وفي أوقات كتلك كنتُ إما أنقلُ الجُملةَ كما هي؛ إن كانت فنيّتُها متأتيةً من هذا النقصان، أو أُضطر إلى إعادة صياغتها على نحو مفهوم مخافةَ الطِّلَّسْميَّة نتيجةَ ارتحالِ العبارةِ بين لسانيْن عبر فعل الترجمة. هكذا تطرحُ وولف عبر قصصها فيضًا من إشراقاتِ الوعي، والتماعاتِ الذاكرة والتأمل، عبر خطوط سردية متقطّعة النَفَسِ، ليس من رابطٍ لها إلا وعي الراوية، الذي سوف يأخذ وظيفتَه وعيُ القارئ؛ باعتباره مُشارِكًا في عملية الكتابة. هكذا اخترتُ أن أنتصرَ للفنّ وإنْ شققتُ على القارئ قليلاً، فالفنُّ الجميلُ يلزمُه جهدٌ ومشقّة، ليس وحسب من صانعه، بل من مُتَلقيه أيضًا.

ينقذُنا من تلك المتاهات أمران. أولاً: تتبُّعُ السيموطيقا التي ترسمُها لنا وولف كدليل على تسلسل السرد، عن طريق علامات الترقيم. ذاك أن وولف، تَعتبرُ أدواتِ الترقيم جزءًا أصيلاً من بناء جملتها، لا تكتمل دونَه. فقد تبدأ وولف الجملةَ ولا تكملها، كأن تضع الفاعلَ مثلاً (الذي هو مبتدأٌ في لغتنا، لأن الجملة الإنجليزية اسميةٌ دائما، لا فعلية مثل العربية)، ثم تفتح جملة اعتراضية كبيرة بعد فُصْلَة (،) وبعدما تنهيها تضعُ الفعلَ الذي يُكْملُ الجملةَ الأولى. وربما أيضًا تتخللُ هذه الجملةَ الاعتراضيةَ مجموعةٌ أخرى من الجمل التكميلية، فنجد الجملةَ التي بدأت في أول الصفحة قد تكتمل في نهايتها. ولذا؛ فعلاماتُ الترقيم تلعبُ دورًا أساسيًّا في لملمة شِتات الفكرة المُشَظاة عبر السرد. لذلك راعيتُ في ترجمتي أن أنقلَ تلك العلاماتِ بمنتهى الأمانة وفي مواقعِها التي شاءتها وولف. وهذه هي الترقيمات التي استخدمتْها وولف ووظائفها: (، الفُصْلة: للعطف، أو لبداية جملة اعتراضية| ؛ الفُصْلة المنقوطة: ما يليها تفسيرٌ لما قبلها| - الشَّرْطَة الأفقية: انتقال بين العالميْن: الواقعيّ والخياليّ، وقد يكون فراغًا في السرد متعمّدًا من وولف ليكمله القارئ من لدنه|. النقطة: نهاية الجملة).

وثانيًا: تنضيدُ الحروفِ العربية أو تشكيلُها. وقد راعيتُ ألا أبخلَ بتشكيل الحروف، التي أراها جزءًا أصيلاً من الحرفِ العربي، من دونها تختلُّ طاقةُ الإيصال، ويختلُّ، كذلك، الجَمالُ والاكتمالُ السيموطيقي للحرف العربي الساحر. هذان العاملان: الترقيمُ والتشكيلُ، سيكونان عونًا للقارئ كبيرًا في فهم جملة وولف المُرْبِكة، وتمييز الفاعلِ في الجملة، عن المفعول. ومع هذا لا نَعِدُ دائمًا باكتمالِ جملةٍ أو معنًى حالَ الكلام عن فرجينيا وولف، وهنا مكمنُ جمال كتابتها وفرادتها. فَسِرُّ اكتمالِ نصِّها هو النقصُ.

كذلك عَمَدْتُ إلى وضع بعض الهوامش التوضيحية من أجل تذويب جُدُر صعوبة السرد لدى وولف. وقد ميّزتُ هوامشي بعلامة (ت)، بما يعني: المترجمة، كيلا تُحسَب على النصّ الأصلي فتُثقلُه، أما الهوامش الأخرى فنسبتُها إلى مصدرها. وكذا وضعتُ أصولَ بعض الكلماتِ في لُغتها الإنجليزية؛ حالَ رَغِب القارئُ في البحث عن معنى الكلمة بنفسه، لا سيّما إذا كانت مُصطلحًا عِلميًّا أو اسمَ طائرٍ أو حيوانٍ أو مكان. لأن وولف تتوجه بالأساس إلى قارئها الإنجليزيّ العليم بتاريخ المملكة المتحدة وجغرافيِّتها، ومن ثم ستكون تلك الهوامشُ مفيدةً للقارئ العربي. أما الكلماتُ التي أرادتْ وولف أن تؤكدَها عن طريق كتابتها بحروف كبيرة Capital Letters، فميزناها في الترجمة عن طريق كتابتها بحروف مائلة أو ثقيلة.

وتجدر الإشارة إلى بعض تقنيات وولف الأسلوبية[2]، كما رصدتُها خلال عملية الترجمة. ذاك أن الترجمةَ عمليةُ قراءةٍ فوق العادة، وأداةٌ دقيقة لسبر جوهر النصِّ تقنيًّا وفنيًّا، وليس وفقط، مضمونيًّا.

من هذه التقينات تيمة: "الالتفات في الضمائر". نجدها تنتقلُ برشاقةٍ في التعبير عن الموجودات خلال الإشارة إلى ضمائرها في وثباتٍ مباغتةٍ تستلزم من القارئ تركيزًا وإعادةَ قراءة. فقد تتكلمُ وولف، مثلما في "المرأة في المرآة"، عن امرأةٍ ما، تُشبِّهُها بنبتة اللبلاب، ثم تستطردُ في وصفِ النبتة عبر مفردات المرأة، ثم وصفِ المرأة عبر مفرداتِ النبتة، ثم تشبّه "المقارنة" بينهما أيضا بنبات اللبلاب المُتَسَلِّق. فيغدو لدينا ثلاثةُ "مُشَبَّه، ومُشَبَّه بهم": عاقلٌ، هو "السيدة إيزابيلا"- غير عاقل، هو "نبات اللبلاب"- ثم ثالثًا، قيمة معنوية مجردة هي "المقارنة". ثلاثتهم تداخلت تشبيهاتُهم معا، وتداخلتْ ضمائرُهم، في تشابكٍ مُرْبكٍ ووثباتٍ سريعة بين الضمائر، مُدْخِلةً عينَها الخاصة كرَاويةٍ داخل الصورة ،أو عينَ أحدِ شخوص العمل، ما يصنعُ بِنْيَةً مُركَّبة من الضمائر والرُّواة.

كذلك تيمتا "التَّداعِي الحُرّ للأفكار" و"المنولوج الداخليّ"، وهما من سماتِ تيار الوعي. ما قد يجعلُ الجملةَ ناقصةً أو مبتورةً أو غيرَ تامةِ المعنى. ذاك أن تيار الوعي في الكتابة الروائية لا يعتمد "الحَدَث" واكتمالَه، بل يتكئ بشكل أساسيّ على بثِّ طاقةٍ نفسيةٍ في روح القارئ وذهنِه، من خلال استقطارِ تداعياتِ الذاكرة التي يطرحُها المؤلف. لذلك قد ترى، كما في "الفستان الجديد"، حيث: "مايبيل ارتقتِ السُّلم سريعا ودخلت إلى،..." ثم لن تكتمل الجملةُ، سوى أننا سنفهم من خلال التواتر أنها دخلت غرفتَها على عجلٍ حيث المرآة في الركن، كي تتأكدَ من بشاعةِ فستانها الجديد. أو أن تكونَ القصةُ ذاتُها غيرَ مكتملةٍ كأنها مسوّدةٌ في طور الكتابة، كما في "رواية لم تُكتَب بعد". وبطبيعة الحال، فإن القارئ الذي على صلة بكتابات فوكنر وجويس وبروست سوف يكون من اليسير عليه الدخول إلى عالم وولف.

الإيقاعُ الزمنيّ هو أحد أهم تيمات وولف. كثيرًا ما سوف نرصدُ تزامُنَ حدثيْن في وقتٍ واحد. حدثان، إما حدثا في وقتٍ واحد، أو أن حدثًا منهما قد استدعى الآخرَ من الذاكرة. أو أن حدثًا واحدًا قد حدثَ بالفعل، فيما الآخرُ محضُ خيالٍ استدعائيّ. صوتُ دقاتِ جرسِ كنيسةٍ ربما يُؤوِّله الراوي على أنه نشيجُ نساءٍ باكيات، وعلى القارئ أن يستنتجَ أن لا نساءَ ثمة، لكنه تأويلُ السامع، إذْ إن فرجينيا لن تُصرّحَ مطلقًا بأنه محضُ استحضار صوتيّ من خيال السامع. تلك التشابكاتُ الحَدَثية-الزمنية تحتاجُ من القارئ نوعًا من التيقُّظ لفكِّ اشتباكات الخيوط؛ كيلا يُفلتَ تسلسلَ السرد– المتقطّع– من يديه. فالزمنُ يتشظَّى على مستوياتٍ عدّة عند وولف. ربما تحكي لنا عن "الأثر" ثم تعودُ بنا إلى الوراء كي تشرحَ لنا كيف تكوّنَ ذلك الأثرُ. كما في قصة "منظر خارجيّ لكليّة البنات"، نسمعُ "ضحكةً" أنثويةً تأتي من وراء أحد الأبواب، وبعد أحداثٍ كثيرة نقرأ حوارًا تمَّ بين بعض الطالبات، وفي نهايته ستأتي تلك الضحكةُ.

بطلُ القصة عند وولف ليس بالضرورة كائنًا حيًّا. فقد يكونُ البطلَ فستانٌ أصفرُ بشعٌ قُدّرَ لامرأةٍ أن ترتديه، فيسبِّبُ لها عذاباتٍ لا تنتهي، أو علامةٌ صغيرةٌ على الحائط تجلسُ أمامه الرَّاويةُ لتفكر في العالم بأسره دون مقدرةٍ منها على النهوض لاستكناه كُنْه تلك العلامة، أو قد يكونُ البطلَ مرآةٌ ترصدُ سيدةً حزينة، كما في قصة "المرأةُ في المرآة"، حيث لن نقدرَ أن نحدد من هو بطلُ العمل. هل المرآةُ التي تحتضن المَشَاهد على نحو واقعيٍّ تارةً، وعلى نحوٍ فانتازيٍّ واهمٍ تارةً أخرى، أم السيدةُ إيزابيلا العانسُ الوحيدةُ التي هي هدفُ المرآة، أم تُرى البطلُ هو العينُ التي ترصد، من بعيد، كلَّ هذا عبر صفحة المرآة؟ وهي عين الراوي التي يتحدث، ذاك الذي أعطته وولف اسم "المرء"، ولم يشتركْ أبدًا في الأحداث، إن كان ثمة أحداثٌ، إلا بقدر ما يرصدُ ويتخيلُ ويحلِّلُ ويعرِّي السيدةَ إيزابيلا، حتى تسقطَ عنها كلُّ غِطاءاتها وتنتصبُ في الأخير كيانًا خاويًا من كل شيء، عدا الوحدة والحَزَن والشيخوخة. قد يكونُ البطلَ شبحانِ يتفقدان بيتهما القديم قبل أن يموتا، أو صورةٌ ساكنةٌ لا تلبثُ أن تزخرَ بالحياة، وهَلُمَّ جرًّا. ورغم كلِّ هذا التعدّد، إلا أن القاسمَ المشتركَ الأعظمَ لدى شخوص وولف


















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow