العجيلي أيقونة الرقة
2007-11-24
الفنون والأساطير في المهرجان الثالث للرواية العربية
( ا - 3 )
شهد أديبنا الكبير عبد السلام العجيلي في حياته الكثير من الاهتمام والتكريم وخصوصا من أبناء مدينته وكانت الأجيال الأدبية بمختلف مشاربها المعرفية شديدة الالتصاق بتجربته الأدبية والاهتمام بها والعمل على إبرازها من خلال الندوات والمهرجانات كان منها على سبيل المثال مهرجان الرواية السنوي الذي انتهت الرقة للتو من إصدار نسخته الثالثة بطبعة فاخرة من التنظيم الجيد والضيافة الكريمة والأبحاث المتميزة والانتقاء الرفيع للأدباء والنقاد المشاركين .
منذ سنتين تقريبا، وأثناء بدء فعاليات مهرجان الرواية الأول، بعث العجيلي برسالة للمهرجان ا قال فيها:
( يقول لي بعض الأحبة :أليست إقامتك في الرقة حالة غريبة، ألم يكن المقام يطيب في كثير من الأماكنوالمدن ؟
والحق أقول: لقد اخترت هذا المقام عن سبق الإصرار والترصد، فأعطتني مدينتيمثلما أعطيتها ) .
النسخة الثالثة من هذا المهرجان حملت اسم ( العجيلي، أيقونة الرقة ) ..
نعم، قد يكون هذا الأديب الكبير مثار اعتزاز الرقيين والسوريين عموما، ولكن :
هل كان الراحل العجيلي وحده أيقونة للرقة .. ؟
في الحقيقة ثمة ما يشي بأن صدر الرقة، هذه المدينة الصغيرة الغافية على يدي الفرات،تزين صدرها اليوم بعدد لا يحصى من القلادات الملونة لا تبدأ بحمود الموسى ( مدير الثقافة )، ولا تنتهي بـ أنس العلي وماجد العويد وإبراهيم الخليل وإبراهيم الزيدي ويوسف الدعيس ومحمد جاسم الحميدي ونجم الدرويش وعبد الحميد الخلف وفوزية المرعي وشيرين زائل وغيرهم،هؤلاء الذين شكلوا فريق عمل متجانس همه إنتاج ثقافة متميزة، وكان لهم ذلك، حيث تحولت الرقة، وخلال سنوات قليلة، إلى محج ثقافي يؤمها المبدعون والمثقفون العرب من كل الأرجاء .
الرقة، تمارس اليوم الفعل الثقافي كما ينبغي له إلى الحد الذي باتت حديث المثقفين السوريين والعرب كظاهرة ثقافية قل نظيرها .
من المؤكد أن العجيلي قد ساهم في إعادة الرقة إلى جغرافيا الثقافة، لكن ما هو أكيد أيضا أن حصة الرقة من هذه الجغرافيا قد ازدادت مع هذا( الكتيبة الثقافية ) لتتسع الملامح التاريخية والأخلاقية والفكرية لأهلها الطيبين .
من يجرؤ على فعل ما تفعله الرقة اليوم ؟
فقط سأذكّر أن عدد المشاركين في مهرجان الرواية، عدا الإعلاميين والضيوف, قد ناهز الأربعين روائيا وناقدا كان منهم / 15 / سوريا فقط ، أما الباقي فقد كانوا من مختلف البلدان العربية إضافة إلى تركيا ..
من يجرؤ على استضافة هذه الأعداد الكبيرة لأربعة أيام وميزانيته الثقافية لا تكاد تغطي الإنفاق على نصفهم ؟
قبل أسبوع واحد كانت الرقة قد انتهت لتوها من استضافة المهرجان المسرحي الذي دام ثمانية أيام ..
وقبله كانت هناك مهرجانات مختلفة ومتنوعة ..
من ينفق على هذه المهرجانات الثقافية الضخمة في ظل ميزانيات محدودة ؟
سؤال لطالما تم طرحه، وكانت الإجابة معروفة : الأهالي وأصدقاء الثقافة وبعض الفعاليات الاقتصادية وبعض المؤسسات الحكومية .
الرقة، ، تعيش عرسها الثقافي كما ينبغي له، ألا يشكل هذا حافزا للآخرين ليفعلوا ما فعلته ؟
الرقة، درس ثقافي ناجح بامتياز، فهل يتعلم منه الآخرون ؟
فعاليات اليوم الأول
برعاية الدكتورة نجاح العطار، وبعد حفل الافتتاح مباشرة، الذي تخلله، إضافة إلى الكلمات الرسمية، عروض فنية من التراث الفراتي، بدأت فعاليات مهرجان الرواية بنسخته الثالثة والتي جاءت تحت عنوان ( الفنون والأساطير في الرواية العربية ) وقد تضمن برنامج عمل كثيف توزع يوميا إلى جلستين صباحيتين وجلستين مسائيتين .
الكتابة نبش للمستور
قدمت الروائية السورية الشابة روزا ياسين شهادة خلابة كانت أشبه بهذيان أدبي استعرض السيرة الإبداعية لها متوقفا عند أهم المفاصل الأساسية لتشكلها الروائي (صدّقت، ويا لجهلي، أن درب الثقافة هو درب الديمقراطية، لأصدم بالثقافة العربية، بنسختها السورية، أصطدم بالإقصاء، بالصعود على أكتاف الآخرين، بالاقتناص المحموم للفرص، وما إلى ذلك ... اليوم بتّ أقتنع أيضاً أن الكتابة التي تنعطف عند كل محرم، تدور حوله متجنبة إياه كلغم، باسم الحياء العام والحشمة الأخلاقية لا تستحق اسمها ، لأنّ الكتابةَ نبشٌ للمستور، فضحٌ للمسكوت عنه ..) .
الأسطورة تراث إنساني
بدوره قدم الروائي السعودي يوسف المحيميد شهادة كانت أشبه بموقف معرفي وفكري من الأسطورة ودورها في تشكيل ذائقته الإبداعية، مؤكدا أن العالمية هي إحدى أهم سمات الأسطورة وهذا ما يجعلها متاحة للجميع (هل نبتت الأساطير في ذاكرتي منذ كنت أسمع من أختي الكبرى أساطير الزير سالم وعنترة والمقداد الكندي وألف ليلة وليلة.. ثم تقافزت من رأسي حين أردت الكتابة..؟ فاستلهام الأساطير، ومنها أسطورة جلجامش في رواية (فخاخ الرائحة) جاءت من منطقة اللاوعي، ودون قصد، وأنا لا أسأل الأسطورة: هل هي حقيقية؟ بل أسأل: ما المقصود بها؟ هل اقتصر على توظيف الأساطير المحلية فحسب، أم أن الأسطورة في العالم تراث إنساني متاح للجميع، وهذا ما أميل إليه..) .
مسارات السرد العربي
الروائي المغربي سعيد يقطين قدم بحثا أكاديميا متقنا تتبع فيه مسار السرد العربي في علاقته مع وسائط التواصل ، متوقفا عند الرواية بصفة خاصة ،التي شهدت تحولات كثيرة في أنواع وأساليب الكتابة وذلك استجابة لحاجات التحول التي عرفها العربي في تاريخه الطويل ( مع السرد المجلسي كان العربي يعيش تحت وطأة الزمن . فكان السرد وسيلة لمواجهة الزمن وتقصيره وكان البعد الجماعي والشفوي المباشر الأداة الأساسية لتحقيق ذلك .أما مع السرد الكتابي، فكان البحث عن الإمتاع والاعتبار المحور الذي بنيت عليه الأنواع السردية العربية المختلفة ، من الخبر إلى السيرة الشعبية، وتأتي الرواية في العصر الحديث، وتحت تأثير الوسائط المتعددة، لتلعب دور الاستكشاف والبحث عن حقيقة الواقع ودلالاته الضائعة أو الغائبة، فكانت الرواية الورقية المطبوعة مصاحبة للقارئ أينما حل وارتحل وهو يسعى من خلالها استكشاف عوالم دائم التساؤل عنها .
أما الرواية المترابطة ، التي لما تكتب عندنا بعد ، فستأتي لتختزل كل التجارب السردية العربية لأن الوسائط المتفاعلة توفر إمكانية تحقيق ذلك ، فاتحة بذلك أفقا جديدا للكتابة والإبداع . ويمكننا الإشارة إلى أن هذه الرواية ستكون في آن ، بالنسبة إلينا نحن العرب ، بحثا عن زمن آخر غير الزمن الذي نعيش فيه، وكشفا واستكشافا لواقع افتراضي، هذا الكشف وليد الحاسوب والفضاء الشبكي الذي يتيح إمكانية الانغمار في عالم متعدد ولانهائي ومفتوح على كل الاحتمالات الفنية والدلالية ..).
التجريب تدمير للسائد
حاولت د.زبيدة القاضي (سورية) أن تثبت من خلال قراءتها لرواية نبيل سليمان (مجاز العشق) أن التجريب في الرواية مقترن بالأسئلة التي تسعى إلى تدمير سلطة السائد بالبحث عن إجابات جديدة، تحمل دون شك بذور أسئلة أخرى، وهذا ما يقتضي من الروائي البحث عن الشكل الفني الجديد الذي يحقق له الخصوصية والتفرد وصولا إلى تحول هذه المساءلة ذاتها إلى فضاء للكتابة ذاتها ( الرواية هي (ملتقى النصوص) بتعبير جماعة (التناص)، ولذلك فإنها تتسع بطبيعتها لمختلف الأجناس والفنون، تستطيع أن تعبر الأزمنة، لتستحضر التراثي والحداثي، والإخباري والتصويري، وتدمج العناصر المتباينة لتشكل منها نسيجا جديدا مختلفا.
الرواية شكل غير ناجز، وخارج عن أية قوانين صارمة أو نهائية..) .
الأحمر والأسود
أما الناقدة العراقية د. وجدان الصايغ فقد ولجت في بحثها (الرواية الأنثوية وثقافة اللون) إلى حيث ما يمكنها من الانتصاف لأدب الأنثى وذلك بالتقاط إحدى أهم مميزاته وهو اللون الذي طغى على كتابتها التي تلونت غالبا بلونين هما الأحمر الأسود (الدم والظلام)، وهما ما شكلا الذاكرة الجمعية للمرأة.
وحسب د. الصايغ، فقد استعار الرجل هذين اللونين من المرأة ليدخلها في ذاكرته الجمعية كرموز مفتوحة الدلالة للدم والظلام .
جدير بالذكر أن د. الصايغ، ولدعم فكرتها، عرجت على عدد من الروائيات كان منهن أحلام المستغانمي وميسون صقر وعفاف السيد وهند هيثم .
الأساطير حولنا أكثر مما نتوهم
حاول الأديب والناقد المصري د. مجدي توفيق تعقب المفاهيم النظرية المختلفة للأسطورة وأشكال تحققها وحضورها في الأدب وفي الواقع مستعرضا في الوقت نفسها العديد من الأبحاث والدراسات التي قامت برصدها وتبيان تشابكاتها وعلائقها في الأدب الشعبي والخيال العجائبي والسرد الروائي وتجارب الكتابة الحداثية (إن الطرق الشائعة في فهم الأسطورة لا تساعد على إدراك حضورها الهائل في عالمنا المعاصر، بل توهم أن العصرَ الحديثَ، بفضل العلم والتكنولوجيا، قد نفض يديه منها؛ فهي لا تزيد عن أن تكونَ حكاياتٍ عن الخوارق عرفها القدماءُ والشعوب البدائية، وهي ذات وظائفَ معرفيةٍ، واجتماعيةٍ، ونفسيةٍ، فحسب.
إن الأسطورةَ خطابٌ سرديٌّ يَطُلُّ من خارج على العالم المنطقي الواقعي..إن الأساطير حولنا أكثر مما نتوهم..) .
التأزم الحضاري في روايات خيري الذهبي
كذلك فعل الأديب والناقد السوري د.عبد الله أبو هيف في قراءته لثلاثية خيري الذهبي (التحولات) عندما قام بإجراء نبش معرفي للمستويات الفنية والفكرية لهذه الرواية وصولا إلى تأزمها الحضاري الذي هو تأزم عربي عام رغم أن الرواية قد اختارت دمشق زمنا ومكانا لها .
لوقيانوس السيمسياطي
تحدث الروائي السوري خيري الذهبي عن لوقا، الكاتب الإغريقي، السوري الأصل ، وتأثيراته على السرد العربي الأول كألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن وعجائب المخلوقات للقز ويني وفريدة العجائب لابن الوردي وغيرها،وكذلك على الكثير من كتاب العالم، منتقلا إلى تأثيرات لوقا على نصه شخصيا، متوقفا عند عبور الأسطورة للأديان واختراقها للشعوب والأزمان والذاكرة (أليس عجيباً هذا اللوقا الذي ترك أثره في رحلات غوليفر وفي غارغانتوا وبانتاغرويل وفي رسالة الغفران، وما يزال يصنع أثره في الكتاب جيلاً بعد جيل، وما يزال محجوباً عنا في لغته اليونانية، رغم إعلانه المتكرر عن سوريته).
08-أيار-2021
12-آذار-2016 | |
21-تموز-2012 | |
05-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 | |
24-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |