المعركة مستمرة ، واتحاد الكتاب يتحصّن وراء المؤتمر القادم
2008-01-23
إذا كان التمثيل النسبي، وغيرها من القضايا التي ستطرح للنقاش والتصويت عليها في المؤتمر القادم لاتحاد الكتاب العرب، أمور يمكن تصنيفها في خانة (اختلاف الرأي) الذي حصل كثيرا أثناءالنقاشات الخاصة بالأفكار الجديدة المزمع إدخالها على النظام الداخلي بهدف تعديله، إلا أن الحقيقة ليست بهذه الصورة دائما، فالانقسامات الحادة داخل الاتحاد وصلت إلى أعلى هيئاته التمثيلية (المجلس والمكتب التنفيذي)، وانتقل الخصوم من مرحلة النقاش داخل المكاتب إلى الذهاب نحو الشارع الأدبي (الأعضاء) لتحويل الخلافات إلى قضية رأي عام قبل الخوض في تفاصيلها في المؤتمر القادم .
معارضو التمثيل النسبي يرون في هذه الخطوة محاولة، ليس لاختزال أعداد الكتّاب الذين يحق لهم حضور المؤتمرات، بل أيضا لاختزال هامش التعبير الذي ترسخ طوال المؤتمرات السابقة،
فيما يرى مؤيدو الفكرة أن التمثيل قد بات اليوم ضرورة تُمليها الأعداد المتزايدة من الأعضاء إضافة إلى ضغط النفقات .
الصياغة القانونية والتنظيمية لاتحاد الكتاب العرب :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى تاريخه، بقي اتحاد الكتاب المنظمة الوحيدة في سورية التي لا يوجد بها تمثيل نسبي، بمعنى أنه يسمح لكل أعضائها بحضور المؤتمرات للانتخاب أو الترشح،
ورغم أن الاتحاد تابع (سياسيا) لمكتب الإعداد في حزب البعث العربي، إلا أنه، ولطبيعته الخاصة المتعلقة بالكتاب والمثقفين، حافظ على هامش واسع من الاستقلالية وبقي متمسكا بنصيّة المرسوم 72 لعام 1969 (مرسوم إحداثه، وفيه تعود تابعيته إلى وزارة الثقافة)، وبالنظام الداخلي الذي انبثق عنه، خلافا لبقية المنظمات والنقابات المهنية الأخرى التي أصبحت خاضعة للقانون الصادر عام 1981، وتحديدا للبند الثالث منه الذي ينص على أن (النقابة تنظيم يهدف إلى تحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، ويعمل وفقا لمقررات الحزب ..)،
هذا البند غير موجود في المرسوم 72 لعام 1969، وهو غير موجود في النظام الداخلي الذي يعمل به الاتحاد منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا .
في الممارسة العملية، كان لجميع الأعضاء الحق في حضور المؤتمرات السنوية والانتخابية، وكانت المادة 12 من النظام الداخلي معمولا بها في جميع المؤتمرات (يحق للعضو ممارسة حق الترشح والانتخاب لمجالس الاتحاد ..)، وحتى تاريخ انتخابات 1995 كانت القوائم مغلقة، يصدرها مكتب الإعداد الحزبي، بعدد 25 مرشحا، وهو عدد أعضاء المجلس، ومشكّلة من 13 بعثيا وجبهوبا أو اثنين (غالبا من الشيوعيين)، فيما تستكمل القائمة المغلقة بـ 10 من المستقلين المقبولين من السلطة .
منذ انتخابات 2000 اتبعت السلطة نظام الاستئناس ضمن البعثيين لاختيار 13 مرشحا منهم وترك بقية المقاعد للتنافس بين المستقلين (القائمة المفتوحة)، مع توجيه غير مباشر لانتخاب المرشحين الجبهويين.
وفي عام 2005 أصدرت السلطة قائمة بـ 14 مرشحا بينهم جبهوي واحد(بكداش)، وبذلك استمرت في ضمان السيطرة على قرارات المجلس وتكوين مكتبه التنفيذي بالكيفية التي تراها .
ورغم أن البعثيين لا يشكلون سوى ما يقارب الـ 30% من عدد أعضاء الاتحاد، إلا أنهم يسيطرون على أغلب مقاعد المكتب التنفيذي (ستة من أصل تسعة) ومجلس الاتحاد ( 13 من أصل 25) ومكاتب الفروع في المحافظات، والأسباب معروفة، منها أن البعثيين يشكلون كتلة انتخابية متجانسة مدعومة من السلطة، على عكس المستقلين الذين تتوزع انتماءاتهم وميولهم واصطفافا تهم.
معركة المزة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استجابة للتطورات الحاصلة، بدأت مؤسسة اتحاد الكتاب العرب، منذ سنوات، التفكير جديا بتعديل النظام الداخلي، وعليه فقد تم تشكيل لجنة مؤلفة من تسعة أعضاء من المجلس (خمسة من البعثيين وأربعة من المستقلين)، مهمتها اقتراح تعديلات على النظام الداخلي .
أنهت اللجنة أعمالها، ولكن مع خلاف جوهري حول موضوعة التمثيل النسبي، لذا صار لزاما طرحها للنقاش والتصويت عليها داخل المجلس فلم تنل سوى 12 صوتا من أصل الـ 25 صوتا وهذا ما أسقطها تماما، ما أغضب رئيس الاتحاد ودفعه لرفع الجلسة رافضا مناقشة بقية مقترحات التعديل التي عملت عليها اللجنة لأشهر طويلة، ورافضا السماح لنائبه بمتابعة أعمال الجلسة ..؟
هل كان مشروع تعديل النظام الداخلي مناورة للوصول فقط إلى فكرة التمثيل النسبي؟
يبدو أن انسحاب رئيس الاتحاد بهذه الكيفية، بعد سقوط المقترح بالتصويت، قد ولّد لدى البعض شكوكا، أو على الأقل مثل هذا التصور، فعضو مجلس الاتحاد، نزار بريك هنيدي، يعلن استغرابه مما يحصل:( من المثير للدهشة والاستغراب ، أن المسائل الهامة التي تحتاج إلى تطوير، لم تلق العناية التي تستحقها عند بحث تعديل النظام الداخلي، بل تم التركيز على تعديل مسألة واحدة هي تلك التي تتعلق بحق جميع الأعضاء حضور مؤتمراتهم العامة، وهنا لا بد من القول أن هذه النقطة تشكل أهم نقطة مضيئة وإيجابية في النظام الداخلي الأساس، ويجب العمل بكل قوة للحفاظ عليها وعدم تعديلها لأنها تتعلق بأهم حق من حقوق العضوية التي نص عليها المرسوم الجمهوري ..)، ويذهب عضو آخر في المجلس، (محمد حمدان)، في شكوكه أبعد من ذلك، ليتّهم رئاسة الاتحاد بـ(استيراد) فكرة التمثيل من خارج الاتحاد:(لقد جاءت فكرة التمثيل النسبي من خارج الاتحاد، مع أنني لا أنفي وجود من يرى هذا الرأي من أهل الاتحاد، فهل المقصود من ذلك أن بعض أهل النظام قد
ضاقوا ذرعا بهذا الهامش المتواضع الذي نتحرك فيه.. وهل يراد وضع الاتحاد في الجيب الصغيرة ..؟) .
بدوره يرى عبد القادر الحصني، عضو المكتب التنفيذي، أن الانتقال إلى التمثيل النسبي ليس سوى تنازل عن جرعة الديمقراطية المتوفرة في الاتحاد: (على الرغم من الأسباب الكثيرة التي طرحت لتبرير هذه الخطوة، أشعر بأنها ليست كافية لإحداث هذه النقلة، والذي أشتمه من وراء هذه المبررات مبرر آخر مسكوت عنه هو أن القيمين على الانتخابات يريدون ضبط مجرياتها من ألفها إلى يائها ..) .
أيضا، يستغرب البعض فكرة اختزال الكتاب وتمثيلهم بمندوبين في المؤتمرات، ويرون فيه عملا مشينا من النواحي الأدبية والفكرية والثقافية، فـ قاسم عزاوي، عضو مجلس الاتحاد، يقول: (لا يمكن لكاتب أن يمثل كاتبا آخر، كما لا يمكن اختزال أية مجموعة من الكتاب بمندوب، فكل كاتب له رؤيته الفكرية الخاصة التي يحق له طرحها في المؤتمرات..)، وفي الاتجاه نفسه يقول نزار بريك (إن أهم دور من أدوار مؤتمرات الاتحاد هو هذا التفاعل الخلاق الذي يجب أن يتم فيه، وإن فكرة المندوبين تعني حرمان الكاتب من أهم حق كفله له النظام الداخلي الأساس، وكفله له المرسوم التشريعي..)، وكذلك ينحو عبد القادر الحصني (الكتاب هم أشخاص نوعيون، والاتحاد بحاجة إلى مشاركة كل واحد منهم في المؤتمرات ..) .
ما هو التمثيل النسبي .. ولماذا ..؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تذهب فكرة التمثيل النسبي إلى ضرورة اختزال عدد أعضاء اتحاد الكتاب، الذين يحق لهم حضور المؤتمرات، إلى الخمس تقريبا وذلك بإجراء انتخابات داخل الفروع في المحافظات لاختيار ممثل واحد عن كل خمسة أعضاء .
المبررات التي يسوقها أصحاب الفكرة( ومنهم رئاسة الاتحاد) تتلخص بالعدد الكبير للأعضاء والبالغ عددهم حوالي الـ800، وهو ما يرتب على الاتحاد زيادة في النفقات ويجعل من الصعب ضبط المؤتمرات وتنظيمها.
من المبررات أيضا الرغبة في تشكيل لجان نوعية في المؤتمرات السنوية مثل اللجنة الثقافية والسياسية والفكرية والتنظيمية وغيرها، وهو ما يخفف من الفوضى السابقة ويمكّن من تنظيم وتفعيل عمل المؤتمرات .
بالمقابل، فإن معارضو الفكرة يرون مبالغة في هذه المبررات يصل إلى حد التهويل، بل إن التمترس ورائها لا يمثل سوى هروب من البحث الجاد عن حلول للمشاكل الجوهرية التي تتفاقم في الاتحاد، فحسب الحمدان ( كان معدل الحضور في المؤتمرات السنوية والانتخابية، على مدى الخمسة عشر سنة الماضية، يتراوح بين الـ 300 والـ330 عضوا..)، وبالرؤية نفسها كانت إجابة الحصني (إن عدد الذين يحضرون، على مدى المؤتمرات الخمسة الأخيرة، لم يكن يزيد عددهم على الذين يحضرون، وفقا لفكرة التمثيل النسبي، في الاتحادات الأخرى .. )، أما العزاوي فيرى أن هذا سيقود إلى خلخلة من نوع آخر(بما أن مندوبا واحدا سيمثل خمسة أعضاء، فإن دمشق وحلب ستنال الحصة الأكبر من المندوبين وهذا ما سيكون له تأثير جدي في تشكيل مؤسسات الاتحاد مقارنة بالفروع الصغيرة في الرقة ودرعا وأدلب ودير الزور وغيرها) .
للوهلة الأولى تبدو فكرة التمثيل النسبي صائبة ومشروعة، ولكن التمعن فيها، وبظروف طرحها، ينفي ذلك نفيا تاما، هذا ما يقوله محمد حمدان، الذي يتابع: (تم الترويج لفكرة التمثيل وكأنها ستحل مشكلة البيت الداخلي للاتحاد، وما أكثرها، بعد أن قطعت الدولة معوناتها عن الاتحاد منذ سنوات، من مشكلة الكتب المطبوعة المكدسة في المستودعات إلى المشاكل المادية للأعضاء من تعويضات صحية شبه معدومة، وراتب تقاعدي ما عاد شيئا مع جنون الأسعار، وصولا إلى الفوضى التي يعيشها الاتحاد والتآكل المعنوي الذي هو عليه الآن ..) .
بالاتجاه نفسه يذهب نزار بريك هنيدي قائلا: (إن المسائل الهامة التي تحتاج إلى تطوير، لم تلق العناية التي تستحقها عند بحث تعديل النظام الداخلي، ومن أهم هذه المسائل الحدّ من تمركز الصلاحيات بيد رئيس الاتحاد والمكتب التنفيذي، والعمل على تعزيز الديمقراطية داخل الاتحاد من خلال النص على الانتخابات الملزمة في الفروع بعيداً عن صيغة(الاستئناس) التي لا تعني إلا مزيداً من سلطة المكتب التنفيذي على إرادة الأعضاء في الفروع، وإنشاء لجنة للحريات، تعنى بالدفاع عن حرية الكتابة، ورفع الرقابة المجحفة عن الأعمال الأدبية، وإعادة النظر في آليات قبول الأعضاء الجدد، وكذلك في قراءة المخطوطات ونشرها، وتوزيع كتب ودوريات الاتحاد، وتفعيل مؤسسات الاتحاد، بدءاً من مجلس الاتحاد ومكاتب الفروع والجمعيات، إلى تعزيز الرعاية الاجتماعية والصحية والمهنية لجميع الأعضاء، ورعاية الكتاب المتقاعدين..) .
انقلاب أبيض :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو أن رئاسة الاتحاد لم تستسلم، ففي وقت لاحق دعت المجلس للانعقاد لتطرح مجددا فكرة التمثيل النسبي، ولكن بصيغة جديدة هذه المرة، تلافيا للاعتراض القانوني عليها، على اعتبار أنها قد سقطت في التصويت الأول ولا يجوز إعادة طرحها ثانية حسب النظام الداخلي .
الصيغة المعدلة تتمثل بحصر التمثيل النسبي في المؤتمرات الانتخابية وترك الحضور مفتوحا في المؤتمرات السنوية العادية، وبعد جدال واعتراض رضخ المعارضون للتصويت الذي جاء هذه المرة على عكس ما يتمنون حيث نال المقترح الأكثرية المطلقة وبات جاهزا لعرضه على المؤتمر القادم ليقول فيه كلمته الأخيرة. ويبدو أن هذه (المناورة) قد زادت من انقسام المجلس حيث اعتبرت التفافا على القانون، وفي هذا يقول العزاوي ( إن فكرة التمثيل النسبي قد سقطت تماما منذ التصويت الأول، وبالتالي فإن إعادة طرحها والتصويت عليها مخالف للنظام الداخلي)، وبالمعنى نفسه يقول الحصني (كنت خارج القطر عندما تم إعادة طرح الفكرة ثانية أمام مجلس الاتحاد، لا أدري كيف تم طرحها، ولكن، وعلى ما يبدو تم الأمر تحت غطاء الفكرة المعدلة ..) .
الآن، وقد بدأت تطفو على السطح التناحرات داخل اتحاد الكتاب ويعلو صليل الخلافات هنا وهناك، وكل يتوعّد الآخر في المؤتمر القادم، المزمع إقامته نهاية الشهر الحالي ..
لمن ستكون الكلمة الفيصل ..
وهل سيكون المؤتمر القادم علامة فارقة في تاريخ الكتّاب والكتابة .. ؟
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |