يا بوش أنت منهم بمنزلة هارون من موسى
2008-01-19
" أ فلا يكفينا خزياً أننا استقبلنا قاتل الأطفال في بلادنا "
ما كدت أصدق عيني وأنا أتجول بين المحطات الفضائية العربية والصهيونية، وهي تصور الكرمالحاتمي الذي استقبل به القادة العرب الرئيس الأمريكي جورج بوش. كان كل شيء معد لإرضاء أرهف مشاعره وأحاسيسه التي يبكي بها على الشعوب العربية، حتى جعل قتل أطفال العراق وتشريد أمهاتهم نتيجة لمحبته ورقة عواطفه تجاه أهل الرافدين.
زعمائنا، الذين اهتموا بأدق التفاصيل خوفاً على مشاعر بوش، لم يراعوا ولو لحظة واحدة مشاعر العرب والمسلمين، من العراق إلى أفغانستان مروراً بفلسطين المنكوبة.
دخل بوش أرض العرب، وكأنه خالد بن الوليد وحاش لله، كان يحارب الأعداء وعاد كارّا لا فارّاً. أكل طعاماً تجاوز ميزانية دولة عربية ، ونزل الجنود بعشرات الألوف لحمايته وعدم تكدير مشاعره الرقيقة. ورقصت له الفتيات الحسان، وشارك في الفنون التقليدية للدول التي زارها، على اعتبار أنه من أهل البيت ويجوز له ما يجوز لغيره.
من أرض العرب، من الدول الشقيقة صرح جورج بوش بأنه لن يترك سورية وشأنها، وأن عليها أن تفعل ما يطيب له هو من اتخاذ قرارات ترضي أصدقائه في لبنان. ومن أرض العرب، صرح أن حزب الله وحماس منظمتان إرهابيتان، ومن أرضنا الطاهرة صرح، أنه جاء ليحارب إيران وأنه مستعد للوقوف إلى جانب الدول العربية ضد الخطر الإيراني.
لم يرد زعيم واحد على ما قاله بوش في حق سورية أو في حق غيرها، وكأن الأمر لا يعني الدول العربية البتة، وعجبت لقادة يتكلمون بالعربية يدافعون بها عن أعداء العرب. أ فلا يكفينا خزياً أننا استقبلنا قاتل الأطفال في بلادنا، حتى نسكت في حضرته وكأنه نزل من السماء. وليت أن العرب سكتوا فقط لما تكلم عن سورية، بل سكتوا لما طلب منهم أن يتصالحوا مع إسرائيل وأن يتعلموا منها الديموقراطية، وقال لهم بشكل مباشر إنه ملتزم بأمن إسرائيل.
تمنيت لو كنت في قلب القادة العرب وهم يسمعون هذه الجملة، لأعرف كيف كانت أحاسيسهم، هل شعروا بالكبرياء أم بالمهانة. لم يقل زعيم واحد رداً على هذه العبارة أن الصهاينة هم الذين يقتلون ويذبحون وهم الذين يعارضون قرارات مجلس الأمن وأن أمريكا هي نفسها التي تؤيدها في الاعتداء على الدول العربية.
لم يكتف بوش بذلك، فقد تكلم عن إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين وأن على العرب أن يقبلوا بالأمر الواقع، وأن عليهم بالتالي أن يقبلوا بربع فلسطين أو أقل من ذلك. وفي الوقت الذي يصر فيه بوش على أن الكيان الصهيوني دولة يهودية، لم يجرؤ قائد عربي على رفض هذه الفكرة صراحة والوقوف ضدها بشكل حاسم.
حزينة هذه الأمة وبائسة، هذه الأمة التي ليس فيها من يقول لبوش فأين ديموقراطيتكم، هل هي في "غوانتناموا" أم في "أبو غريب".
ولنفترض أن بوش صديقاً لتلك الدول، ألا نختلف معه على الأقل بأدب، ونذكره ببعض صور الحضارة الأمريكية في تقتيل الهنود الحمر، أو حرمان السود من الدواء في أمريكا، أليس من الواجب ومما يفرضه أدب الخلاف مع هذا الصديق، أن نضع صوراً كبيرة لأفعال جنوه في سجن "أبو غريب". ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد زار جورج بوش كل النوادي العربية وتمتع بالشمس العربية وتعلم الرقص بالسيف وتعلم تربية الصقور والصيد بها.
غريب، أن قادة هذه الأمة لم يأبهوا لمشاعر الثكلى في فلسطين والعراق، ولم يخجلوا من أمهات فلسطين اللواتي قدمن أبنائهن الرضع بل والأجنة في سبيل فلسطين وفي سبيل المسجد الأقصى. كيف استطاع هؤلاء القادة الضحك والتسامر مع الرجل متناسين الدماء التي سالت في العراق وفي فلسطين، متجاهلين الفوسفور الأبيض والأسلحة المحرمة التي تم استخدامها ضد العرب والمسلمين.
هل كانت صور الكلاب الصهيونية وهي تنهش نساء فلسطين حاضرة في رؤوس هؤلاء الزعماء وقت لقائهم ببوش، وهل كانت صور الأطفال المقطعة أيديهم حاضرة في أذهانهم عندما كانوا يأكلون ويستمتعون ويرقصون. أم أنهم منعوا أنفسهم حتى من التفكير في تلك المسائل حفاظاً على مشاعر بوش المرهفة.
حزني على هذه الأمة وأسفي عليها، المحطات الفضائية العربية رقصت قبل أن يرقص وغنت له قبل أن يغني بل ,أرسلت معه المراسلات الجميلات ليعرفن بالضبط كل خلجاته وأنواعها ويرسلن بالصوت والصورة ابتساماته ورضاه عن القادة العرب.
السؤال المحير والأمر المحزن، فإذا كان هذا حال الحكام الذين لا يجرءون على مواجهة جورج بوش أو يؤيدونه خوفاً منه أو حفاظاً على أنفسهم ولكن كيف يقبل الصحفيون الحديث إليه وسؤاله ونقاشه، فالصحفيون كما تعلمت مواقف وليس رواتب ومعاشات، وكنت أتوقع أن يترك بعض هؤلاء الصحفيين العمل أو يطلبون إجازة مرضية كي لا يتكلموا مع قاتل أبنائهم، فإذا بهم يلتفون حوله يتوسلون إجاباته وما يسألونه إلا ما يرضيه ويأنس مشاعره الجياشة، وتمنيت لو أن "وليد العمري" نأى بنفسه عن حضور مؤتمر بوش، وغامر براتبه لشهر واحد، فقد عرفت هذا الرجل من خلال إذاعة الشرق مناضلاً ولا أعرف كيف أصبح يقبل بالرأي والرأي الآخر.
سامحكم الله يا صحفيي الرأي الآخر، فإذا كنتم تريدون معرفة الرأي الآخر، أي الرأي الصهيوني والأمريكي فتعالوا إليّ, وأنا أقوله لكم مفصلاً، أو اذهبوا إلى أي طفل عربي في الخامسة من عمره، سيشرح لكم وجه نظر الصهاينة وأمريكا تفصيلاً من عملية السلام، إلى محاصرة غزة، مروراً بتقتيل أطفال المسلمين بالأسلحة الذكية.
كنت أحلم، ولكنني أحلم فقط، أن يقول زعيم عربي لبوش لما تكلم عن سورية، هذه دولة عربية وهذا شأننا نحن العرب ونحن نحل قضايانا بين الإخوة دون الحاجة لمشورتك، ولكنه حلم انقضى وما تحقق منه شيء.
جاء بوش إلى منطقتنا داعياً للسلام، هكذا قال الإخوة العرب، فذبح الصهاينة تكريماً لتشريفه أربعة وعشرين فلسطينياً من الشباب الغضة عظامهم. فرد مكرماً عنصرية الصهاينة بأن دعا إلى إسقاط حق العودة، فزاد الصهاينة كرمهم فاجتاحوا بعض مناطق غزة.
عذري لكل أم فلسطينية ولكل طفل فلسطيني مما عمله القادة العرب في حقكم، وعذري وإطراقي أمام كل مقاوم عراقي أصيل على ما فعله الأشقاء بهم.
وحدها المقاومة الباسلة ما أبهت لبوش وما رأته حتى بحذائها أهدت له عدداً من جثث المغول الأمريكان قبل أن يعود إلى بلاده فتحية لهم وكل كل إكبار و"سكت الكلام والبندقية تكلمت".
د. عوض السليمان - زمان الوصل
دكتوراه في الإعلام - فرنسا
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |