هتلر ويونس البحري / هنا برلين – حي العرب
خاص ألف
2010-01-16
إذا كانت الحرب هي فن الخدعة ، و إذا كانت الغايات تبرر الوسائل من وجهة نظر براغماتية ، يبدو لنا أن قصص التجسس هي آخر خيط بسيط من نفوس معقدة تعاني من قهر التاريخ و المجتمع. و في هذه المنطقة نادرا ما نستطيع فصل الواقع عن الخيال. و يتكون هذا المثال الذي نقتطفه من مقدمة الجزء الخامس لكتاب الصحفي العراقي المعروف يونس بحري ( هتلر و نحن ) من خلطة عجيبة عناصرها هي روح الفكاهة و المغامرة و الفروسية ، مع مرارة تتطور من خلف الصور و الوقائع ، و إنها نفس المرارة الناجمة عن لقاء رموز الثقافة المهزومة و رموز الثقافات العرقية التي ترشّّح خطابها للانهيار.
مزيد من التفاصيل عن ظروف تأليف الكتاب و علاقة يونس بحري مع هتلر و النازية تجدها في مقالة متسلسلة بعنوان : ( حياة مثيرة – مذكرات عراقية في برلين خلال الحرب العالمية الثانية ) لمعن عبدالقادر آل زكريا المنشورة على حلقات في الطبعة الدولية من صحيفة الزمان. الحلقة الأولى في العدد 3842 بتاريخ 4 كانون الثاني 2010 .
الجانب الآخر لهذا الكتاب ، و هو الأهم ، و الذي بقي في طي الكتمان ، هو العلاقة الحقيقية بين شخصية هتلر كزعيم لأمة و كقائد و مؤسس لحزب اجتماعي و قومي ، مع الحضارة و مع التاريخ. و نعتقد أن صورته الحالية ( المعروفة للجميع و المبتورة لأنها من غير نهاية ) هي تعبير عن فداحة الضريبة التي تدفعها الإيديولوجيا المهزومة حسب قوانين الخطاب و البنية المفترضة.
لقد كان الإسقاط الذي حمل هتلر أوزاره مركبا ، و اندمجت فيه مبالغات غير معرفية ، مع جهل صحافي و إعلامي ، و لا شك أن زعماء آخرين يحملون نفس السمات و نفس الكاريزما ( مثل أتاتورك مؤسس تركيا العلمانية ، و بونابرت الذي غير وجه أوروبا ) استطاعوا تحاشي هذه الضريبة ، و تمكنوا بفضل قراءة معاكسة للتاريخ من تنظيف الظلال الغامضة التي أحاطت بتفاصيل سيرتهم.
مجلة ألف
هنا برلين ، حي العرب ليونس بحري – مقتطفات
أعمال سرية و علنية
كان تعاوني مع ألمانيا الهتلرية تعاونا علنيا ذاع و شاع و ملأ الأسماع.. و صارت عبارة – هنا برلين ، حي العرب – التي كنت أستهل بها خطبي و أحاديثي و إذاعاتي في خمس إذاعات كل يوم .. تسير في العالم العربي و الدنيا بأسرها مسير الشمس في الشرق و الغرب !!.
لقد كانت أعمالنا تشمل طائفة كبرى من الأعمال التي تتفرع بالطبع عن أعمال الإذاعة. فلقد كان الرسل و المندوبون الذين زرعناهم في العواصم العربية و المغرب العربي يؤلفون خطرا داهما على الحلفاء .. بل كان خطرهم أشد و أكثر من الجواسيس و رجال الطابور الخامس الذين يبثون عادة بين صفوف العدو.. فالجواسيس تنحصر مهمتهم في جمع المعلومات و إرسالها..
و لكن رجالنا الذين اخترناهم بعد طول تجربة كانت لهم مهام سرية دقيقة للغاية .. أولها موافاتنا بالأنباء و المعلومات الصحيحة عن مواطن الضعف في سياسة البلاد العربية الكائنة تحت النفوذ البريطاني و الفرنسي و كذلك الإيطالي.. و الهولندي أيضا.
و منها إقامة المظاهرات و النسف و التخريب و على الأخص في المناطق الستراتيجية بالنسبة لنا نحن العرب بفلسطين و سوريا و لبنان و قطاع الموصل حيث توجد آبار النفط فيها و في كركوك .. و البصرة حيث ( 1 ) كان الميناء الرئيسي الذي جهزت منه روسيا بالذخائر و العتاد الحربي ضمن مشروع " الإعارة و التأجير .. " و من البصرة أيضا كانت الإمدادات تتدفق إلى العراق فمصر عبر فلسطين لتقوية الجيش الثامن البريطاني الذي سحقه المريشال رومل ثعلب الصحراء !.
باكورة العمل
لما وصلت برلين في الخامس من شهر نيسان 1939 شعرت و أنا أنزل من طائرة – لوفت هانزا – بأنني قد انتقلت من عالم إلى عالم جديد لم أكن قد عهدته من قبل تماما !.
نعم لقد زرت برلين مرارا عديدة و لي فيها ذكريات حلوة يلذ لي أن استعيدها كلما آنست في نفسي ميلا لاستقراء صفحات الماضي الحافل بالمغامرات و المبهجات و المزعجات.
لقد وصلت برلين في هذه المرة لأعمل .. و لأضرب بسيف الأثير حصون الاستعمار . لا لكي أدكها دكا .. بل لأهيء الأسباب لمن يدكها من الرجال الذين عاهدوا الله و الوطن العربي على استغلال قواهم و قوتهم المادية و المعنوية ، و الوصول إلى الهدف العربي من أقرب الطرق..
كان أول شيء فعلته بعد الأسبوع الأول من شروع إذاعة برلين العربية أن أبعث بعدد من أصدقائي العرب الخلّص إلى مختلف العواصم العربية في المشرق و المغرب لاختيار الأماكن التي يجب أن يعمل فيها مراسلونا المغاوير و سلمناهم آلات أخذ و إرسال على الكهرباء و البطريات ، و حملناهم جوازات سفر ديبلوماسية لكيلا تفتش حقائبهم و أمتعتهم في البلاد التي يمرون بها أو ينتقلون إليها.
متعاونون متطوعون
لقد بلغ الحماس أشده بين عدد كبير من الشباب العربي إلى درجة حملتهم على التطوع مجانا لمراسلتنا و الاتصال بنا و تزويدنا بالأنباء و الأخبار و المعلومات الثمينة التي كانت موادا دسمة لإذاعتنا العربية..
و لعل من المفيد أن أذكر أن هذا الشباب لم يقبل أي ثمن أو مكافأة على تعاونه معنا ، بل إن وحدة العقيدة في الدفاع عن الصالح العربي المشترك هي التي دفعت بهؤلاء الشباب لركوب متن الخطر و وضعهم أنفسهم تحت نيران و رصاص الحلفاء..
لقد كانت أنباء و مراسلات هؤلاء الشباب تصلنا عن طريقين : طريق مباشر ، و طريق غير مباشر فالذي يتصل بنا مباشرة يكون اتصاله بواسطة مندوبينا و مراسلينا السريين.
و الذي كان يتصل بنا بطريق غير مباشر فكان عليه أن يبعث بحصيلته عمن طريق إستامبول حيث كان مراسلنا فيها شخصية عربية كبيرة ، و كان يجمع ما يحصل عليه يوميا و يسلمه إلى أعوان و وكلاء القنصلية الألمالنية في إستامبول. ثم ترسل القنصلية إلينا رزمة الإذاعة العربية بما فيها من رسائل و صحف و انباء في البريد الديبلوماسي ( كوربي ) صباح كل يوم بالطائرة.
...............................
هتلر باللباس العربي
كان أول شخص عربي اتصل بنا و نحن لا نزال في الشهر الأول من عمر الإذاعة العربية من برلين الصديق الحاج إبراهيم قرنفل من بيروت – لبنان !! .
فلقد كتب لي الحاج إبراهيم رسالة مطولة طافحة بالأنباء و الحوادث .. أذعتها مشفوعة بالشرح و التعليق ، و كان لحوادثه الوقع المستحب على أذن السامع العربي.
إن الحاج إبراهيم قرنفل كان يكتب إلى هتلر رسالة واحدة في كل عام منذ سنة 1936 أي بعد دورة الأولمبياد العالمية في برلين ، و قد حدد موعد رسالته في يوم عيد ميلاد هتلر في 20 نيسان من كل سنة !!.
لقد شرعنا بالإذاعة العربية في يوم 7 نيسان 1939 ، و في يوم 18 نيسان 1939 سلمني ساعي البريد طردا كبيرا ( 1 ) من بيروت و هو مرسل بالطائرة !.
و فتحت الطرد فوجدت فيه رسالة إلى " الزعيم " هتلر ... و رسالة إليّ شخصيا .. و تحت الرسالتين وجدت كسوة عربية فاخرة من الطراز الذي يرتديه أمراء العرب ، عباءة سوداء مزركشة بالقصب المذهب ، و عقال مذهب على غرار أشراف الحجاز..
لم أتمالك نفسي من شدة الضحك عندما قرأت رسالة الحاج إبراهيم قرنفل الذي أرسل هذه الهدية الثمينة إلى هتلر بمناسبة عيد ميلاده !!. ذلك لأنه يرجوني أن أطلب إلى هتلر بعد أن أقدم إليه الهدية القرنفلية ، أن يلبس الكسوة العربية و يتصور بها .. ثم أبعث بالصورة إلى بيروت .. إلى الحاج إبراهيم قرنفل !.
هوامش :
1 –2 - وردت هنا أخطاء نحوية او ربما طباعية و قمنا بتصحيحها تلقائيا.
من كتاب ( هتلر و نحن ) للعراقي يونس بحري – الجزء 5 - مطبعة الجهاد – بيروت . ص 22 – 25 .
×××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |