مختارات من الشاعر عمر يحيى
2010-04-14
مع أن قصائد الشاعر السوري عمر يحيى تعبر عن إرادة النهضة للحركة الكلاسيكية الجديدة ، فقد كانت جميع معانيه و صوره تضغط باتجاه روح رومنسية و متمردة و يشوبها كثير من القلق و الشك. و نعتقد أن هناك نقطتين لتفسير ذلك .
- الأولى سيرة حياته . فقد كان مولودا في مطلع القرن العشرين و بالتحديد عام 1902 في مدينة حماه ، القلعة الحصينة لأبناء الطبقة التجارية شديدة التحفظ و التمسك بالأصول. و لكنه في نفس الوقت تلقى تعليمه العالي في القدس أيام كانت المواجهة مع المخطط الصهيوني في عنفوانها ، و قام بالتدريس في مدينة أنطاكية و هي أيضا محطة و منارة. فقد حملت أعباء المقاومة ضد فلول الإمبراطورية العثمانية ، المعروفة باسم الرجل المريض ، و ضد النوايا الخبيثة لصفقة اللورد سايكس مع المونسنيور بيكو. باختصار كان نصيب عمر يحيى أن يمر بنقطتين حزينتين و هامتين في الرحلة المضنية للثورة العربية .
- و التفسير الآخر يأتي من ضمن السياق ، و نقصد بذلك المرجعيات و المؤثرات . كانت لعمر يحيى صداقات مع رموز تلك الفترة و في المقدمة الأستاذ أحمد الصافي النجفي ، ثم مؤسس القصة الفنية الحديثة الأستاذ قدري العمر الذي نقل القصة من شكل الذاكرة الشعبية إلى دائرة خطاب يفهمه الجماهير و لا يضحي بقيمة و بلاغيات النص ، مثلما فعل همنغواي حينما عبر عن هموم النخبة بلغة إنسان متوسط الثقافة .
من عناصر التجديد في شعره رثاء الأوابد التاريخية و الأبنية المتهدمة ، و تكنيك الحوار الدرامي مع الأموات ، ثم بعض الصور التي تشير إلى معرفته بالفن القوطي و لا سيما الوجدان الرومنسي الخائف و المتردد. و من أشهر العيوب و المطبات الفنية التي تورط بها عدم الالتزام بروي واحد ، و التصرف بالألفاظ لضرورات الشعر.
في كل الأحوال كان عمر يحيى شاعرا وطنيا ، و هو نموذج حمل في جيناته كل مورثات المثاقفة الكسيحة و النخبوية ، و المرتبكة .
و فيما يلي منتخبات من ديوانه الصادر في أنطاكية بعنوان ( البراعم ).
1 - ذكرى لامارتين : ألقيت في بيروت
ردد الشرق ثناه و حكى ما له من موجبات الكرم
و حباه ما حبا و اشتركا مع أهليه بذكري العِظم
***
مسحة الحزن على آثاره فهو في كل معانيه كئيبُ
مدنف تقرأ في أشعاره روعةَ الشمس إذا حان الغروب
و أغانيه على قيثاره آهة الثاكل أو دمع يصوب
في ربيع العمر ما شاء شكا و قضى و هو شجيُ النغم
أيّ كأسٍ أترعت قد علّكا من رحيق الحزن ربّ القِسمِ
***
عبقريّ أنت روحي الشعور نابغيّ الليل موْْحيّ الأنين
إن توسدت على يُسري الحسير فعلى الأحشاء تحنو باليمين
ترتجي الصبر من القلب الكسير و هو مقسوم من الداءِ الدفين
لو وعت أذن الليالي لحنكا لغدا النجمُ أسير القلم
شاعر الحب إذا الحِبّ ( 1 ) اتكى يشتكي وقع الأسى في الظلم
2 - قلعة حماه : نشرت في الزهراء
أشرفت في بُهرة ( 2 ) الحي الأمين وسمت بين ربوع الصامتين
نطقت و هي معرّاة الذرى فهي بالصمت تبذ الناطقين
ما لها من بعد ما كانت حمى أصبحت مرعى الذئاب العابثين
إن من يذكر منها مجدها يتولى و هو بالقلب الحزين
و يرى الأحداث في كثبانها ماثلات ترقب الغيب الكنين
و لها أمّا تراءت في الدجى صور شتى تروع الناظرين
***
قم على السفح و شاهد منظرا يبعث الوجد و يرضي الشامتين
جللته روعة ممزوجة بأفانين من الداء الدفين
و على الوادي جلال قاتم في ثناياه عميم مستبين
و تأمل رهن لحد ضيق بعد أن كان مليكا لا يدين ( 3 )
.....
ليت إسماعيل حي فيرى وحشة الدار و نوم القاطنين
يمّحي الميت و يبقى رسمه و يغول ما غال القطين
3 - ذكرى استقلال سورية : ألقيت في طولوز و نشرت في القبس
أي عيد عاد فينا مأتما و ربيع حال بؤسى و نكد
و ابتسامات تلتها دمعة خددت في صفحة المحزون خد
يخدع المرء أخاه طالبا غاية حتى إذا نال جحد
و يمنيه بما يطربه من أمانيه رياء و فند
قتل الإنسان ما أكفره يطلب النفع و ينسى إن سعد
أصبح العاصي كليما بعده و غدا الوادي غريقا مضطهد
ناحت الأخشاب في روضته و بكى في دوحه طير وجد
معرب يندب في أرجائه حرقة أو معجم واهي الجلد
إن آذار لذكرى مرة كلما عادت لنا أورت زند
هوامش :
1 – الحب بالكسر هو المحبوب
2 – بهرة المكان و الزمان وسطه
3 – هو أبو الفداء إسماعيل بن علي ملك حماة و صاحب التاريخ
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |