Alef Logo
الآن هنا
              

إعلامنا المرئي ... بين الفاعل والمنفعل

فادي دخان

2007-11-14

الإعلام العربي ممارسة تنويرية ومعرفية، تقوم على رصد الواقع ومتغيّراته على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ... إلخ، تزامنَ ظهوره مع بداية عملية التغييب التي مارسها الاستعمارالأوربي على العرب، فكان ردَّ فعل توعوي موجَّه لفئات المجتمع العربي كافة، وذلك بهدف خلق فهم جديد للماضي، والتعامل مع الحاضر وفقاً لهذا الفهم.
لقد قدَّم الإعلام في تلك الحقبة من تاريخه أفكاراً وتوجُّهات عملت على كشف مؤامرات المستعمر وفضح خططه، فكان سبباً في إيقاظ العقول وإلهاب الهمم، وأفرز أحراراً رفضوا الاستكانة إلى معطيات الحياة السياسية والثقافية آنذاك، وضخَّ عقولا نفضت عنها غبار عصور الانحدار.
ومع أننا لسنا بصدد الحديث عن تاريخ الإعلام والصحافة العربية، إلا أنه ينبغي أن نعترف بأن الإعلام وقتئذ كان في معظمه إعلاماً مطبوعاً عبر الجرائد والصحف، إعلاماً استطاع – شكلاً ومضموناً – أن يوصل رسالته، ويصنع تاريخ أمته، ويضع بصمَته على خارطة الحياة السياسية والاجتماعية
ومع دخول التلفزة الفضائية والأرضية تاريخ الإعلام من أوسع أبوابه، ظهر ما يسمى بـ " الإعلام المقدَّد – من القديد – والمسلي "، إذ بدأت أهدافه بالتراجع، وتوجُّهاته بالانحدار، وبدأ ما يدعى الآن بـ " عصر الإعلام المعلب ".
لقد أصبح الإعلام غاية لا وسيلة لدى أربابه والقائمين عليه، وغدا منفعلاً بالمتغيّرات من حوله، لا فاعلا لها ومؤثراً فيها، فبعد أن كان ذا تطلعات تنويرية انكفأ على نفسه، حاملا همَّ كيفية ( إضحاك ) المشاهد وتسليته، وعاملا – بقصد أو دون قصد – على تثبيط الحركة العقلية – بالمعنى التاريخي – لدى المشاهد العربي. كيف لا ؟ وقد غدا ما يقدّمه هذا الإعلام موجَّهاً نحو عواطف المتلقي ومشاعره، أكثر منه نحو استثارة فكره وتحفيزه على المشاركة الفاعلة.
لقد أصبح المتلقي بفعل تلك الإرهاصات ( الإعلامية – الفكرية ) مشدوهاً بكل أحاسيسه، سواء كانت فرحاً أم ضحكاً أم شفقة أم بكاء ... إلخ، بما يشاهده وينفعل له، أما أن يُعمل عقله ويسبر أغوار فكره، ويستنبط ويستقصي، فهذا – أظنُّ – لم يعد ضمن الأهداف المدرجة في الأجندة الإعلامية العربية.
لقد اكتفى إعلامنا المتلفز – أرضياً وفضائياً – بمواد وبرامج أكل عليها الدهر وشرب، وأصبح يستجدي ابتسامة المتلقي دون رضاه، مدغدغاً مشاعره وأحاسيسه، مما أفقده كثيراً من تميُّزه وتساميه، فأضحى وسيلة تسلية وإمضاءٍ للوقت بالنسبة لربة المنزل أو لطلاب المدرسة بعد إتمام ما عليهم من واجبات، أو حتى للعامة الذين اتخذوه أداة تنسيهم عناء اليوم ومشقته.
وهنا يلحُّ علينا تساؤل مفاده: أين هي حصة النخب الثقافية – بالمعنى الواسع للثقافة – مما تقدّمه الشاشة الصغيرة؟ وهل يروي الإعلام المتلفز ظمأ تلك النخب؟
يفقد الإعلام دوره الأصيل حينما يوجد قطيعة بينه وبين هذه الفئة الثقافية أو تلك، على مختلف توجهاتها الفكرية والفلسفية، وبذلك يغدو مؤهلاً ليشكل مع القائمين عليه مؤسسة براغماتية بامتياز، إذ لا ينبغي لأي هيئة إعلامية أن تدير ظهرها عن إقامة تبادل معرفي بينها وبين المثقف، فتؤثر فيه وتتأثر به، وصولا إلى توصيف المتغيّرات الإقليمية والعالمية، ورصدها بأشكالها كافة، ومن ثم إشراك أفراد المجتمع في أخذ دور بارز وموقع فعال على ساحة تلك المتغيّرات، دون إجبارهم على الاكتفاء بموقف المتفرّج فحسب.
إن ما نشهده اليوم من تراجع فكري وانضواء معرفي على مستوى عامة طبقات المجتمع، مردُّه إلى تراجع القيمة المعرفية ( أفقياً )، وتدني المستوى الثقافي ( عمودياً ) فيما يقدَّم لنا معلباً حتى النخاع، من خلال السلعة الإعلامية، وما علة ذلك إلا حالة القطيعة والهجران ما بين الإعلامي والمثقف على مستوى أيديولوجية الإعلام، إذ لايكفي أن يأخذ المثقفُ دورَه الإعلامي كضيف أو عابر سبيل، بل ينبغي أن يشارك مشاركة فاعلة في مفاصل المنتَج الإعلامي، بل ويحدّد عرضه وطرحَه، بذلك تصيبُ قضيَّته المطروحة هدفها المرجو. هذا في حال كانت النخب شريكة في العملية الإعلامية، لكن ما بال غيرهم من نخب المتلقين، ممَّن أضناهم البحث عن مادة جديرة بالانتباه أمام الشاشة الصغيرة؟
لقد اقتصرت معظم المواد الإعلامية الثقافية – إن لم نقل كلها – على بضع معلومات سريعة ومختصرة – لضيق الوقت – يضطرُّ المشاهد بعدها إلى الخروج من كمِّ تلك المعلومات أو القضية المطروحة دون ناقة أو جمل!.
إن ما نرجوه اليوم – كمتلقين مجبرين – هو رفع سوية الخطاب الإعلامي نوعاً وكماً، وتكثيف المعنى الثقافي في جوهر ما يقدّمه هذا الإعلام، إضافة إلى الاهتمام بأذواق النخب التي ما برحت تمدُّ يدها للإعلام المرئي، وتتمنى عليه أن يفسح المجال لنشر الفكر والمعرفة، وتأدية الرسالة الإعلامية، بالسوية نفسها التي يفسحُها للمؤسسات الإعلانية وشركاتِ الرعاية الحصرية...
كـاتب سـوري

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow