" المرحلة النبيلة " و " بريق الإيمان " في السياسة الخارجية الأمريكية / نعوم شومسكي / الترجمة :
2010-01-24
سوف يدرك كل من يهتم بهاييتي ، تلقائيا ، كيف تخرج مأساتها الحالية إلى النور. و بالنسبة لمن لديه ميزة أي تواصل مع شعب هذه الأرض المعذبة ، لا مندوحة أمامه من ذلك و ليس تلقائيا فقط. و مع ذلك ، نحن نقترف خطأ جسيما لو حصرنا تفكيرنا بتسلسل أحداث الماضي القريب ، أو بهاييتي وحدها. إن المسألة الحاسمة هنا هي في ما يجب أن نفعل تجاه ما يجري. هذا صحيح حتى لو أن خياراتنا و مسؤولياتنا محدودة ، و هذه هي حقيقة الحال إلى حد بعيد حينما تكون الأعباء كثيرة و حاسمة ، كما هو مثال هاييتي. و علاوة على ذلك هذا أيضا واقع الحال لأن مجريات الوقائع المقلقة و المرعبة متوقعة منذ أعوام مضت ، و لو أننا أخفقنا في التعامل معها و من منعها. لقد فشلنا فعلا. الدروس المستقاة واضحة ، و هي مهمة ، و ستكون موضوعا يوميا لمقالات الصفحة الأولى في الإعلام الحر.
إن مراجعة ما يحصل في هاييتي من فترة قصيرة بعد أن " استعاد " كلينتون " الديمقراطية " عام 1994 ، يوجب أن أستنتج ، بكل أسف ، كما فعلت في مقال نشرته في مجلة زد Z Magazine " إنه ليس من المستغرب أن تؤدي عمليات هاييتي إلى كارثة أخرى " ، و لو صح زعمي ، " ليس شأنا صعبا أن نتوصل إلى العبارات المعروفة التي سوف تشرح لنا إخفاق مهمتنا في خلق توازن ضمن مجتمع فاشل ". و الأسباب واضحة لكل شخص اختار أن يلقي نظرة. فالعبارات المكررة يتردد صداها من جديد ، و على نحو محزن و متوقع.
و هناك اليوم نقاشات عديدة و عنيدة تبين ، على نحو صحيح ، أن الديمقراطية تعني أكثر من اللهو بعتلة كل بضعة أعوام. للديمقراطية الفعالة شروط مسبقة. إحداها أن للجماعات طريقة ما لتفهم ماذا يحصل في العالم. و العالم الحقيقي ، و ليس الصورة التي تعكس نفسها لنفسها كما يقدمها " الإعلام المؤسساتي " ، و الذي ينحرف عن اتجاهه بسبب " خضوعه لسلطة الدولة " و " العداء المعروف للحركات الشعبية " – بالكلمات الحرفية لبول فارمير ، و الذي ربما كانت أعماله حول هاييتي ، بطريقتها الخاصة ، ملحوظة بمقدار ما أنجز داخل هاييتي. كتب فارمير عام 1993 ، و هو يناقش البنود الأساسية و يكتب أخباره عن هاييتي ، صفحات قديمة مشينة تعود إلى عام 1915 حينما شن ويلسون حملة استعمارية مدمرة و عنيفة ، ثم منذ تلك الفترة و حتى الآن. الحقائق موثقة إلى حد بعيد ، و هي مدعاة للعار. كما أنها تعتبر ليست ذات علاقة للأسباب المعروفة التالية :
إنهم لا يخضعون للصورة التي ترغب بها الذات ، و لذلك هم مطمورون في حفرة الذاكرة البعيدة ، مع أنه من الممكن أن ننقب عنهم بواسطة المهتمين بالعالم الحقيقي و لو قليلا.
و نادرا ما يتم العثور عليهم في " المؤسسة الإعلامية ". و بالتمسك بالطرف الأكثر ليبرالية و معرفية من الطيف ، إن النسخة القياسية تجدها في " الدول الفاشلة " مثل هاييتي و العراق و هنا تصبح الولايات المتحدة مشغولة بـ " بناء الأمة " و التعويض من أجل " دفع عجلة الديمقراطية " ، و هو " هدف نبيل " ، و لكنه هدف قد يكون وراء أدواتنا بسبب عدم كفاءة حالتنا مع العزلة. في هاييتي ، بالرغم من جهود واشنطن المخلصة التي بدأت مع ويلسون و حتى ف د ر ( فرانكلين ديلانو روزفلت – ملاحظة من المترجم ) بينما البلاد ترزح تحت احتلال المارينز ، و كان " فجر هاييتي الديمقراطية الجديدة لم يشرق بعد ". و " لم يكن بمقدور كل أمنيات أمريكا الطيبة ، و لا كل رجال المارينز ، تحقيق < ديمقراطية معاصرة > ما لم يفعل ذلك الهاييتيون بأنفسهم ". ( هـ. د. س. غرينواي ، بوسطن غلوب ). و كما وجد مراسل نيويورك تايمز ر. و. أبل أنت تلمس قرنين من التاريخ يتعامدان في عام 1994 ، و ذلك في تعليقه على مسيرة كلينتون من أجل " استعادة الديمقراطية " ثم بشكل خفيف ، " بالإشارة إلى الفرنسيين في القرن الـ 19 ، و المارينز الذين احتلوا هاييتي من 1915 إلى 1934 ، لقد كانت تواجه القوات الأمريكية التي تحاول فرض نظام جديد مجتمعا معقدا و عنيفا و ليست له أية تجربة سابقة مع الديمقراطية ".
على ما يبدو أن أبل يبتعد قليلا خلف الموضوع في إحالته إلى عدوان نابليون البربري ضد هاييتي ، و تركها أنقاضا ، من أجل منع جريمة التحرير في أغنى مستعمرات العالم ، و التي هي مصدر معظم كنوز فرنسا. و لكن تلك المقاربة ربما كانت أيضا ترضي المعيار الأساسي للتسوية : و هذا ما تؤيده الولايات المتحدة ، و التي أثارها و أرعبها أن " أول أمة في العالم تناقش حالة الحرية الكونية و لجميع أفراد الجنس البشري ، و هذا يميط اللثام عن التعريف المحدود للحرية كما أعلنت عنه الثورتان الأمريكية و الفرنسية". و لذلك إن المؤرخ الهاييتي باتريك بيليغارد – سميث كتب ببالغ الدقة ليصف الرعب في دولة العبيد المجاورة ، و التي لم تعرف الراحة حتى حينما كان الصراع التحرري الناجح ، و كلفته الباهظة ، قد فتح الباب للتوسع باتجاه الغرب و ذلك بإجبار نابليون على قبول صفقة لويزيانا Louisiana Purchase ( 1 ) . و قد بذلت الولايات المتحدة ما وسعها لخنق هاييتي ، حتى أنها أيدت إصرار فرنسا على دفع هاييتي لفدية كبيرة لقاء جريمة تحرير نفسها ، و هو حمل لم تتخلص منه ، و إن فرنسا بالطبع رفضت بعزم مهذب طلب هاييتي ، و التي هي تحت حكم أرستيد الآن ، و كان عليها على الأقل أن تدفع الثمن ، متناسية مسؤولياتها التي يوجبها أي مجتمع متحضر.
و الحدود الأساسية التي قادت إلى المأساة الحالية واضحة تماما. و لنبدأ بانتخاب أرستيد عام 1990 ( و هي فترة ضيقة جدا ) ، لقد غضبت واشنطن بانتخاب عضو ذائع الصيت له جذور مع الممنوعات ، مثلما أغضبها قبل قرنين مصير أول بلد حر يتواجد على عتباتها في نصف الكرة الأرضية. لقد وافق حلفاء واشنطن التقليديين في هاييتي. يقول بيليغارد – سميث في وصفه التاريخي لهاييتي ( هاييتي : القلعة المؤمنة ) : " هناك رعب من الديمقراطية ، و هذه ضرورة مفروضة ، إنه رعب ينتشر بين مجموعات من النخبة التي تهيمن على السلطة الاقتصادية و السياسية". سواء كان ذلك في هاييتي أو الولايات المتحدة أو أي مكان آخر.
إن خطر الديمقراطية في هاييتي عام 1991 كان مؤشرا ينذر بالشر بسبب ردة الفعل المتكررة من مؤسسات التمويل الدولية ( البنك العالمي ، بنك التطوير الأمريكي ) تجاه برنامج أرستيد ، الذي أيقظ الاهتمامات القديمة بالأثر " الفيروسي " للتطور المستقل الناجح. هذه هي موضوعات معروفة في المسائل الدولية : حرض استقلال أمريكا اهتماما مماثلا بين قادة أوروبا. و يمكن اعتبار هذه الأخطار الشائعة جريئة بشكل خاص في بلد كهاييتي ، و التي نهبتها فرنسا ثم وصلت إلى بؤس متأزم من التدخل الأمريكي . لو أن الناس الذين يمرون بظروف من هذا النوع قرروا أقدارهم بأيديهم من يعلم ماذا سيجري في مكان آخر كلما " انتشر الخطر "
و استجابت إدارة بوش الأول للكارثة الديمقراطية بالانتقال من حكومة منتخبة ديمقراطيا إلى ما يسمى " القوة الديمقراطية ": و النخبة الغنية مع القطاعات التجارية ، و مع المجرمين العسكريين و النواب ، هم من حصد الثناء ممن في واشنطن حاليا ، و الذين يمرون في مرحلة ريغانية ، و ذلك لقاء " التطور الديمقراطي " ، و هذا تبرير لتقديم مساعدات جديدة. و قد جاء الثناء استجابة لتأييد الشعب الهاييتي لقاتل مأجور و مجرم مدعوم من واشنطن هو بيبي دوك دوفاليي الذي أقدم على تعليق الحقوق السياسية لجميع الأحزاب من غير سبب. و قد مر الاستفتاء بأغلبية 99.98 % . و هذا ترك علامة إيجابية كخطوة نحو الديمقراطية بالمقارنة مع موافقة بلغت نسبتها 99 % في تبني قانون 1918 الذي منح الشركات الأمريكية الحق لتحويل البلد إلى مزرعة أمريكية ، مع أن 5 % من سكان هاييتي اشتركوا في الاقتراع بعد احتجاز البرلمان الهاييتي بقوة سلاح المارينز الأمريكيين التابعين لويلسون حينما امتنع أفراده عن إجازة " هذه المعايير التقدمية ". و إن ردو فعلهم هل بيبي دوك و سياسته المشجعة نحو الديمقراطية كانت صفة عالمية من وجهة نظر الثقافة العالمة التي يتفانى أفرادها بإدخال الديمقراطية إلى عالم متألم – مع أنه ، بكل تأكيد ، كانت الأفعال مكتوبة مجددا ببراعة لإرضاء غرور الاحتياجات الحالية.
لقد اضطر اللاجئون الفارون إلى الولايات المتحدة من الرعب الناجم عن ديكتاتوريات مدعومة من أمريكا للعودة ، من جراء عنف لا مثيل له استهدف القانون الدولي الإنساني. و لكن هذه السياسة قد انعكست حينما استلمت مقاليد الحكم حكومة منتخبة ديمقراطيا. و مع أن سيل اللاجئين اختزل إلى أضعف الحدود ، حصلت معظم الحالات على حق اللجوء السياسي. و عادت السياسة إلى الظروف الطبيعية حينما قلبت جونتا ( 2 ) الطغمة العسكرية حكومة أرستيد بعد سبعة شهور ، و ارتفعت وتيرة شراسة رعب الدولة إلى قمة جديدة. و كان المعتدون هم الجيش ، ورثة الحرس الوطني المتبقي بعد غزوة ويلسون للسيطرة على السكان ، و بطانتهم من البرلمانيين. و أهم هؤلاء ، FRAPH ، صنيعة عميل السي آي إي إيمانويل كونستانت ، و الذي يقطن الآن بحبور في كوينز ، و قد رفض كلينتون و بوش 2 طلبات التبادل ، لأنه سوف يكشف عن علاقات جونتا المجرمة مع أمريكا ، و هذا شيء متوقع تماما. كانت مساهمة كونستانت في رعب الدولة ، في النهاية ، واضحة. عبارة عن مسؤولية مباشرة لإعدام 4 – 5 آلاف مسكين أسود.
و باستعادة ذكريات الموضوع الذي طرحه بوش ، و الذي كان " عنصرا من شبكة العلاقات الدولية " ، قال غراهام من هارفارد في الفورين أفيرز ( مجلة العلاقات الدولية ) : " أولئك الذين يساعدون المخربين مجرمون مثل المخربين أنفسهم " ، و بكلمات الرئيس ، و هذه نقطة يجب الانتباه إليها ، إنهم من نوع المفجرين الانتحاريين و الغزاة.
و حينما تم القضاء على أرستيد بانقلاب عسكري عام 1991 ، أعلنت مؤسسة الولايات المتحدة الأمريكية المقاطعة. و أعلن بوش 1 أن الولايات المتحدة سوف تحطمه باستبعاد الشركات الأمريكية. لقد كانت المقاطعة إذا لحنا دقيقا هدفه منفعة الجماعة السكانية المعذبة ، كما ورد في النيو يورك تايمز . و أجاز كلينتون تدخلا أعنف لنسف المقاطعة : إن التجارة الأمريكية مع جونتا و طبقة الأغنياء المؤيدة لها سوف ترتفع. و كان العنصر الحاسم في المقاطعة ، طبعا ، هو النفط. بينما أقرت السي آي إي بوقار أمام الكونغرس أن جونتا " ربما تحتاج إلى الوقود و الطاقة عما قريب " و " إن استخباراتنا تركز جهودها على تتبع محاولات تؤثر بالمقاطعة و تسيطر على أثره" ، أجاز كلينتون سرا لشركة تكساكو أويل كومباني أن تبيع النفط لجونتا بطريق غير مشروع ، ضد قرارات الرئاسة. و هذه الاكتشافات المهمة كانت القصة الأولى في أخبار أ ب ( 3 ) في اليوم السابق لإرسال كلينتون المارينز من أجل " استعادة الديقراطية " ، و من الصعب أن لا أقول : كنت بالصدفة أتابع أخبار أ ب في ذلك اليوم ، و رأيت كيف تعيد الخبر مرات متكررة ، و إن هذا من الأهمية بمكان لأي امرئ يود أن يفهم ماذا يجري. لقد كان هناك قمع رقابي مؤثر ، مع ذلك وصلت الأنباء عن طريق مجلات صناعية مع أخبار طفيفة دفنت في المطبوعات المهتمة بمجال الأعمال.
و كذلك كان المنع حقيقيا في الظروف الحرجة التي فرضها كلينتون لعودة أرستيد : لقد تبنى برنامج المرشح الخاسر المدعوم من الولايات المتحدة في انتخابات عام 1990 ، و هو موظف سابق من البنك الدولي تلقى 14 % من الأصوات. و نحن ندعو هذا " استعادة للديمقراطية " ، إنه مثال توضيحي كيف أن الولايات المتحدة في سياستها الخارجية تدخل " مرحلة نبيلة " لها " بريق مقدس " ، كما قالت الصحافة. إن البرنامج الخشن لليبرالية الجديدة و الذي اضطر ارستيد إلى تبنيه كان في النهاية يضمن إلغاء ما تبقى من شظايا السيادة الإقتصادية المنكوبة ، مع تمديد لقرارات ويلسون التقدمية و المعايير المفروضة من أمريكا منذئذ.
و ما أن استتب الأمر للديمقراطية مجددا ، أعلن البنك الدولي إنه " من واجبات الدولة المنتعشة أن تركز على استراتيجية إقتصادية هدفها الطاقة و فعاليات المجتمع المدني ، و بالأخص القطاع الخاص ، في المجالين الوطني و الدولي". و كان لذلك كل الميزات التي يوجبها الصدق : لقد تضمن المجتمع الهاييتي المدني النخبة الصغيرة الغنية و الشركات الأمريكية ، و لكن ليس الغالبية السكانية ، من فلاحين و قاطني المخيمات الذين ارتكبوا الإثم الكبير و هو تنظيم جماعات غايتها انتخاب رئيس منهم. و أكد موظفو البنك الدولي أن البرنامج الليبرالي الجديد سوف يعود بالفائدة على " طبقة التجار المنفتحة و المستنيرة " و على المستثمرين الأجانب ، و في نفس الوقت قطع عهدا لنا أن البرنامج " لن يضر بالفقراء كما حصل في دول أخرى " تعرضت لتعديلات في بنيتها ، لأن الهاييتي الفقير يحتاج حاليا للحد الأدنى من الحماية التي يقدمها التوجه الاقتصادي ، مثل دعم السلع الأساسية. و لم يبلّغ وزير أرستيد في مجال التنمية الريفية و الإصلاح الزراعي حول أية خطط يجب فرضها على هذا المجتمع الفلاحي بتكوينه ، و العائد إلى " أمنيات أمريكا الطيبة " و إلى المسار الموجز السابق بعد جولة 1990 من الانتخاب الديمقراطية المأسوف عليها.
ثم شرعت الأحداث تتطور بالمنحى المتوقع لديهم. و قد ذكر تقرير USAID ( 4 ) أن " سياسة التصدير و الاستثمار في مضمار التجارة " التي فرضتها واشنطن سوف " تضغط بلا هوادة على مزارع الأرز المحلي " ، و هذا سوف يضطر للانتقال إلى التصدير الزراعي ، مع تقديم منافع طفيفة للنشاط و توظيف الأموال في مجالات الزراعة. و على الرغم من المجاعة الفائقة ، كان مزارعو الأرز الهاييتيين يتحلون بالكفاءة القصوى ، و لكنهم لم يكونوا قادرين على منافسة الولايات المتحدة و نشاطاتها الزراعية ، حتى لو لم تتلقى 40 % من منافع الدعم الحكومي ، التي ارتفعت في ظل السياسة الريغانية باعتبار أنهم عادوا إلى السلطة ، فقد استمر الخطاب التنويري البلاغي فيما يخص معجزات السوق . و الآن نحن نعلم أن هاييتي لا تستطيع أن تطعم نفسها ، و إنها إشارة عن " دولة فاشلة " أخرى.
و استمرت أعمال تافهة أخرى في النشاط ، على سبيل المثال ، و هي أعمال مدجنة و هامشية. و لكن النطاق الأمريكي كان يفيض بالأغذية الأساسية ( 5 ) ، و لذلك كانوا يطلبون الحق لتصريف الفائض المنتج في هاييتي. و حاولوا أن يفعلوا بالمثل في كندا و المكسيك أيضا ، و لكن التصريف غير الشرعي كان قابلا للمنع. و توجب عليهم ، ليس في هاييتي ، أن يستسلموا لمبادئ السوق الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة بحكوماتها و شركاتها المخدمة.
و على المرء أن يلاحظ أن مستشار البنتاغون في العراق ، بول بريمير ، قد أمر ببرنامج هناك ، له نفس الذهنية النفعية. و هذا كان يدعى " تشجيع الديمقراطية " . و في الواقع ، كانت السجلات ، كاشفة و هامة ، و هي تعود إلى القرن الـ 18. و كان لبرامج مماثلة دور كبير في خلق عالم ثالثي راهن. و في نفس الوقت تجاهل الأقوياء القوانين ، ما عدا حينما كانوا ينتفعون منه ، و كانوا قادرين على الثراء و تطوير مجتمعات رفاهية ، و على نحو دراماتيكي ، و هذا فتح الطريق لمناعة معاصرة ، و بالأخص بعد الحرب العالمية 2 ، كانت نقطة الارتكاز بشكل حاسم على قطاعات الدولة الدينامية التي تعمل في مجال التطوير و الاختراعات ، الأمر الذي يؤدي إلى مجتمعانية الأخطار و التكاليف.
و لكن عقوبة هاييتي أصبحت أشد و أقسى في ظل حكم بوش 2 – هناك فروق في الطيف الضيق للوحشية و الطمع. تم إيقاف المعونات و الضغط على المؤسسات الدولية لتحذو حذوه ، و كان هناك نص جاهز و مسبق لا يقبل الجدال. و هذا تجده في أقوال بول فارمير حول مثال هاييتي ، و في بعض الحواشي الإعلامية الراهنة ، و نذكر هنا جيفري شاكس ( الفاينانشل تايمز ) و تراكي كيدير ( نيويورك تايمز ).
و بغض النظر عن التفاصيل ، إن ما جرى كان شديد الشبه لانقلاب هاييتي ضد أول حكومة ديقراطية عام 1999 . إن حكومة أرستيد ، مجددا ، واجهت التحديات من المخططين ، الذين أدركوا ، في ظل إدارة كلينتون ، أن أخطار الديمقراطية قابلة للتجاوز لو تم القضاء على السيادة الوطنية في مجال الاقتصاد ، و من المفترض أن يفهم أن التطوير الاقتصادي له هامش أمل تافه في هذه الظروف ، و هذا درس يمكن التأكيد عليه في تاريخ التجارب الاقتصادية. و كان مخططو بوش 2 أكثر تفانيا في تحدي الديمقراطية و النيل منها و كذلك الشأن بالنسبة للاستقلال ، و ذلك على الرغم من أن أرستيد و المؤسسات الشعبية التي رفعته إلى السلطة لها عاطفة جياشة ربما فاقت من سبقهم.
و إن من عمد إلى تحويل الانتباه عن الدور الأمريكي سوف يعترض أن الحالة أكثر تعقيدا – و هذا دائما صحيح – و أن أرستيد أيضا كان مذنبا بجرائم متعددة. نعم ، هذا صحيح ، و لكن لو أنه قديس لن يتطور الاتجاه على نحو مختلف بالمرة ، كما لاحظنا عام 1994 ، حينما كان الأمل الوحيد و الحقيقي في ثورة ديمقراطية داخل الولايات المتحدة تسمح بالتحول في السياسات بطريقة و اتجاه أكثر تمدنا و تحضرا.
إن ما يجري الآن مشين و فظيع ، و لا يمكن تصويبه. و هناك الكثير من المسؤوليات في المدى القصير و على جميع الأطراف. و لكن الطريق الصحيح لأمريكا و فرنسا واضح تماما ، و يجب أن تسيرا عليه. عليهما البدء بدفع تعويضات ضخمة لهاييتي ( و ربما كانت فرنسا أشد نفاقا و عارا بهذا الخصوص بالمقارنة مع الولايات المتحدة ). و على أية حال ، هذا يتطلب بناء مجتمعات ديمقراطية فعالة عليها ، على الأقل ، أن تصلي لتعرف ماذا يجري. و بالإشارة إلى هاييتي و العراق و غيرها من " المجتمعات المنهارة " من الأجدى أن نؤكد على أهمية التغلب على " العجز الديمقراطي " الذي يختصر بقوة الدلالة المعنوية للانتخابات. و على أية حال ، هذا لا يلفت الانتباه للعلامة الواضحة : فالدرس ينطبق بالحالة مع بلد حيث " السياسة تلقي بظلها على مجتمع له نشاط تجاري واسع النطاق " ، بمفردات فيلسوف علم الاجتماع الأمريكي جون ديوي و هو يصف بلده في أيام المحنة التي وصلت إلى حدود لم تبلغ إطلاقا ما يحصل اليوم.
و بالنسبة لأولئك المهتمين بمحتوى الديمقراطية و الحقوق المدنية ، إن الواجبات الأساسية الوطنية واضحة بما فيه الكفاية. لقد تم تطبيق ذلك في فترة سابقة ، من غير نجاح و لو بسيط ، و تحت ظروف أخشن بما لا يقارن في مكان آخر ، ضمنا المخيمات الفقيرة و البيوت المريحة في هاييتي. و لكن ليس علينا أن نستسلم و لا أن نقبل ، طواعية ، لنعيش في دولة منهارة و فاشلة تعاني من عجز مستفيض في الديمقراطية.
هامش مترجم :
1 – صفقة لويزيانا : أرض في غرب الولايات المتحدة اشترتها الدولة من فرنسا في عام 1803 .
2 – جونتا : بمعنى الانقلابيين الضباط الذين يستلمون مقاليد الحكم بعد أي حركة عسكرية.
3 – أ ب : أسوشيتد بريس.
4 – USAID : الوكالة الأمريكية للمعونات الإنسانية.
5 – على القارئ أن يتعامل مع مفردات شومسكي من ناحية بلاغية. و هو في متن المقالة كان يقارن بين المداجن و اللحوم الناجمة عن حيوانات رعوية أو مجترات . نقصد بين لحوم الدواجن البيضاء الخفيفة و لحوم الأبقار السوداء أو الداكنة الثقيلة . فاقتضى التنويه.
المصدر :
The "Noble Phase" and "Saintly Glow" of US Foreign Policy. Noam Chomsky March 9, 2004. from the book Getting Haiti Right This Time. The U.S. and the Coup.Noam Chomsky, Paul Farmer, Amy Goodman. Common Courage Press, 2004, paper.
الترجمة : مجلة ألف - 2010
×××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |