Alef Logo
ابداعات
              

قصة قصيرة / راحة

2010-03-23

خاص ألف
مقابل لوح صغير من الحلوى يقصد الكثير من الأطفال المساجد بعد صلاة العشاء لإقامة الموالد الدينية في مدينتي. وأنا كنت أحد أولئك الأطفال الذين اجتذبتهم نغمة المنشدين وقطعة الحلوى، (الراحة) بالفستق الحلبي، وأحياناً بدون فستق، حسب ما يحدد المتبرعون للمولد، ومن أولئك المتبرعين كان والدي –رحمه الله-.
وفي إحدى الأمسيات تقدم منّا الشيخ وهو يحمل كيساً ممتلئأ بتلك القطع ومدّ يده بداخله وقبل أن يخرجها رمقنا بنظرة حسبناها الموت ثم صاح بوجهنا:" هذه المرة سأعطيكم الراحة لكن لا أريد رؤية وجوهكم هنا في المرة القادمة..هناك مساجد أخرى في البلدة تقيم الموالد وتوزع قطعاً أكبر من هذه. أنصحكم بالذهاب إليها.." ثم وزع علينا القطع وأردف:" هيا يا أولاد خذوها وانصرفوا". فما كان منّا إلا سحب القطع من يده وانتشال أحذيتنا والهروب بأقصى سرعة من باب المسجد خوفاً من دعوة الشيخ علينا.
توجهنا نحو منزل صديق لنا كان قريباً من ذلك المسجد ونحن (نشطّ) و(نمطّ) بالراحة بين أسناننا ونتساءل:ما الذي دعا الشيخ ليتصرف معنا هكذا ويطردنا من الجامع؟.. على كل حال فقد فزنا بالحلوى المنشودة وهذا كل ما في الأمر.
تباحثنا الوضع في بيت الصديق لكننا لم نتمكن من إيجاد مبرر للفعل الذي قام به (حلّول) –وهو اسم الشيخ- إلا أننا قررنا العودة إلى نفس المسجد حين يقام مولد آخر لإزالة إشارة الاستفهام التي ظلّت تلازم رؤوسنا طيلة الأيام التي سبقت موعد المولد التالي.
في المساء، وعندما كنت أهمّ للخروج من البيت لملاقاة أصحابي والتوجه إلى الجامع، سألني والدي إن كنت سأذهب إلى المولد أم لا فأجبته بالإيجاب، عندها ناولني خمسمائة ليرة وأوصاني بشراء صندوق من الراحة ووهبه إلى المسجد كي يتم توزيعها على الحضور. عندها خطرت ببالي فكرة (سميدعية) حيث قررت شراء خمسين مصحفاً صغيراً بدل الراحة وإعطائها لـ (حلّول) الشيء الذي سيغيّر نظرته اتجاهي وأصدقائي. وحين طرحت فكرتي على أولئك الأخيرين أبدوا إعجابهم بالفكرة وتأييدهم لها فتوجهنا نحو مكتبة في وسط المدينة كنا نعلم بأنها تبيع المصاحف، كغيرها من المكتبات الثلاث الأخريات الوحيدات في مدينتنا في ذلك الوقت! وقمت بشراء المصاحف ووضعتها في صندوق (كرتون) ثم تناوبنا على حملها إلى أن وصلنا المسجد.
وفور دخولنا لمَحنا (حلّول) فقام من مجلسه وتوجه إلينا مبتسماً على غير العادة وخاصة حين رآني أحمل الصندوق، فرحّب وهلّل بمجيئنا ثم تناول صندوق المصاحف ودعانا للجلوس والاستماع إلى الأناشيد الدينية.
جلسنا على السجادة ونحن نرسم ابتساماتنا ونتمايل مع أصوات المنشدين يمنة ويسرة، هكذا حتى أحسست بيد حلّول وهي تجرني من كتفي، فوقفت ورافقته إلى زاوية المسجد مبتعداً عن المجموعة ثم أوقفني عند صندوق المصاحف:"ما هذا؟!" سألني حلّول..
-"إنها مصاحف لتوزعها على الحاضرين"
-"من أين جئت بها؟"
-"من المكتبة"
-"ألا تعرف بأن المصاحف لا تؤكل؟!"
-"نعم أعرف.. ولكنها تقرأ"
-"وماذا تفعل كل هذه المصاحف في هذا الجامع؟" سألني وهو يشير إلى الرفوف الموزعة على جدران الجامع.
-"إنها ليست للمسجد.. قلت لك بأنها توزّع على هؤلاء الناس".
-"بكم اشتريتها؟"
-"لا يجوز هذا السؤال.. يجب أن تقول بكم استوهبتها"
-"أنظر إلي جيداً.. أمامك خيارين، إما أن ترجعها وتأتيني بالنقود، أو أن تشتري بالنقود صندوقاً من الراحة وتأتي به إلى هنا.. أتفهم!"
-"لماذا؟ لقد ظننت أنها أكثر أجراً من قطع الحلوى".
وهنا، أمسكني من كتفي ثانية وقرّب فمه من أذني وهمس:"ألم أوصيك سابقاً بألا تأت إلى هنا.. اسحب أصحابك بكل هدوء وانقلع، هيّا.. فاليوم لا يوجد لدينا راحة..".
وبالفعل، فقد همست لأصدقائي كي نغادر المكان، وانسحبنا بخفّي حنين دون أن يسمح لي حلّول باسترجاع الصندوق.
ومرّت أيام وشهور وسنون، صار بعدها حلّول مديراً للأوقاف في المدينة، لكنني سمعت منذ فترة وجيزة أنه يقيم في السجن المركزي بتهمة اختلاس أموال المديرية، كما وأنه اعترف، أثناء التحقيق معه بأنه كان يمتلك دكّاناً يبيع فيه الراحة!
×××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow