من توتول إلى ماري نص نهري أفسده البيروقراطيون
2007-09-10
بعد أربع ساعات من الانتظار الممض في صالة فندق بادية الشام بدير الزور قررت الأديبة فوزية المرعي الانسحاب من الرحلة والعودة إلى بيتها في مدينة الرقة .
حاولت جاهدا إقناعها بالبقاء وانتظار ما ستؤول إليه المخاطبات الجارية بين المحافظة ومديرية السياحة بشان الحجوزات المتفق عليها لفريق الرحلة النهرية ، لكنها أصرت على السفر فورا معتبرة أن مايجري انتهاكا للمواطنة واستهتارا بالمشاريع الثقافية والتاريخية والأدبيّة ولجردة طويلة من المسميات الأخرى ذات العلاقة .
في السيارة ، ونحن في طريقنا إلى الكراجات ، اتصل بي الشاعر حمزة الرستناوي ليخبرني بأنهم ( هو والشاعر طالب هماش والناقد هايل الطالب ) قد قرروا أيضا الانسحاب من الرحلة والعودة إلى مدنهم وهم قد صاروا على أهبة الانطلاق نحو الكراجات ، فرجوته انتظاري لدقائق ريثما انهي ترتيبات سفر فوزية المرعي .
عدت مسرعا إلى الفندق لأجد فريق الرحلة بكامله قد غادر المكان ( مطرودا ) بعد أن رفضت مديرية السياحة تثبيت الحجوزات لهم رغم الكتاب الصريح المرسل إليهم من الوزارة منذ أكثر من عشرين يوما .
على الفرات ، وتحت الجسر المعلق تقريبا ، كان الطوف الخشبي ، الذي أمضى أياما خمسة وهو يتهادى على المياه قادما من توتول في الرقة ، متوسدا الشاطئ، مسترخيا، استعدادا لمتابعة السير نحو ماري في البوكمال ، على الحدود السورية العراقية .
فوق الطوف المختبئ تحت شجرة صفصاف كبيرة - لم تكن قادرة رغم حجمها الضخم عن منع أشعة الشمس الحارقة من كتابة كلماتها فوق الوجوه والأجساد والأمزجة - كان حمزة الرستناوي وطالب هماش وهايل الطالب يضعون اللمسات الأخيرة للانسحاب والعودة نحو بيوتهم في حمص وادلب .
في الفندق ، وقبل أن يفيض الكيل بـ ( أدباء ) الرحلة ويعلنوا انسحابهم ، ظل النقاش، حتى آخر لحظة ، حامي الوطيس مع ممثل مديرية سياحة دير الزور الذي كان ، وللأمانة، محرجا من تصرف إداراته خصوصا بعد أن أطلعته إدارة الرحلة على موافقة وزارة السياحة وإيعازها الصريح لسياحة دير الزور باستضافة الفريق وحجز 20 غرفة لهم لليلة واحدة .
مديرية السياحة أنكرت وصول هذا الكتاب إليها , وتحت الضغط بدأت بإعطاء التبريرات مثل احتمال ضياعه في الديوان بسبب الفوضى الإدارية التي كانت تعيشها المديرية في الأسابيع الأخيرة جراء تبدل الإدارة .
هل هناك حقيقة أخرى ، كان تكون وزارة السياحة قد ( لَحَسَتْ ) موافقتها وأرسلت ما يعاكس ذلك إلى مديرية السياحة بدير الزور ؟
بكل الأحوال فإنها الآن قد أصبحت على علم بتفاصيل ما حدث وعليها أن تجيب .. أو لا تجيب ، فهذا شأنها ، ولكن ، وللتذكير فقط ، نقول بأن هذه اللامبالاة قد تسببت في ( فشكلة ) كامل البرنامج الثقافي والفني للرحلة ، فقد ألغيت المحاضرة ( التاريخية البيئية السياحية ) والأمسية الأدبية , ومعرض الصور الخاص بالبيئة الفراتية ، فيما أسند الشبان والشابات ( أعضاء الفرقة الفنية القادمة من الرقة ) ظهورهم على حيطان المركز الثقافي منتظرين حتى الثامنة مساء لأداء مهمتهم والعودة ، بكرامتهم ، إلى ديارهم.
لم تفلح محاولاتي لإقناع إدارة الرحلة ، ومعها الفرقة الفنية ، بإدارة الظهر للجهات الرسمية ونقل ما تبقى من البرنامج من المركز الثقافي إلى شاطئ الفرات حيث يمكن لنا، وبالاستعانة ببعض الأصدقاء ، إحياء حفلة ( شوارعية ) حتى الصباح .
في الحقيقة ، إن الذي قطع الطريق على فكرتي ( الخبيثة ) كان التدخل السريع للمسرحي مصطفى عبد القادر( عضو قيادة فرع الحزب ) والناشطة الاجتماعية سهام الخاطر ( عضو مكتب تنفيذي ) اللذين سارعا بوضع السيد المحافظ بصورة ما جرى فكان إن أوعز بتدارك الأمر واستضافة الجميع .
قارب عشتار :
فاجأت فوزية المرعي الجميع هذا العام وهي تصعد الطوف متأبطة رزمة كبيرة من الكتب لم يحتج مرافقوها زمنا طويلا ليتبين لهم أنها ليست سوى نسخ من روايتها الجديدة التي تسلمتها حديثا من المطبعة وكانت حريصة على وجودها معها في هذه الرحلة .
في ( قارب عشتار ) ، وهوا لاسم الذي أطلقته المرعي على روايتها التسجيلية لهذه الرحلة في أعوامها السابقة ، كانت الأشياء، منذ توتول حتى ماري ، تصعد القارب بثقة غير محتاجة إلى مخاطبات إدارية أو تدخلات رسمية في الوقت الضائع، كما لن يضطر بعضها للوقوف طويلا فوق الشاطئ منتظرا الأذن بالصعود .
فسيحا كان قارب عشتار ، فارها بحيث لم يتزاحم الفراتيون فوقه ، ولم تعثر ببعضها العادات والأفكار والتقاليد، كما لم يسجل فوقه أي حادث اصطدام بين الحضارات التي كانت تصعد عليه تباعا ابتداء من قلعة نجم و انتهاء بـ ماري .
قطعة قطعة كانت فوزية المرعي تلتقط الفرات ، تاريخا وبشرا وشجرا وعادات وأوابد وممالك وحضارات وحاضرا أيضا ، في توثيق لافت وحضور أدبي مشغول كما ينبغي .
من توتول إلى ماري :
للعام الثامن على التوالي تنطلق الرحلة النهرية من ( توتول ) في الرقة ، إلى ( ماري و تل الحريري ) في البوكمال ، و لمسافة تزيد على / 180 / كم ، يقوم بها فريق من المهتمين بالبيئة والتاريخ والحضارة الفراتية .
فريق أطلق على نفسه اسم أصدقاء الفرات ، يمتلك الكثير من الإرادة ويمتاز بالتنوع والصبر والألفة ويجمع بينه الحلم ببيئة نقية وفرات معافى ، كما يحدوه الأمل بتعميم هذه التجربة ونقلها إلى دول أخرى كمصر التي يخططون للاتصال بأصدقاء النيل فيها لتبادل الخبرات والرحلات المشتركة .
عن هذه الرحلة ، أهدافها و برامجها وأحلامها حدثنا المحامي حسن إسماعيل ، المسؤول الإداري للفريق : يقوم الفريق بمراقبة ورصد البيئة الفراتية ودراستها وتصويرها للفت الانتباه إليها وتسليط الأضواء عليها ، هذه البيئة غنية ومتنوعة وفريدة من نوعها من حيث الجمال أو التنوع البيئي ، فالجزر النهرية ( الحوائج ) لا نحصى وهي آية في الجمال الطبيعي ، كما أن التنوع الحيوي فيها لافت ، حيث تملأ المكان الطيور المختلفة الأشكال والألوان ، والوحوش الضارية كالذئاب و الضباع والنمور الفراتية و الثعالب و بنات آوى ، إضافة إلى طيور الماء من البط والنورس والكراكي ... الخ .
نقوم أيضا برصد وتوثيق التعديات الواقعة على البيئة الفراتية كالصيد الجائر للحيوان والطيور والثروة السمكية ، وهذه الأخيرة تتعرض اليوم إلى أشكال خطيرة من الإبادة عبر استخدام الكهرباء و الديناميت واللانيت .
في برنامجنا أيضا رصد للتعديات الأخرى كعمليات الاحتطاب غير المشروع ، وحرق الحوائج المتعمد بهدف زراعتها وهي أملاك عامة ، غير متناسين أشكال التلوث المختلفة في النهر كصبيب الصرف الصحي و مخلفات المنشآت الصناعية التي تتكاثر باستمرار على طول النهر .
من أهدافنا أيضا التوثيق التاريخي والسياحي بحضارة وادي الفرات والاطلاع والتعريف بأوابد هذه المنطقة التي تعتبر اليوم واحدة من أقدم واهم الحضارات الإنسانية حيث تنتشر المدن والحصون والممالك القديمة على طول الفرات بدءا من قلعة نجم وانتهاء بمملكة ماري العظيمة مرورا بـ ( توتول - تل زيدان - حلبية وزلبية - تل حميضة - تل عياش - ترقا - تل المصابيح - تل الجعابي - قلعة الرحبة - عين علي - الصالحية - تل أبو الحسن - ماري ) وغيرها .
بقي القول أن مدة الرحلة /8/ أيام يتخللها مجموعة من المحاضرات التاريخية والسياحة والبيئية وأمسيات أدبية ومعارض للكتاب وللتصوير الضوئي .
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |