الشيطان... وقصائد أخرى: ليرمونتوف يضل طريقه إلى الشعر في الترجمة العربية
2010-04-12
خاص ألف
ـ1ـ
عام 1991، صدرت ترجمة عربية لمختارات من شعر ليرمونتوف، قام بها رفعت سلام، ولم تحظ هذه الترجمة بأي نوع من المراجعة أو التقييم على مدار أكثر من سبعة عشر عامًا مضت؛ ومر الأمر مرور الكرام رغم وجود ما هو أفضل من ترجمات الشعر الروسي وعن الروسية مباشرةً للشاعر والمترجم العراقي حسب الشيخ جعفر على سبيل المثال. وأعاد رفعت سالم نشر الكتاب ذاته بعد أكثر من سبعة عشر عامًا في القاهرة دون أدنى تعديل عن دار نفرو للنشر بالقاهرة 2008. وتوالت الأعمال المترجمة بعد الطبعة الأولى من هذا الكتاب؛ وكأن رفعت سلام قد حصل على ما يشبه الرُخصة كمترجم عبر هذا الصمت المُدان على ما اقترفه من آثام ثقيلة في ترجمته لأشعار ليرمونتوف وآخرين سنتناولهم بالدراسة تباعًا.
أول ما يلفت الانتباه في الطبعتين هو إصرار رفعت سلام على التعتيم التام على المصدر الذي ترجم عنه، بما يفضي إلى تعتيم آخر ينصب على اللغة التي تمت عنها الترجمة؛ وكأنه بهذا يستهدف تمرير الكتاب دون قراءة نقدية تقارن بين النص في اللغة المصدر (المجهولة) والنص في اللغة الهدف (اللغة العربية) أو يريد أن يسرب للقارئ العادي وهمًا مفاده أن الترجمة قد أُنْجِزَت عن اللغة الأصلية للقصائد (الروسية). والإشارة إلى المصدر الذي تمت عنه الترجمة تجنبًا لأي التباس أو غموض هو ألف باء ترجمة؛ وليس تفضلاً من المترجم على القارئ!
في كتاب الشيطان وقصائد أخرى لنتوقف طويلاً أمام قصيدة الشيطان التي وضعها رفعت سلام كعنوان للكتاب. وقد آثرت أن آتي بها في بداية هذه الدراسة لضلوع رفعت سلام في العبث بمفهوم/ مفاهيم ترجمة النص الشعري. وقد اعتمدت الدراسة في هذه القصيدة على واحدة من أفضل الترجمات الإنجليزية لهذه القصيدة، وهي الترجمة التي قام بها ALEXR CONDIE STEPHEN.[1]، وصدرت في لندن عام 1875، وقد صدرت آخر الطبعات من هذه الترجمة في يناير 1998 عنBristol Classical Press، ثم صدرت طبعة جديدة في أبريل 2009، عن دار نشرBiblioLife .
ولتكن البداية من السطور الأولى؛ لأن رفعت سلام لم يترك سطرًا واحدًا في ترجمته يستحثنا على تحيته أو الإشادة به، فيقول سلام في ترجمته[2]:
فوق الأرض الآثمة
حلق الشيطان الحزين
وذكريات الأيام السعيدة
تتزاحم حول روحه الطريدة،
ذكريات أيام كان يتألق فيها بالمرح
وسط الملائكة في أبهاء الضوء
حينما كانت المذنبات في طيرانها الجرئ
تقدم له ـ سعيدة ـ فروض الاحترام
إذ أنه طاهرًا وسط الملائكة،
سوف يحدد منازلها
وسط السدم الأبدية
بذهن حاد وحدس خاطف
عبر المسافات النائية للسماوات،
أيام كان يعرف الوفاء والحب،
البداية السعيدة للخلق!
أيام لم يكن الشك واللعنة السوداء
قد غمراه ـ بعد ـ بمرارة النفي العقيم عامًا وراء عام،
وحينما كان الكثير الكثير...
لكن ذلك
كان أكثر مما يمكن أن تحتمل الذاكرة.
والنص الإنجليزي نورده هنا لا للمقارنة، وإنما لنكشف انتفاء العلاقة بين النص السابق وقصيدة الشيطان تمامًا؛ فلا علاقة بين ما نشره رفعت سلام على أنه ترجمة قصيدة الشيطان لليرمونتوف، وما سوف يعلن عنه النص الإنجليزي للقصيدة الذي من المفترض أن سلام قد ترجم عنه أو عما يماثله:
THE exiled Demon, Spirit of Despair,
Was flying o’er earth’s sinful climes;
While in his weary brain rose, dark and bare,
Remembrances of happier times,—
When, pure and holy, in the realms of light
He shone amid God’s cherubim;
When, coursing in its golden tracks at night,
The fleeting Comet ever would delight
To interchange a smile with him;
When, through the circling ether’s vast extent,
Thirsting some knowledge to achieve,
He watch’d the movements of the firmament,
And all its wonders could perceive;
When he could love and still believe,
First of creation, happy and devout,
Guiltless of sin and ignorant of doubt;
Nor had his tranquil mind beset
A range of fruitless centuries past in ill . . .
His brain could hold no more . . . and yet
The past, the lost came crowding still!
دونما حاجة لشرح أو توضيح يمكننا أن نحاول ترجمة تخضع للبداهات المعروفة عن الترجمة، ولا تنصاع للكساح المعرفي أو فقر الوعي في أحيان وانتفائه في أحايين أخرى كثيرة فيما ادعى سلام أنه ترجمة:
فوق أقاليم الأرض الآثمة
كان الشيطان المنفي، روح اليأس، يحوم مرفرفًا
بينما تطفو ذكريات المواقيت السعيدة،
في ذهنه الضَجِر المكتئب، قاتمةً عارية،
حين كان يسطع، قدسيًا ونقيًا، في ممالك النور،
بين ملائكة الله؛
حين كان المذنب سريع الزوال
ينطلق في دروبه الذهبية ليلاً
كي ينتشي مبتهجًا إذ يتبادل معه الابتسامة؛
حينما كان يترقب تعاقب حركة القبة الزرقاء،
عبر المدى الشاسع للسماء الصافية،
ولديه توق لبلوغ بعض المعرفة،
وإدراك كل عجائبها الساحرة؛
حين كان يستطيع الحب، والإيمان بقلبه لم يزل،
أول الخلق، سعيد وتقي،
عارٍ من الإثم، رافض للشك؛
غير أن ذهنه المستكين استغرقته سلسلة من القرون
انقضت في الشر والاعتلال....
ولم يعد عقله قادرًا على الإيمان ثانيةً...
وحتى الآن، لم يزل الماضي والضالون يتزاحمون.
بمقارنة الترجمتين مع النص الإنجليزي نصل إلى نتيجة بسيطة مفادها أن رفعت سلام قام بعملية تأليف واسعة النطاق، أهدرت المعنى وما ينطوي عليه من شعرية، وكذا أهدرت التسلسل المنطقي لأي نسق معرفي أراد ليرمونتوف تسريبه إلى قارئه. ماذا يتبقى، إذن، من قصيدة الشعر لو ذُبح خطابها الإبداعي على هذا النحو؟!
لا مانع من المحاولة ثانية مع فقرة أخرى. فالترجمة العربية كلها باطلة ولا توجد جملة واحدة في هذه الترجمة تدعونا لمنحه لقب مترجم ولو على سبيل المجاملة والاعتراف بالتقادم.
في الفقرة التالية مباشرةً سنجد أنفسنا بعيدًا عن أي شبهة ترجمة، أو معرفة باللغة المصدر تحقق أبسط تعريفات الترجمة: فك شفرة اللغة المصدر وإعادة تشفيرها من جديد في اللغة الهدف. نحن بصدد محاولة أقل من مدرسية في ترجمة نص اعتمادًا على وجود القاموس. ومن البديهي أن نؤكد هنا على أن وجود القاموس وحده في عملية الترجمة هو العنصر الأقل قيمة في الترجمة كممارسة وكإبداع لا يقل في صعوبته عن الكتابة الإبداعية في سياقها العام. ولنبدأ بما اعتبره رفعت سلام ترجمة للفقرة الثانية من قصيدة الشيطان؛ التي أصبحت قصيدة لقيطة تنكرها شعرية ليرمونتوف، وينبذها النص الإنجليزي الذي تُرجمت عنه إلى العربية. يقول رفعت سلام:
طريدًا منذ زمان بعيد، يهيم وحيدًا،
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |