عن عمر يناهز واحدا و سبعين عاما توفي أمس الشاعر محمود السيد ، أول رئيس تحرير لمجلة ألف ( في طبعتها الورقية الصادرة في قبرص عن دار سومر ). بين عامي 1991 ـ 1993
ترك الرجل في وجه الشعر العربي عدة ندوب لا تنسى ، و بدأ موسمه مع أسلوب القصيدة المضادة عام 1964 بمجموعته ( مركبة الرغوة ) و التي أعادت النظر بمفاهيمنا عن دور الموجود و الغائب في الخطاب الشعري .
و لا شك أن جرأته الفنية و صدقه المستميت مع الضمير الفني للكتابة بشكلها الحديث و الأصيل حول القصيدة إلى جرح مؤلم.
أولا ، لأنه مثل المتنبي ضرب صفحا عن الأسلوب الشائع و اكتفى بالتعبير عن مكنونات العصر.
و ثانيا ، لأنه مثل السياب واظب على التنقل بين مختلف الاتجاهات و المدارس. و كان قاسيا إلى درجة المازوشية و تعذيب الذات في إنكار ما سلف.
و أخيرا ، لأنه اختار أن يعمل بصمت.
كان محمود السيد من مواليد عام 1939 ، و من أهالي مدينة مصياف بمحافظة حماة. عمل بالصحافة وانتسب لجمعية الشعر باتحاد الكتاب العرب ، و أقام بدمشق العاصمة. و قد صدرت له خلال مشواره المؤثر و الطويل الأعمال التالية :
مركبة الرغوة ( شعر ) ، الجرذ و الملك ( مسرحية ) ، مزامير ديك الجن ( شعر ) ، مونادا دمشق ( قصيدة نثرية ) ، سهر الورد ( نص ) ، تتويج العشب ( نص ) ،كتاب العشق ( نص ). و له أيضا : لا ( قصائد مضادة ) ، هللويا ( نص بقيامة البحر ) ، و غيرها...
دمج محمود السيد في مجمل أعماله بين عمودين في فن الشعر و هما : التجديد باعتبار أنه لم يكف عن الابتكار و التحول و اشتقاق المعاني الكامنة في موقفنا الوجودي من الحرية . و الأصالة لأنه لم يفرط في أية لحظة بقانون الضرورة.
و بهذا الرحيل المفاجئ ينضم إلى طابور آخر من الشعراء الفحول الذين أقاموا طوال الفترة الماضية في رواق الانتظار و كأنهم مسافرون دائمون ، و كأنهم مواطنون بدرجة ترانزيت ، منهم : محمود البريكان ( العراق ) ، و تيسير سبول ( الأردن ) ، و سوى ذلك.
أسرة تحرير ألف و أصدقاؤها يتقدمون لأهل الفقيد بتعازيهم ، و يسألون منهم و من الراحل صكوك الغفران لهذه الغيبة الإنكارية الطويلة.
لو أن الموت هو طريق الخلاص ( كما يرى كامو ) ، فهو بالنسبة لمحمود السيد الشاعر و الإنسان الطريق إلى الذكرى ..
نعتذر فليس على النت أي صورة للشاعر وهذا دليل عن عزوفه عن الشهرة .. فهو لم يكن يطل مجدا بل ناضل حياته كلها لأجل شعر ومختلف ومتميز
مجلة ألف