نظرة على الأدب الرمزي / من مقدمة ديوان البراعم لعمر يحيى / الشاعر أحمد الصافي النجفي
2010-05-10
تقع أفكار أحمد الصافي النجفي تحت ـاثير عاملين : شخصيته و مرحلته. فمن الناحية الشخصية كان الرجل بدويا ، و يميل للوضوح و المباشرة في تعامله مع المجتمع و مع خبراته و مصادره.
و من الناحية التاريخية هو مثل غيره من اصحاب القلم و الكلمة ، لم يكن شجاعا بما فيه الكفاية ليمزق أصول أوراقه القديمة التي تعبر عن المتبقي ( رسوبيات خلافة عثمانية إقطاعية ) ، و في نفس الوقت كان ينطوي على بذرة طيبة تعكس بذرة الفجر الجديد ، حتى لو أنه مقدمة لمؤامرة خسيسة و لصفقة هدفها بيع عرش الرجل المريض في المزاد العلني.
ألف
لا بأس أن ألقي نظرة على ما يسمونه بالأدب الرمزي أو بالأصح أدب الطلاسم الذي يعتمد على ألفاظ موسيقية رنانة متصنعة و معان سطحية واهنة و عواطف مبتذلة فيقضي القارئ المسكين أوقاتا طويلة في فهم تلك الرموز و حل تلك الطلاسم في هذا العصر عصر السرعة و استثمار الوقت – و بعد أن يفهم تلك المعاني يجدها معاني عادية أخذت قيمتها من إضاعة الوقت في استكشافها لا من ذاتها و كلما صرف المرء جهدا أكثر في تحصيل شيء زادت قيمته عنده و كانت تلك القيمة للمجهود لا للشيء. و لذلك يجد المرء لذة في أكل السمك الذي اصطاده بيده أكثر من السمك الذي اشتراه من السوق و هكذا القول في قيمة تلك المعاني الرمزية فهي كقيمة النقد الذي يستخرجه الإنسان من تحت الأرض بعد جهود كثيرة فيصبح ذا قيمة لديه و لو وجد نظيره في ( الأنتيكخانات ) لما أعطاه تلك القيمة و إذا سلمنا أن للإبهام جمالا فيجب أن نعرف أن جمال الإبهام هو جمال عدم الفهم !.
و هنا نرى واجبا علينا أن نلفت نظر القارئ إلى أن ما انتقدناه في الأدب الرمزي هو أن تكون المعاني سطحية و لكن تأخذ إبهامها من وضعها في الرموز و الطلاسم أما إذا كان الأدب الرمزي مبنيا على أن يكون المعنى بحد ذاته عميقا و قد بقي مبهما بالرغم عن سعي الشاعر لتوضيحه لأنه بعيد التناول فإنا نرحب بهذا النوع من الأدب الرمزي و نضعه في أعلى طبقات الأدب و لا بأس هنا أن نذكر للقارئ الكلمة الشائعة بين أدباء الفرس سيما المتصوفين منهم في التفريق بين جلال الدين الرومي و محي الدين بن العربي الإمامين الكبيرين في التصوف ، قالوا : ( إن ابن العربي جعل البديهي مشكلا أما جلال الدين الرومي فقد جعل المشكل بديهيا ) و معنى ذلك أن ابن العربي جرى على طريقة الأدب الرمزي في معمياته و ألغازه فأضاع أوقات القراء و جعلهم يخبطون في دياجير الأوهام و التكهنات و الحدس و التخمين و حينما يتوفق أحدهم لكشف مراده و فهم معناه يجد المعنى سطحيا لا يستحق ذلك الجهد و التعب. و نذكر من باب التفكهة مثالا عن طريقة ابن العربي في إبهامه و هو هذه الحكاية التي و إن لم تثبت تاريخيا فهي تدل على طريقته في الإبهام و هي أن ابن العربي وقف يوما أمام الجماهير في أحد جوامع دمشق و صاح قائلا : أيها الناس إن معبودكم تحت قدمي فما كان من الجماهير الذين لم يفهموا مغزى قوله و حملوا كلامه على الكفر و الزندقة إلا أن هجموا عليه و قطعوه إربا إربا و بعد مرور مئات السنين سمع أحد الملوك العارفين هذه الحكاية فقال للناس : ( احفروا حيث وضع ابن العربي قدمه فحفروا و وجدوا ثمة ذهبا مكنوزا فكان ذلك تفسيرا لكلام ابن العربي المبهم الذي أودى بحياته ) ، و هنا نقول لو صحت الحكاية : ما كان ضر ابن العربي لو أوضح مراده لأولئك الجماهير و قال لهم إن الذهب الذي اتخذتموه معبودا من دون الله هو مكنوز تحت قدمي. فيكون بذلك قد حفظ حياته و نفع غيره باكتشاف الذهب و إنفاقه و لكن ما العمل و هو مرض الإبهام و الطلاسم الذي ينتهي على الأغلب بصاحبه وحده أو مع غيره إلى الموت و يضيع على الناس أوقاتهم و فوائدهم كما أضاعت رموز جابر بن حيان كثيرا من الأعمار و الأوقات و النفوس و الذهب في سبيل اكتشاف طريقة صنع الذهب و كما يضيع اليوم كثير من الشعراء الرمزيين أوقاتهم و أوقات قرائهم في سبيل المعاني النحاسية التي يحسبونها ذهبا.
أجل إننا نحارب الأدب الرمزي القائم على المعنى البسيط و التعقيد اللفظي أما الأدب الرمزي القائم على التعبير الواضح و المعنى العميق البعيد التناول فإننا نرحب به و نقدسه.
دمشق – أحمد الصافي النجفي
- من مقدمة الديوان المذكور ، ص 4 – 7 .
××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |