هيام ينسجه الرحيل في ديوان عصام خليل ( البياض البعيد ) / اسماعيل ديب
2010-01-27
قصائد قدت من النار , النار التي ترتقي إلى الأعلى وهي رمز الإندفاع , والعروج الأبدي , لتبدو خفيفة كالهواء , وهي سباحة خالدة في الفضاء
اللامتناهي , تحمل طيف الذاكرة , وريح الهجر وهي تبدو دائماً مضطربة , في صعود وهبوط لا يتوقفان . ليبدو الشاعر بحزنه وهيامه , ولواعج شوقة كالصوفي الذي يبحث عن الحقيقة المطلقة وكلما اقترب منها اكتوى بنارها , فيعود إلى أرضه التي تبدو كتلة رمادية يشوبها السواد , فيرتد باحثاً عن البياض البعيد في عالم المثل والطهارة .. بعيداً عن الوحل والطين .
إنها نار الهجر , ولواعج الشوق التي يرتقي دخانها في السماء وجذورها عالقة في الأرض , فلا وطن للشاعر , ولا يقر له قرار , باحثاً عن طيف الحبيب المتلاشي روائزاً في البياض البعيد :
صديقي الذي خبأته العصافير
بين الأغاني
لأنك أقرب من أي حزن إلى القلب
أحتاج نصف سماء لأرسم وجهك
وتحتاج أغاصه كي تراني ( ص7 )
وهكذا يتغلغل الشعور الشعري بلا مقاومة , تجاه الصور المشخصة الوحيد ةالتي يستطيع أن يحس بها إحساساً مثالياً ينتمي إلى عالم التمني والحلم ,إنه رسوله إلى عالم الآخر , ينطلق هارباً من عالمه الكئيب والغريب , إلى عالم المثل والجمال , وهو يرى بياض الثوب يحل في البياض البعيد . في عالم المثل والجمال , بحزنه الشفيف وحساسيته المرتفعة , تلك الحساسية التي تفعل ما تفعله الخمرة في نفوس البسطاء :
الحلم والواقع وفراغه مما يغرق حياته بالأنقباض والاكتئاب فيعيش حالة اغتراب وحيداً إلا من الذكرى :
تعالي إلي مللت البقاء وحيداً كمقبرة في الشتاء
تعالي فإن خطي شمعتي تسيل على شارع الانطفاء
وما بيننا الأفق يطويه شوقي فينبت بعد الفضاء الفضاء
(ص 117 )
تبدو الأبخرة المتصاعدة مما فاضت به الذاكرة لرحيل الحبيب وغياب الطيف فيلوح له الحلم ليركب جناح الخيال في عالم المثل بعيداً
من واقع مرير , حاملاً طهارة نفسه ونقاد سريرته , بأدواته التعبيرية حالماً بزيارة الطيف طيفه في خلواته , ليضع نفسه للخشوع المقدس تحت النجوم الخالدات .
وما أجمل الشعر عندما يصل إلى النبل والطهارة في مواجهة الحقائق الصعبة , والأحزان المؤلمة , كخطب الموت .
وفي ما يلي مختارات من الديوان :
لا..... ليــــس لي
أنا ليس لي عيدٌ
كباقي الميِّتينْ!
لي جثَّةٌ تمشي على وعدِ الضَّريحِ
ولم تصِلْ!
لي صرخةٌ، تَنْتابُها
الأصواتُ أحياناً،
فيشهقُ في مرارتها الأنينُ..
وينخذلْ!
لي وردةٌ يبستْ؛
وما صلَّى على أوراقها عطرٌ،
ولا ألوى على نيسانها،
خطوُ السِّنينْ؛
أنا ليس لي عيدٌ
كباقي الميِّتينْ!
لا....
ليس لي عيدٌ،
لأحتاجَ الكلامَ عن السَّعادةِ،
أو أُدبِّجَ وردةًً بيضاءَ
في وحلِ الحديقةِ،
أو أردِّدَ ما يقولُ الميِّتونَ
من الأماني الكاذباتِ!
لكي أُضلِّلَ ما يُكنُّ
الشوكُ لي!
وأنا أراهُ
على المفارقِ،
والدَّقائقِ،
واقفاً... كالوقتِ!
منتحلاً بياضَ مسافةٍ سوداءَ،
بين ضلالِ من وجدوا
وأنَّةِ فاقدينْ!
لي ما لكلِّ الوافدينَ ـ الذَّاهبينَ،
من العَناءِ.. إلى العَناءِ،
وسذاجةُ الأشجارِ
حين تقولُ خضرتَها،
فتذبلُ في العراءِ؛
لي غفلةُ الأنهارِ
يسرقُها الهواءُ،
لكي يعيدَ غمامةً بيضاءَ
من عطشِ السَّماءِ،
إلى السَّماءِ؛
ما لِلحُداةِ الرَّاحلينَ إلى الفجيعةِ
وحدَهمْ.....!
وغناؤهمْ....
عسلٌ وجيعْ؛
لم يستطيعوا أنْ يكونوا
غيرَ ما كانوا!
وأعرفُ أنَّني
لن أستطيعْ!
لا ليس لي وطنٌ سوى
مترينِ من عتمٍ،
يطاردني الظَّلامُ إليهما...
فأمدُّ أجنحتي
لتلتَقِطَ الصَّباحَ،
ولا أرى أفقاً
لخفقتِها المهيضةِ،
غيرَ ما نَسيَتْهُ شمسٌ،
قبلَ أنْ تأوي
إلى دمها الحزينْ؛
وطنٌ يؤجِّلني
إلى ميعادِ غربتِهِ
الحنينْ!
أنا ليس لي عيدٌ
كباقي الميِّتينْ.
جريدة الوحدة
الأحد24/1/2010
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |