Alef Logo
الآن هنا
              

رأي حول رابطة العقلانيين العرب

2007-12-29

رابطة العقلانيين العرب ليست احتكارا للعقلانية ولا، بالتأكيد، للعروبة
أسيء فهم المؤتمر الأول لرابطة العقلانيين العرب الذي عقد في باريس في 23-25 تشرين الثاني الفائت، عن حسن نية حينا وعن سوء نية أحيانا.

المؤتمر باختصار كان دعوة مفتوحة لكل العقلانيين في المنطقة العربية للتآلف من أجل فكر تنويري، علماني، نقدي. أين العيب في ذلك؟ أن يأتي الرد من أصحاب فكر إطلاقي، منغلق كان أمرا مفهوما. ولكن نقاد المؤتمر والبيان التأسيسي كانوا من أنصار العقلانية. ولا عيب في ذلك لو كان نقدهم منسجما مع فكرهم.
الفكرة الأولى التي تناولها النقاد كانت احتكار العقلانية، حيث

رأى البعض أن "صفة العقلاني المنسوبة إلى النفس تنطوي على نفيَين: نفي العقل عن غيرك. ونفي تبيّن الحقيقة في «عقل» غيرك. إذ تنفي عنه العقل، تضفي على نفسك أوتوماتيكيا لقب المحتكر الحصري للحقيقة." هذه إساءة متعمدة للمؤتمر ولورقته التأسيسية. فالمؤتمرون أكدوا مرارا على أنهم لا يحتكرون الفكر العقلاني في المنطقة العربية. وجاءت الورقة التأسيسية لتؤكد على ذلك بقولها إن الرابطة تتوجّه "إلى جميع المثقّفين المحتجّين على تدهور الوضع في العالم العربيّ، ممّن يشاركونها الاعتقاد بدور العقل الفاعل وبوظيفة الثّقافة النّقديّة، لكي يغذوا موقعها الإلكتروني كما منشوراتها بإسهاماتهم ونتاجاتهم." وهي أكدت أنها " فهي لا تحتكر القول، ولا تدّعي الأسبقيّة في شيء، ذلك أنّها وجه لجهود مختلفة، حاضرة وقديمة، حلمت ولا تزال بمجتمع يحتكم إلى العقل ويطمح إلى الحرّيّة والمساواة."

العقلانية، إذن، طريقة في التفكير. وهي في تضاد مع الفكر الغيبي، الإظلامي، وفي تخالف مع الفكر العرفاني المباشر.

الانتقاد الثاني يتهم المؤتمر والورقة التأسيسية بالانكباب "على الأصولية الدينية فحسب." لم يوضح هذا الانتقاد أين "انكبت" الرابطة على نقد الأصولية الدينية "وحسب." وبدلا من المواقف الواضحة، اعتمد هذا الاتهام على "التلميحات" وحوار الكواليس. والحق أن الرابطة وورقتها التأسيسية أن العقلانيّة التي تقول بها رابطة العقلانيّين العرب تمثل "مطلباً مركزياً من مطالب الحداثة التي تقوم، في جملة الأسس التي تقوم عليها، على العلمانيّة والمجتمع المدنيّ" مركزة بشكل خاص على "دولة القانون وحقوق المواطنة الاقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة والتّعليميّة والمدنيّة." فهل في هذا "انكباب" على نقد الأصولية الدينية؟

الانتقاد الثالث يشدد على خطيئة اعتبار حزيران 1967 "مجرد محطة مجردة: كأن قبلها شيء، وبعدها شيء آخر: الصعود الأصولي وحده الفاعل فيها. كان نائما أو غافيا، فصعدَ، هكذا." ليس حزيران 67 محطة مجردة. إنه هزيمة فكر "حركة التحرر الوطني" الذي قاد المنطقة العربية إلى الفقر والجهل والهزائم القومية المتكررة، والذي فرض على الشعوب العربية حالة مستمرة من الطوارئ وعها مستداما من الأحكام العرفية. ولكننه أفرز أيضا فكرا أصوليا، شموليا متسلطا، يرى أن هناك حلا واحدا هو التراجع، ليس عن "منجزات" حركة التحرر الوطني العربية، ولكن عن فكر عصر النهضة العربية والتنوير العربي. فالفكر الأصولي لا يهمه التراجع عن فكر عبد الناصر والبعثيين العرب ولكن خصمه الرئيسي رفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي وعلي عبد الرازق وطه حسين ومحمد كرد علي، خصمه الأساسي الحريات الفردية والنظام الديمقراطي وحقوق الإنسان وفكرة الانتخابات والتعبير عن الرأي وتداول السلطة وأن الشعب هو مصدر التشريع. أيعقل أن يكون كل ذلك مبهما على نقاد مؤتمر رابطة العقلانيين العرب، أم هنالك ثمة أمورا لا نراها وستظهر تباعا؟

في مقابل ذلك، ما الذي تطرحه الرابطة؟ إنها تطرح"إعادة الاعتبار إلى الثّقافة النّقديّة، وتتطلّع إلى مجتمع بديل متحرّر من تديين السّياسة وتسييس الدّين، ومنعتق من العموميّات الإيديولوجيّة اللاّعقلانيّة التي تذيب القضايا جميعها في شعارات دينيّة عامّة مثل "الدّولة الإسلاميّة"، و"المجتمع المسلم" و"الاقتصاد المسلم"، وهي كلّها على مبعدة شاسعة من روح العصر وأفكاره وقيمه.

أما الانتقاد الرابع فيتركز على إساءة الفهم المتعمد لمفهوم العلمانية. النقطة الأخيرة. ويعتد هذا الانتقاد على ما "ساد في الجلسات" من "جو عام، قوامه أن العلمانية هي الحل، بعد وضع العقلانية في المرتبة الرمزية الدلالية التي تستحقها في هكذا حالة." ولا يقدم لنا هذا الانتقاد كيف ساد هذا الجو العام. وهو ههنا يعتمد على الحدس، كما اعتمد سابقا على "التلميحات."

ويخلص هذا الانتقاد إلى أن "فصل الدين عن الدولة، أي العلمانية، قاعدة من قواعد الديمقراطية." وهذا صحيح لولا ملاحظتان اثنتان: الأولى إن هذا القول يختصر العلمانية بفصل الدين عن الدولة، والثانية إنها قاعدة من قواعد الديمقراطية. وهذا الفهم هو الذي يجعل نقاد العلمانية يقول إن العلمانية يمكن أن تكون استبدادية كحال الاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية مثلا. والحال أن العلمانية أوسع بكثير من مجرد فصل الدين عن الدولة. إنها كما رأى كثرة من منظري العلمانية اعتبار الإنسان، لا فكرة خارجه، مركز الحياة البشرية. وبالتالي فإن جوهر العلمانية هو المساواة المطلقة بين الأفراد، باعتبارهم أفرادا، وبغض النظر عن دينهم ولونهم وعرقهم وجنسهم وحالتهم الاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا فإن اختصار العلمانية إلى مجرد قاعدة من قواعد الديمقراطية فيه اختزال كبير لها. والأحق القول إن العلمانية هي جوهر الديمقراطية، تماما كما أن الديمقراطية هي جوهر العلمانية. ولا يمكن لفكرة أن تقوم من دون الأخرى.

أما الانتقاد الخامس، وهو انتقاد يثير الضحك أكثر مما يثير الحزن، فهو أن "بعض المؤسسين هم من الماركسيين السابقين، أو “التائبين” وبعضهم يحمل شهادة دكتوراه باللاهوت، وبعضهم انتقد منتقدي رواية آيات شيطانية دون أن يكون قرأها. سيكون مضحكا مناقشة هذا القول مطولا. فالاتهام بالماركسية قول يحتمل أمرين: فإما أن يكون الفكر الماركسي أمرا جيدا أو سيئا. فإذا كان أمرا جيدا، فلا ضرر من أن يكون العقلانيون ماركسيين ، أما إذا كان سيئا، فإن التراجع عنه خير. وأما عن الفكر اللاهوتي، فأين لنا بمن يحمل شهادة دكتوراه من كلية الشريعة الإسلامية لينضم إلى الفكر العقلاني اللا-غيبي؟ وأما أن يكون المفكر الكبير صادق جلال العظم قد انتقد الذين استباحوا دم سلمان رشدي فهو قد انتقد فكرة التحريم والتكفير واستباحة الدم، وهذا ينطبق على حق الفرد في أن يعبر عن رأيه بالشكل الذي رآه مناسبا، وهو أمر لا يزال بعيد عن صاحب الانتقاد الذي يعيب على ورقة العقلانيين أنها لم تضع في صلب اهتمامها قضية العرب الأولى "فلسطين." يا حرام.
--
]*[ كاتب سوري







تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow